هيئة التفاوض السورية في موسكو... خديعة روسية جديدة؟

24 يناير 2018
بحث الحريري مع لافروف القضايا الإنسانية (صفا كراكان/الأناضول)
+ الخط -

تجاوزت هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية، بزيارتها إلى روسيا، واحدة من أبرز اللاءات التي كانت ترفعها طيلة السنوات الماضية، بعد أن كانت الهيئة قد رفضت منذ تشكيلها أواخر عام 2015 زيارة موسكو بسبب تمسك الروس ببقاء بشار الأسد في السلطة.
وفيما تلاقي زيارة الهيئة، قبل أيام قليلة من موعد مؤتمر سوتشي المقرر عقده أواخر شهر يناير/كانون الثاني الحالي، انتقاداً شعبياً في الوسط المعارض الذي يرفض إعطاء روسيا تنازلات من شأنها شرعنة وجودهم في سورية أو منحها صك براءة عن الجرائم التي ارتكبتها في سورية، فضلاً عن رفض مساعيها تثبيت نظام بشار الأسد، حاولت الهيئة، بنسختها الثانية، أن تطمئن المعترضين على الزيارة والمشككين بجدواها، عبر الحديث عن أن موقف المعارضة لم يتغير لجهة الحرص على "حل سياسي للقضية السورية، وفق قرارات دولية ذات صلة تدعو إلى انتقال سياسي في البلاد"، وأنه تم تحقيق "نتائج مقبولة" عقب المباحثات مع المسؤولين الروس.
في موازاة ذلك، جاءت تصريحات المسؤولين الروس، الذين التقوا بوفد الهيئة، "تطمينية" في ظل مساعي موسكو لضمان موافقة المعارضة على المشاركة في مؤتمر سوتشي كي لا يفقد أي أهمية سياسية في سياق الجهود الدولية لإيجاد حل سياسي للقضية السورية، نتيجة إدراك موسكو أنه لن يكون للمؤتمر جدوى من دون حضور معارضة لها ثقل سياسي في الشارع السوري المعارض. وترجمت "التطمينات" الروسية في حديث وزير الخارجية سيرغي لافروف عن أن الهدف من مؤتمر سوتشي توفير أكبر قدر ممكن من الدعم لعملية جنيف تحت إشراف الأمم المتحدة، وإعلان رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي، قسطنطين كوساتشوف، أن روسيا لا تتدخل في عملية التسوية السورية ولا تقف إلى جانب أحد في النزاع الداخلي السوري.


والتقى وفد الهيئة، أمس الثلاثاء، بسفراء عرب معتمدين في العاصمة الروسية موسكو إضافة إلى لقاء مع رئيس الكنيسة الأرثوذكسية كيريل، بعد يوم من لقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ومسؤولين في وزارتي الخارجية والدفاع الروسية.

وأكد المتحدث باسم الهيئة، يحيى العريضي، في حديث مع "العربي الجديد"، أمس الثلاثاء، أن رئيس وفد الهيئة نصر الحريري أكد خلال لقائه مع لافروف، أن المعارضة "تريد سورية حرة ديمقراطية مدنية تعددية غير طائفية"، مشيراً إلى أن الحريري "ركز على القضايا الإنسانية". وأوضح العريضي أن وفد الهيئة أكد على بيان جنيف 1 وقرارات دولية لاحقة تشير إلى إيجاد هيئة حكم كاملة الصلاحيات، مشيراً إلى أن الحريري قال للمسؤولين الروس أن ما تسرب عن مؤتمر سوتشي المقرر عقده أواخر يناير/كانون الثاني الحالي "يتشح بالغموض والالتباس". وبحسب العريضي، فإن الحريري قال إن الهيئة ارتأت ألا تتخذ قراراً نهائياً بخصوص المؤتمر حتى تحصل على معطيات واضحة. وشدد العريضي على أن موقف المعارضة "لم يتغير"، مضيفاً "بدل أن نرسل رسائلنا عبر الآخرين تم (إيصالها) وجهاً لوجه وبمرافعات قوية وغنية ومؤثرة".

ونشرت هيئة التفاوض على "تويتر" ملخص اجتماع وفدها مع وزير الخارجية الروسي، مشيرة إلى أن الحريري أكد على "ضرورة الحل السياسي المنطلق من تطبيق بيان جنيف 1 والقرار الدولي 2254، والرامي لتحقيق الانتقال السياسي بعملية سياسية تقودها الأمم المتحدة في جنيف".

