وفيما تحتدم المواجهات بين النظام والفصائل، والتي تنذر بانزلاق الموقف العسكري نحو الأسوأ، يسعى الجانبان التركي والروسي إلى انقاذ اتفاق "سوتشي" المبرم بينهما في سبتمبر/أيلول الماضي، والذي كان من المفترض أن يجنّب محافظة إدلب عملاً عسكرياً واسع النطاق من قبل النظام، إلا أنه فشل في ذلك على ما يبدو. وأجرى الطرفان سلسلة اتصالات بدأت أول من أمس الإثنين بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، الذي حمل النظام المسؤولية عن محاولة تقويض الاتفاق، واستكملت بمباحثات أمس الثلاثاء، بين وزيري الدفاع سيرغي شويغو وخلوصي آكار، ركزت على التدابير التي يجب اتخاذها لخفض التوتر بالمنطقة، وكذلك على القضايا الأمنية الإقليمية في إطار اتفاق سوتشي.
وكانت وكالة "الأناضول" نقلت عن رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية قوله إنّ "أردوغان وبوتين بحثا العلاقات الثنائية وآخر المستجدات في إدلب السورية، وأكدا التزامهما بتفاهم سوتشي". وأضاف أنّ الرئيس التركي أكّد أنّ انتهاكات النظام السوري لوقف إطلاق النار في مناطق خفض التصعيد خلال الأسبوعين الأخيرين، وصلت إلى مرحلة مقلقة، وشدّد على أنه لا يمكن إيضاح استهداف قوات النظام للمدنيين والمدارس والمستشفيات وتدميرها بذريعة مكافحة الإرهاب. كما شدد أردوغان على أنّ النظام السوري يهدف إلى تخريب التعاون التركي الروسي في إدلب، والإضرار بروح مسار أستانة، مشيراً إلى أنّ التوتر في إدلب يهدّد تأسيس لجنة لصياغة دستور جديد لسورية، ومن شأنه إفشال العملية السياسية.
وتأتي المحاولات الروسية التركية في وقت استأنفت قوات النظام السوري، أمس الثلاثاء، عمليات القصف الجوي والمدفعي على ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، إذ شنّ طيران النظام السوري ستّ غارات على مدينة خان شيخون في ريف حماة الجنوبي، مستهدفاً العديد من طرقات المدينة، ما أدى لوقوع أضرار مادية. كما قصفت الطائرات المروحية بالبراميل المتفجرة قرية ترملا بريف إدلب الجنوبي، في وقت طاول القصف المدفعي العديد من المناطق في ريف حماة الشمالي، وخصوصاً على محور مدينة كفرزيتا، بعد يوم من قتال وُصف بـ"الضاري" عقب هجوم فصائل المعارضة على قوات النظام ومليشيات تتبعها في مناطق عدة.
وفاجأت الفصائل الاثنين قوات النظام في ريف حماة الشمالي بشنّ هجوم واسع على محاور عدة، بينها الحماميات، وتل الحماميات، وكفرنبودة، والجبين، في خطوة تهدف لاستعادة ما خسرته المعارضة منذ أيام، ولا سيما مدينة قلعة المضيق وبلدة كفرنبودة وقرى أخرى في محيطها. وأكدت مصادر في "الجيش السوري الحرّ" أنّ أغلب الفصائل النشطة في شمال غربي سورية شكّلت غرفة عمليات واحدة وشاركت في الهجوم الذي كان مخططاً له منذ أيام، وبدأ بعد استكمال وصول التعزيزات والدعم العسكري من ذخيرة وعتاد من مناطق "درع الفرات"، و "غصن الزيتون". ونُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تؤكد مقتل عدد كبير من قوات النظام ومليشيات تساندها في الهجوم بينهم ضباط، فيما تحدّث "المرصد السوري" عن تسبّب المعارك والقصف بمقتل 42 مقاتلاً خلال 24 ساعة بينهم 16 عنصراً على الأقل من قوات النظام، مقابل 19 من الفصائل.
