النظام ينتقم من مدنيي إدلب: مجازر في معرة النعمان وسراقب

03 ديسمبر 2019
استمات النظام سابقاً للسيطرة على معرة النعمان (عزالدين إدلبي/الأناضول)
+ الخط -
تواصلت المعارك، أمس الإثنين، بين فصائل المعارضة السورية من جهة، وقوات النظام المدعومة بغطاءٍ جوي روسي من جهة أخرى، في الريف الجنوبي لمحافظة إدلب، في إطار المواجهات العنيفة التي اندلعت بين الطرفين منذ صباح السبت الماضي، والتي شهدت هجوماً معاكساً للمعارضة لصدّ سعي النظام إلى مزيد من التقدم. وفيما يخطط النظام لقضم مناطق جديدة وينصبّ تركيزه على مدينة معرة النعمان، إحدى أكبر مدن إدلب من الجنوب، ولاحقاً سراقب في الريف الأوسط، فقد نفذ مجازر في هاتين المدينتين، منتقماً من سكانهما، وتمهيداً لمحاولة تفريغهما من البشر، في موازاة تكثيف طيرانه، بمؤازرة الطيران الروسي، من غاراته قرب خطوط الاشتباك. وفي هذا الإطار، ارتكب الطيران الحربي التابع للنظام مجزرة في مدينة معرة النعمان، إثر استهدافه سوقاً فيها، ما أوقع عشرة قتلى من المدنيين و15 جريحاً، بحسب حصيلة أولية لـ"المرصد السوري لحقوق الإنسان"، مرشحة للارتفاع بسبب الإصابات الخطرة. كذلك وثق "المرصد" مقتل مواطن، وإصابة أربعة آخرين، على الأقل، جراء غارات جوية نفذتها طائرات النظام الحربية على سوق الهال في بلدة سراقب صباح الإثنين، مشيراً كذلك إلى استهداف طيران النظام قرى الرفة والهلبة والحراكي في ريف معرة النعمان الشرقي، بينما استهدفت طائرات حربية روسية بغارات عدة، أماكن في بلدة كفرسجنة ومحيطها جنوب مدينة إدلب.

وتشن قوات المعارضة هجوماً معاكساً جنوب شرق إدلب، منذ ثلاثة أيام، لصدّ هجومٍ كان بدأه النظام منذ أسبوعين تقريباً، وسيطر خلاله على العديد من القرى. وتمكنت قوات المعارضة المشاركة في الهجوم المعاكس، خلال الساعات الأولى لعمليتها التي أطلقت عليها تسمية "ولا تهنوا"، والتي بدأت أول من أمس السبت، من السيطرة على أربع قرى هي اسطبلات ورسم الورد والسروج وإعجاز، لكن تلك القوات اضطرت للتراجع عن قرية إعجاز مع تكثيف سلاح الجو الروسي غاراته على المواقع التي دخلتها المعارضة في القرية، فيما لا تزال السيطرة قائمة على القرى الثلاث الأخرى.

وتدور المعارك على بعد حوالي 18 كيلومتراً شرق مدينة معرة النعمان، إحدى أكبر مدن إدلب من الجنوب، والتي يلمح النظام من خلال وسائل إعلامه، إلى أنها الجهة المستهدفة للسيطرة عليها من خلال عمله العسكري الأخير. كما يهدف النظام إلى التمدد نحو مدينة سراقب، التي تبعد حوالي 30 كيلومتراً عن معرة النعمان. وقللت صحيفة "الوطن" الموالية للنظام، أول من أمس الأحد، من أهمية الهجوم المعاكس للمعارضة، من دون أن تذكر النقاط التي خسرتها قوات النظام، لكنها نقلت عمن سمتهم بـ"خبراء عسكريين" قولهم إن "الجيش السوري، وبدعمٍ من القوات الجوية الروسية، وضع نصب عينيه الوصول إلى الطريق الدولي حلب - حماة، والذي يتيح له اتفاق سوتشي المعدل الروسي التركي نهاية آب/أغسطس الماضي السيطرة عليه، سواء عن طريق استعادة مدينة معرة النعمان، أو المنطقة التي تفصلها عن بلدة حيش شمال خان شيخون، والتي هي في قبضة الجيش الوطني السوري في ريف إدلب الجنوبي، قبل أن يواصل مدّ نفوذه صوب مدينة سراقب، وصولاً إلى بلدة الزربة فمشارف مدينة حلب".


من جهته، أكد المتحدث باسم "الجبهة الوطنية للتحرير"، النقيب ناجي المصطفى، لـ"العربي الجديد"، أن "الهجوم الذي شنته المعارضة لا يزال مستمراً جنوبي شرق إدلب، مع تكبيد قوات النظام خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد".

وحول تلميح النظام عن نيته التقدم نحو معرة النعمان وسراقب، وكيفية تعامل قوات المعارضة في حال استمر في تكريس ذلك، رأى المصطفى أنه "لا شك في أن النظام من خلال معاركه الأخيرة يريد الوصول إلى هذه المناطق والسيطرة على نقاط جديدة، لكن فصائل الثورة صدت حتى الآن هذه المحاولات وأفشلتها، وهذا ما يكرسه العمل العسكري المعاكس الذي قمنا به أخيراً، والذي يهدف إلى إيقاف تقدم هذه العصابات ومحاولتها الوصول إلى الطريق الدولية أو مدينة معرة النعمان".