من جهته، أشار عضو وفد هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية إلى روسيا، أحمد العسراوي، إلى أن نتائج اللقاء مع وزارة الخارجية الروسية الذي جرى الإثنين "تبدو مقبولة". وأضاف، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، "لكن نحن بحاجة إلى سلسلة معطيات كاملة نحاول البحث عنها".  وأشار العسراوي إلى أن هيئة التفاوض لم تحسم بعد أمر قبول أو رفض المشاركة في مؤتمر سوتشي، الا أن مصادر مطلعة أكدت أن الموقف من سوتشي جرى ترحيله إلى الخامس والعشرين من الشهر الحالي، إذ من المقرر أن يجتمع أعضاء الهيئة في فيينا على هامش جولة المفاوضات الجديدة مع وفد النظام.

ولطالما اتسمت العلاقة بين المعارضة السورية والقيادة الروسية بالتشنج والتوتر وتبادل الاتهامات، إذ اختار الجانب الروسي مساندة نظام بشار الأسد بكل الوسائل السياسية والعسكرية والاقتصادية مقابل وجود دائم يرقى إلى مستوى الاحتلال بنظر المعارضة السورية. واستخدمت موسكو حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي مرات عدة خلال سنوات الأزمة السورية لإجهاض مشروعات قرارات تدين نظام بشار الأسد، وتدفع باتجاه التخفيف من مآسي السوريين.

ولم تكتف موسكو بذلك، إذ بدأت أواخر عام 2015 تدخلاً عسكرياً مباشراً بعد أن كادت المعارضة تسقط نظام بشار الأسد الذي كان على وشك الانهيار الكبير. وقتل الطيران الروسي وشرد عشرات آلاف السوريين، ودمر مرافق حيوية، وأمّن لقوات النظام ومليشيات طائفية غطاءً جوياً مكّنها من استعادة مناطق واسعة من الجغرافيا السورية، كما قام باستهداف الجيش السوري الحر تحت ذريعة استهداف جبهة النصرة. كذلك كانت موسكو شريكة لنظام بشار الأسد في تهجير عشرات آلاف السوريين من مناطقهم، خصوصاً في ريف دمشق وحلب في تماهٍ واضح مع محاولات إيرانية إجراء عمليات تغيير ديمغرافي واسعة النطاق في عموم سورية.

ولا تزال روسيا تتمسك ببقاء الأسد في السلطة، رافضة أي طرح سياسي يدعو إلى تنحيته، وهو ما يفسر عدم تحقيق أي تقدم في مفاوضات جنيف التي تسعى موسكو للقفز فوق قرارات دولية وقعت عليها في مجلس الأمن الدولي منها بيان جنيف1، والقراران 2118، و2254، وجميعها تدعو إلى انتقال سياسي جاد في البلاد. كما تدفع موسكو فصائل المعارضة السورية للانخراط في مسار سوتشي الذي أرسى مناطق خفض توتر لم يلتزم بها النظام، إذ واصل سعيه لحسم عسكري كما استمر في تطبيق سياسة حصار المدنيين، واعتقال عشرات آلاف السوريين، وهي تحاول اليوم جرّ المعارضة السياسية إلى مؤتمر سوتشي المثير للجدل في محاولة لترسيخ وجود روسي دائم في سورية، وفرض رؤيتها للحل السياسي البعيد عن قرارات المنظمة الاممية.

ويرى دبلوماسي سوري معارض أن الروس "سبق أن أعلنوا أن مؤتمر سوتشي لن يناقش مصير بشار الأسد، بل ذهبوا للقول إنه لا مكان لمن يطالب برحيل الأسد في سوتشي"، متسائلاً في حديث مع "العربي الجديد": هل تتوقع المعارضة السورية أن تغير موسكو سياستها بين يوم وليلة، وتقبل برحيل الأسد عن السلطة؟ وأبدى الدبلوماسي نفسه تحفظه على زيارة وفد الهيئة إلى موسكو معتبراً أنها محاولة روسية واضحة لـ "خداع المعارضة، وإظهار الروس بمظهر الباحث عن حل سياسي يراعي مطالب المعارضة السورية، في حين أن الواقع السياسي هو عكس ذلك"، وفق المصدر. ولم يرض قطاع واسع من الشارع السوري المعارض بالزيارة، معتبرين الروس "محتلين" لا يمكن أن يعملوا على إرساء حل سياسي ينتشل البلاد من أزمتها التي كان للروس أنفسهم الدور الأكبر في اتساع نطاقها. وتوقف أغلب الناشطين المعارضين عند صورة جمعت أعضاء الوفد مع وزير الخارجية الروسي عقب لقاء الإثنين في موسكو، موجهين انتقادات لاذعة وصلت إلى درجة التخوين لأعضاء الوفد.