وأكدت مصادر في المعارضة أنّ الهدف من الهجوم "ضرب خواصر قوات النظام المتمركزة في قلعة المضيق وكفر نبودة"، مضيفةً في حديث مع "العربي الجديد"، "يمكن القول إنّ هناك توازنا في الموقف العسكري، وأنه أُوقف زحف قوات النظام، وباتت مدن وبلدات الهبيط، وكفرزيتا، ومورك، واللطامنة، خارج دائرة الخطر".
من جانبه، أوضح العقيد مصطفى البكور قائد العمليات في جيش "العزة"، أبرز فصائل "الجيش الحر" في ريف حماة الشمالي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "كل المناطق مهمة، وخصوصاً منطقة ريف حماه الغربي بسبب تواصلها مع منطقة الغاب"، موضحاً أنّ "السيطرة عليها تقطع الطريق على الروس في إكمال مسعاهم للسيطرة على القسم الغربي من مناطق المعارضة".
وأكد البكور أنّ فصائل "الجيش السوري الحر" لديها الإمكانية للانتقال من الدفاع إلى الهجوم، مشيراً إلى أنّ كل شيء "متوقّع" في الحرب، بما فيه تهديد مدينة حماة في وسط سورية. كما أعرب عن رضاه عن مستوى التنسيق والتعاون بين الفصائل للتصدي لقوات النظام، بقوله: "التنسيق جيّد، ونطمح إلى الأفضل".
سياسياً، طالب رئيس "الائتلاف السوري المعارض"، عبد الرحمن مصطفى، المجتمع الدولي والأطراف الفاعلة في الملف السوري، بوضع حدّ لخروقات القصف على إدلب، ومنع أي اجتياح شامل لها. وحذّر مصطفى في مقابلة مع وكالة "الأناضول" أمس، من التداعيات السلبية التي قد تطال دول العالم بأسره في حال أي محاولة لاجتياح المنطقة" من قبل النظام السوري وحلفائه.
وتُعدّ محافظة إدلب المعقل الأبرز لفصائل المعارضة المسلحة، خصوصاً بعد تهجير عدد كبير من مقاتلي ريف دمشق وجنوب سورية وريف حمص الشمالي إلى الشمال السوري. وكانت انضوت أغلب الفصائل تحت جناح "الجبهة الوطنية للتحرير" التي تضم 11 فصيلاً، هي: "فيلق الشام"، "جيش إدلب الحر"، "الفرقة الساحلية الأولى"، "الفرقة الساحلية الثانية"، "الفرقة الأولى مشاة"، "الجيش الثاني"، "جيش النخبة"، "جيش النصر"، "لواء شهداء الإسلام في داريا"، "لواء الحرية" و"الفرقة 23". وإلى جانب هذه الفصائل، هناك "جيش العزة" الفصيل الأبرز في ريف حماة الشمالي الذي يُعتبر من أقوى فصائل "الجيش الحرّ" لجهة التدريب والتسليح، ويضمّ ضباطاً منشقين عن جيش النظام يتولون قيادته وتدريب عناصره.
ولجأت فصائل الجيش السوري الحر في الآونة الأخيرة إلى تنفيذ كمائن لقوات النظام في ريف حماة الشمالي، حيث لا يكاد يمرّ يوم من دون تدمير آليات عسكرية لهذه القوات بمن فيها من عناصر، بصواريخ مضادة للدروع. وضغطت قوات النظام خلال الأيام الفائتة على محورين؛ الأول في ريف حماة الشمالي للسيطرة عليه إذ يضمّ مدناً تعدّ معقلاً بارزاً للمعارضة السورية المسلحة منها مورك وكفرزيتا واللطامنة، إلا أنّ هذه القوات تجد مقاومة من قبل فصائل المعارضة التي وضعت ثقلها في المعركة للحد من التراجع نتيجة اندفاعة مفاجئة من قبل قوات النظام ومليشيات محلية وطائفية تساندها، ولّدت مخاوف جدية على ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي. أما المحور الثاني، ففي ريف اللاذقية الشمالي، حيث تسعى قوات النظام إلى فتح طريق باتجاه مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي وتهديدها، ولكنها تلقت رداً قاسياً من فصائل "الجيش السوري الحر"، خصوصاً في قرية الكبانة، حيث تكبدت خسائر فادحة في الأرواح.