ليبيا: "الملتقى الوطني" يدفع إلى سباقٍ عسكري وسياسي بدعمٍ دولي

12 فبراير 2019
يحاول حفتر التغطية على تحركاته حول طرابلس(Getty)
+ الخط -


تجاوزت الأوضاع المتوترة سياسياً وعسكرياً في ليبيا، المعتاد، لتصل الى حدّ مسابقة الزمن تلافياً لنتائج مساع دولية، قد لا تكون في صالح طرفي الصراع في البلاد، ومن ورائهما دول طامحة للسيطرة على أكبر قدر من المواقع المهمة، لاسيما تلك المرتبطة بالطاقة والنفط.

وتشير خطوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر الى حرصه على التحرك علناً في الجنوب الليبي، وإثارة التوترات، للفت الأنظار بعيداً عن تحركاته غير المعلنة حول العاصمة طرابلس، في سعي منه للاقتراب منها وربما اقتحامها بغتة، بينما تسابق أطراف سياسية مناوئة له الوقت، للإعلان عن عقد "الملتقى الوطني الجامع"، والذي تريده أن يكون بمثابة تعرية سياسية لحفتر، وإزاحة الغطاء الذي يمده بالشرعية أمام العالم، أي مجلس النواب، الذي ستبقى قراراته بلا أي تأثير في حال تلاقي ممثلين للأطياف والمكونات الليبية في ملتقى واحد، منوط به تقرير مصير الانتخابات والاستفتاء على الدستور.

وبحسب دبلوماسي ليبي رفيع مقرب من روما، فإن العاصمة الإيطالية، ومن ورائها واشنطن، تسعيان إلى سرعة عقد الملتقى الجامع في أقرب وقت، بعد انتهاء البعثة الأممية فعلياً من تحديد الأطراف المشاركة فيه، وتستعد للإعلان عن  موعده خلال الأسابيع المقبلة.

وحول أهداف الملتقى، قال الدبلوماسي إنه "
سيزيح مجلس النواب واقعياً من المشهد، إذ إن توفره على ممثلين عن كل المناطق الليبية والأطياف المجتمعية والسياسية، يجعله في الواقع بمثابة برلمان جديد، ولن تكون قرارات البرلمان الحالي مؤثرة في حال اتخاذ المشاركين في المؤتمر قرارات تتعلق بالانتخابات والدستور، وهو ما يسعى حفتر لاستباق نتائجه من خلال فرض نفسه على الأرض كمسيطر على أغلب أنحاء البلاد"، لافتاً الى أن هدف داعمي حفتر الدوليين، كفرنسا وروسيا، هو فرض االواء الليبي المتقاعد كرقم لا يمكن للملتقى تجاوزه.

وتطرق الدبلوماسي الليبي، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، إلى أهمية مواقع النفط في ليبيا بالنسبة للعالم، مضيفاً أن "المسيطر عليها يملك الكثير من مفاتيح التأثير على القرارات المتعلقة بالشأن السياسي، ولذلك تسعى فرنسا وروسيا ودول عربية متحالفة معها إلى أن تكون هذه المواقع في يد حفتر".

وفي ما يتعلق بالعاصمة الليبية، فقد رأى المصدر أنه 
ليس من السهل على حفتر دخول طرابلس والسيطرة عليها، لافتاً إلى أن هذا الأمر "يدركه كذلك داعموه الدوليون والإقليميون، فحكومة الوفاق محمية من دول على رأسها الولايات المتحدة، لكن يمكن لحفتر على الأقل تهديدها بواسطة بناء تمركزات له قريبة منها". وأشار في هذا الصدد إلى ما يجري من سعي حفتر للتواجد في ترهونة جنوب شرق البلاد، وفي العجيلات وصرمان غربها، وإلى أنه لا يعدو كونه رسالة من اللواء المتقاعد بأنه قريب من طرابلس.

