مصير الأسد و"الرياض" يعيقان انضمام "موسكو" و"القاهرة" لهيئة المفاوضات السورية

09 اغسطس 2017
نصر الحريري يزور السعودية اليوم (سالفاتور دي نولفي/فرانس برس)
+ الخط -

فشلت محاولة الهيئة العليا للمفاوضات السورية في عقد جولة حوار مع منصتين محسوبتين على المعارضة، تدفع موسكو بكل ثقلها لفرضهما على المشهد السوري المعارض، لغرض فرض حل سياسي يعيد إنتاج النظام، ويُبقي بشار الأسد في السلطة. وتأتي محاولة الهيئة العليا للمفاوضات لجسر هوة الخلاف مع المنصتين، في وقت تستعد فيه لعقد مؤتمر "الرياض 2"، الذي من المتوقع أن يتم خلاله إجراء مراجعات "عميقة" من شأنها إعادة هيكلة الهيئة، وتغيير خطابها السياسي الذي ترى فيه منصات معارضة أنه "غير واقعي"، ومن شأنه إطالة عمر القضية السورية. وسيزور وفد رسمي من الائتلاف الوطني لقوى الثـورة والمعارضة السورية السعودية اليوم، ومن المقرر أن يلتقي وزير الخارجية السعودي عادل الجبير وعدداً من المسؤولين. ويرأس الوفد رئيس الائتلاف، رياض سيـف، ويضم رئيس الحكومة السورية المؤقتة، جواد أبو حطب، ورئيس الوفد المفاوض نصر الحريري، ونائبي رئيس الائتلاف عبد الرحمن مصطفى وعبد الباسط حمو، وعضوي الهيئة السياسية أحمد سيد يوسف وهادي البحرة.

ورفضت منصتا القاهرة وموسكو دعوة من الهيئة العليا للمفاوضات لعقد اجتماع في مقر الأخيرة في العاصمة السعودية الرياض منتصف أغسطس/آب الحالي، لبحث إمكانية توحيد وفد المعارضة المفاوض في مفاوضات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة. وكان رئيس منصة القاهرة، فراس الخالدي، قال، في تصريحات صحافية أخيراً، إن الدعوات التي وجهت إليهم وإلى منصة موسكو، هي لعقد لقاءات تشاورية خارج نطاق الأمم المتحدة، مشيراً إلى رفض منصته حضور "الرياض 2" الذي تنوي الهيئة عقده قريباً، موضحاً أن الرفض "ليس له علاقة بالمواقف السياسية"، معبراً عن رغبة المنصة في الاستمرار في مؤتمرات جنيف برعاية الأمم المتحدة. من جانبه، اعتبر رئيس منصة موسكو، قدري جميل، أن سعي الهيئة العليا للمفاوضات إلى هذا اللقاء "أمر إيجابي"، لكنه رفض اللقاء في الرياض، لأنها مقر "الهيئة"، مقترحاً عقده في جنيف لأنها "باتت تحمل معنى رمزياً مرتبطاً بالحل السياسي". واعتبر جميل، في تصريحات صحافية، أن العائق أمام تشكيل وفد موحد للمعارضة السورية "هو عدم التوافق على سلة الحكم الانتقالي"، مشيراً إلى أنه "يجب أن تكون دون أي شروط مسبقة حول رحيل رئيس النظام أو بقائه، وإنما يحدد ذلك بعد بدء جولة المفاوضات المباشرة مع الحكومة"، وفق قوله.