وحول ما إذا كان النظام سيتخذ من هجوم المعارضة الأخير ذريعة لتبرير أي عمل عسكري واسع نحو عمق إدلب، أشار المصطفى إلى أن "النظام والعصابات المساندة له هم من بدأوا أولاً المعارك، وهم من خرقوا كافة الاتفاقيات والهدن، وشنّوا أكثر من هجوم عسكري على أكثر من موقع واحتلوا أكثر من قرية شرق إدلب، بالإضافة إلى محاولات التقدم المستمرة نحو تلال الكبينة بريف اللاذقية، لذلك قوات الأسد وحلفاؤه لا يحتاجون لذرائع، فهم يقومون بذلك دون أي مبرر، ونحن من حقنا الرد والدفاع عن أهلنا وأنفسنا".

ويشن الطيران الحربي السوري والروسي، بشكلٍ يومي، غارات على محيط معرة النعمان وريفها، موقعاً العديد من الضحايا، ما يجعل الأهالي داخل هذه المدينة يشعرون دائماً بالخوف من احتمال التقدم نحوها، وذلك بسبب اعتماد النظام استراتيجية يعهدها السوريون، وتقضي بقصف أي مكان يريد التقدم إليه لتفريغه من سكانه قبل شن الهجوم البرّي، ما ينسحب على مدينة سراقب أيضاً.

وتستهدف الطائرات الحربية للنظام ومدفعيته الثقيلة الأسواق والتجمعات الحيوية في المدن والبلدات، على الرغم من أن إدلب ومحيطها، أو ما يعرف بـ"منطقة خفض التصعيد الرابعة"، مشمولة بالهدنة التي أعلنت عنها روسيا في أغسطس/آب الماضي.

وتقع معرة النعمان على الطريق الدولية حلب - دمشق المعروفة بطريق "أم 5"، وهي أكبر مدن إدلب بعد مركز المحافظة من حيث تعداد السكان، لكنها الأكبر من حيث المساحة مع ريفها الذي يصل إلى حوالي 300 قرية، ما يجعلها مركزاً تجارياً حيوياً وممراً هاماً على الطريق الدولية. وتعد "المعرة" مدخلاً أمام جبل الزاوية، الذي يضم حوالي 40 قرية، تبدأ أولها من أطراف مدينة المعرة الغربية، بالإضافة إلى أنها نقطة انطلاق رئيسية على الطريق الدولية باتجاه مدينة سراقب، ومن ثم حلب، أو سلوك طريقٍ أخرى باتجاه باب الهوى على الحدود السورية – التركية.

وكان النظام قد استمات سابقاً في محاولة إبقاء سيطرته على المدينة، لكن فصائل المعارضة طردته منها في معارك أكتوبر/تشرين الأول 2013، بعدما طهرت المدينة من كافة حواجز النظام داخلها، لتلجأ تلك القوات إلى معسكري الحامدية ووادي الضيف الضخمين على تخوم المعرة، متحصنةً بهما، ومرتكبة أفظع المجازر، قبل السيطرة عليهما من قبل المعارضة نهاية عام 2014.

أما سراقب، فلا تقل أهميتها عن معرة النعمان، وربما يكون مركزها كنقطة تلاقٍ بين طريقي "إم 5" (حلب – دمشق)، و "إم 4" (الحسكة - حلب -اللاذقية)، يجعل أهميتها مضاعفة بالنسبة لاستراتيجية المعارك مؤخراً، والتي تهدف إلى سيطرة على الطرق التجارية وخطوط الإمداد. كذلك تعد سراقب أقرب النقاط لمطارين عسكريين، مطار أبو الظهور العسكري، الذي استعاد النظام السيطرة عليه بعدما كان تحت قبضة المعارضة، ومطار تفتناز العسكري الذي لا يزال بيد المعارضة.

ويعوّل الأهالي في كل من معرة النعمان وسراقب على الفصائل التي تقاتل على تخوم القرى الشرقية والجنوبية من المعرة، لصد هجوم قوات النظام تفادياً لارتكاب مجازر بحقهم في حال دخول هذه القوات والمليشيات الحليفة لها، ولمنع موجة نزوح جديدة. كما ينتظر الأهالي موقفاً واضحاً من الضامن التركي للوقوف عند مسؤولياته بإلزام النظام والروس بالاتفاقيات الموقعة حيال إدلب، والتي من المفترض أن تكون "منطقة خفض تصعيد".

ويقطن في المدينتين وريفهما، الآلاف من أهلهما، بالإضافة إلى آلاف آخرين من النازحين من أرياف دمشق وحمص ودرعا وحماة وغيرها من مناطق التهجير، ليهدد الهجوم نحوها، إذا ما تمّ، بكارثة إنسانية كبيرة.