ورجح الدبلوماسي الليبي أن تكون زيارة وزير خارجية حكومة الوفاق، محمد سيالة، لواشنطن، مرتبطة بمجريات الأوضاع الراهنة، وإمكانية أن يكون الأخير قد انتزع دعماً أكبر لحكومته، يتمثل أولاً بمنع حفتر من دخول العاصمة، وذلك كما نجحت الحكومة في التأثير على حكومات دول كبرى، لمنعه من السيطرة على حقول النفط.

وفي إشارة إلى المساعي التي يبذلها حفتر للاقتراب من طرابلس، حذر النواب الممثلون لمصراتة في مجلس النواب، المجتمع الدولي، من مغبة الاقتراب من العاصمة.

وبحسب بيان لهؤلاء النواب إثر لقائهم سفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا مساء أمس الإثنين، فإنهم قد اعتبروا أن "عملاً عسكرياً يستهدف عاصمة البلاد، سيطيح بحالة السلم الهش، ويدخل البلد في صراع مميت الرابح فيه خاسر".

وأفاد بيان النواب بأن اللقاء "ناقش مع الاتحاد الأوروبي عقد الملتقى الوطني الجامع"، مؤكدين أن "المتغير الحاسم لنجاح هذا الملتقى، هو الدعم الدولي الحقيقي، وليس الصوري"، ومشيرين إلى إمكانية إعادة تجربة اتفاق الصخيرات إذا لم يدعم المحتمع الدولي بشكل حقيقي مخرجات الملتقى.

في المقلب الآخر، يبدو مجلس النواب اللليبي، وكأنه يستشعر جدياً خطوات المجتمع الدولي لتجاوزه، إذ جاءت تصريحات أعضاء لجنة الشؤون الخارجية بعد لقائهم السفير البريطاني فرانك بيكر أمس الاثنين، مخيبة للآمال.

وأكد عضو اللجنة، عز الدين قويرب، خلال تصريحات أدلى به مساء أمس، أن اللقاء سعى إلى معرفة دور الملتقى الوطني الجامع المقبل، وإلى أنه ناقش طلب السفير إجراء الانتخابات البرلمانية، فقط دون الرئاسية، كأهم المخرجات التي سيتمخض عنها المؤتمر الوطني الجامع المرتقب.

ونقل قويرب عن السفير البريطاني رغبة بلاده في عقد المؤتمر الوطني الجامع  بـ"هدف تجديد شرعية برلمان الدولة"، لافتاً إلى أن البعثة الأممية في ليبيا "حشدت من أجل ذلك حتى الآن أصوات ثماني دول مؤثرة في المشهد الليبي، من أجل الدفع في هذا الاتجاه".

وأضاف النائب الليبي أن "الملتقى الوطني المرتقب لن يناقش اختيار سلطة تنفيذية جديدة، بل سيرعى العملية الدستورية الانتقالية"، مبيناً أن السفير البريطاني نقل رسالته لمجلس النواب التي تفيد بـ"رغبة في إجراء تغيير على مستوى السلطة التشريعية واستمرار المجلس الرئاسي الحالي محتفظاً بصفته وصلاحياته الرئاسية، إلى حين الوصول لدستور دائم للبلاد، وإجراء الانتخابات الدائمة، بحسب ما سيقضي به الدستور الدائم".

ويبدو أن الرغبة في تجاوز المراحل الانتقالية في البلاد لا تقتصر على دول كبرى مثل إيطاليا والولايات المتحدة، فقد دعا الاتحاد الأفريقي، في البيان الختامي لقمته المنعقدة في أديس أبابا أمس، إلى تنظيم المؤتمر الوطني الجامع مطلع يوليو/تموز المقبل، وإجراء انتخابات في ليبيا خلال فترة لا تتجاوز شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الحالي.

وبحسب البيان الختامي، فإن الجمعية العامة لـ"الاتحاد" كلّفت رئيس المفوضية الأفريقية، موسى فكي، ببذل كل الجهود لحلّ الأزمة، بالتنسيق مع الأمم المتحدة، من أجل إجراء انتخابات في ليبيا في أكتوبر 2019.