وقلل مصدر رفيع المستوى في الهيئة العليا من أهمية رفض المنصتين للدعوة. وقال، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنهما رفضتا المكان، ولم ترفضا الحوار مع الهيئة. وكان أحمد العسراوي، عضو الهيئة العليا للمفاوضات والقيادي البارز في هيئة التنسيق الوطنية، أشار، في حديث مع "العربي الجديد" قبل أيام، إلى أن الهيئة العليا للمفاوضات "وجهت دعوة إلى المنصتين لاجتماع مشترك لبحث إمكانية توحيد وفد المعارضة المفاوض في جنيف". ويأتي رفض المنصتين لدعوة الهيئة في وقت تستعد الأخيرة لعقد مؤتمر "الرياض 2" في أكتوبر/تشرين الأول المقبل في العاصمة السعودية. والهدف المعلن من المؤتمر "هو تعزيز التمثيل، ومراعاة التطورات الميدانية في تمثيل القوى العسكرية". وأوضحت الهيئة، في بيان، أن الرياض وافقت على الطلب، وأنه تم تشكيل لجنة للتحضير لهذا الاجتماع "بمشاركة أوسع طيف من الشخصيات الوطنية السياسية والعسكرية والثورية ومن ممثلي المجتمع المدني، وتشمل كافة أطياف الشعب السوري". ومن المتوقع أن يزيد رفض منصتي موسكو والقاهرة من الشرخ الذي يفصل بينهما وبين الهيئة العليا للمفاوضات، التي تصر على أنها الجهة الوحيدة المخولة إقليمياً ودولياً لمفاوضة النظام والتوصل إلى حلول سياسية قابلة للصمود في سورية. وتطرح فكرة إشراك المنصتين في وفدها المفاوض، بشرط الموافقة على محددات الهيئة السياسية المتعلقة بالتفاوض، وهو ما ترفضه المنصتان اللتان تقدمان قراءة مختلفة للقرارات الدولية ذات الصلة، وتتهمان الهيئة العليا بمحاولة الهيمنة على قرار المعارضة السورية.


في هذا السياق، أكد مصدر رفيع المستوى في الهيئة العليا للمفاوضات، لـ"العربي الجديد"، أن "الهيئة تواصلت وفتحت قنوات اتصال مع منصتي القاهرة وموسكو، بهدف مقاربة رؤية سياسية موحدة، تكون معتمدة على بيان الرياض 1، بأنه لا يمكن الوصول لحل سياسي بوجود بشار الأسد وشخصيات نظامه في حكم سورية مستقبلاً"، وكذلك "ضرورة إعادة هيكلة مؤسستي الجيش والأمن وخروج كافة المليشيات الأجنبية من سورية". وحول رؤيته لمستقبل حصول تقارب من عدمه مع منصتي القاهرة وموسكو، قال المصدر المطلع على تفاصيل الاتصالات بين "الهيئة العليا" والمنصتين، إن "الهيئة منفتحة ومرحبة بجدية بالوصول إلى تقارب وتوحيد للرؤى"، وهذا "التقارب مرهون بما تبديه منصتا القاهرة وموسكو من انفتاح على ما تعتبره الهيئة العليا نقاطا أساسية لا يمكن للتوافق أن يتم دونها، وأهمها رحيل الأسد مع بدء المرحلة الانتقالية، وكذلك وقف العمل بالدستور الذي وضعه نظام الأسد بما يتناسب مع أهوائه أثناء الثورة سنة 2012 واعتماد إعلان دستوري"، مؤكداً أنه "لا يمكن لمن يمثل قوى الثورة والمعارضة أن يقبل ببقاء بشار الأسد إطلاقاً".

وتُتهم منصتا موسكو والقاهرة بالمهادنة مع النظام في العديد من النقاط، أبرزها مصير بشار الأسد، إذ لا يعتبر هذا الأمر شرطاً مسبقاً لدى المنصتين اللتين لا تملكان أي حضور في الشارع السوري المعارض. ويذهب مراقبون إلى القول إن روسيا "خلقت منصات من أجل تشتيت تمثيل المعارضة، وإظهارها على أنها منقسمة أمام المجتمع الدولي، وهو ما يصب لصالح النظام". وترتبط المنصتان بعلاقة متميزة مع موسكو التي تسعى إلى إعادة إنتاج النظام، كونه الضامن لمصالحها في سورية، وتحاول دفع منصتي موسكو والقاهرة إلى واجهة المشهد السياسي السوري من أجل توقيع اتفاق في جنيف يبقي الأسد في السلطة. وترفض الهيئة العليا للمفاوضات، برئاسة رياض حجاب، أي تنازل من شأنه أن يجبرها على اتفاق هو أشبه بوثيقة "استسلام" للنظام وحلفائه تضيّع حقوق السوريين وتُنجي مسؤولي النظام من المحاكمات.

ومن المتوقع أن يشهد مؤتمر "الرياض 2" محاولة لإبعاد حجاب وعدد من أعضاء الهيئة عن الواجهة، خصوصاً أن البعض يرى أن أداء الهيئة العليا للمفاوضات "شهد أخيراً ترهلاً واضحاً، وآن الأوان لإجراء التعديل في الخطاب، والأداء، والقيادة، لأن سياسة اللاءات التي انتهجتها الهيئة أدت إلى قصور في قراءة المشهد بشكل واقعي". وتداول الشارع السوري المعارض، أخيراً، العديد من الأسماء لخلافة حجاب، منها رئيس تيار الغد السوري، أحمد الجربا، الذي يتخذ من القاهرة مقراً له، وتربطه علاقات مميزة مع موسكو، إذ توسط باتفاقي التهدئة في الغوطة الشرقية وشمال حمص منذ أيام. لكن عضو التيار، محمد خالد الشاكر، أكد، لـ"العربي الجديد"، أن الحديث عن تولي الجربا رئاسة الهيئة "إعلامي"، مضيفاً أنه يتسق مع ما يجري، ودور التيار في الهدن، ومع انسداد أفق أي حل سياسي. ويرى الشاكر أن من المهم قراءة ما يريده المجتمع الدولي، والتجاذبات السياسية بين مختلف الأطراف المؤثرة في المشهد السوري، إضافة إلى قراءة واقعية للقرار 2254، مشيراً إلى ضرورة "توسيع الهيئة العليا للمفاوضات، كي لا تبقى محتكرة لوجهة نظر واحدة"، وفق قوله.

وكانت المعارضة السورية عقدت، في ديسمبر/كانون الأول 2015، مؤتمراً جامعاً في الرياض تمخض عنه تأسيس الهيئة العليا للمفاوضات، والتي ضمت 32 عضواً، بينهم 10 ممثلين عن الفصائل العسكرية، و9 ممثلين عن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، و6 شخصيات مستقلة، و5 من هيئة التنسيق الوطني التي تمثل معارضة الداخل السوري. كما شكلت الهيئة وفد المعارضة المفاوض، الذي خاض عدة جولات تفاوضية في مدينة جنيف مع وفد النظام، برعاية أممية، في العامين الماضي والحالي، من دون تحقيق تقدم مهم يمكن أن يمهد الطريق إلى حل سياسي. وقد أكد المجتمعون في "بيان الرياض" على "تمسكهم بوحدة الأراضي السورية، وإيمانهم بمدنية الدولة وسيادتها على كافة الأراضي، على أساس مبدأ اللامركزية الإدارية. كما عبروا عن التزامهم بآلية الديمقراطية من خلال نظام تعددي، يمثل كافة أطراف الشعب السوري، رجالاً ونساءً، من دون تمييز أو إقصاء على أساس ديني، أو طائفي، أو عرقي، ويرتكز على مبادئ احترام حقوق الإنسان، والشفافية، والمساءلة، والمحاسبة، وسيادة القانون على الجميع". كما تعهد المجتمعون في مؤتمر "الرياض 1" بـ"الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، وضرورة إعادة هيكلة وتشكيل مؤسساتها الأمنية والعسكرية، والتشديد على رفض الإرهاب بكافة أشكاله ومصادره، بما في ذلك إرهاب النظام ومليشياته الطائفية، وعلى أن مؤسسات الدولة السورية الشرعية، التي يختارها الشعب السوري، هي من تحتكر حيازة السلاح"، وفق البيان.

المساهمون