العراق: نهاية معارك "الحشد الشعبي" تشعل اقتتالاً داخل الطائفة

01 أكتوبر 2016
عناصر "الحشد" يعودون إلى مدنهم مع أسلحتهم(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
لم يعلم مؤسسو مليشيات "الحشد الشعبي" في العراق أن السحر سينقلب يوماً على الساحر، ويعود عناصر المليشيات المخطط لهم أن يكونوا وقود حرب طائفية مع عشائر وسكان المحافظات الشمالية الغربية، لينخرطوا في عشائرهم مع أسلحتهم التي حصلوا عليها من الجيش، أو اغتنموها من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ويتسببوا بالتالي بصراعات وصلت إلى حد "الاقتتال الداخلي"، بين العشائر الشيعية في جنوب وشرق البلاد.

النزاع العشائري الذي نشب، أخيراً، في محافظة ميسان جنوب بغداد، وتسبب بمقتل وإصابة عشرات العراقيين، لم يندلع لولا امتلاك عشائر المحافظة أسلحة ثقيلة ومتوسطة، بحسب عضو مجلس عشائر جنوب العراق، مجبل الركابي، الذي أكد لـ"العربي الجديد" أن أغلب أبناء القبائل الجنوبية، انخرطوا ضمن تشكيلات "الحشد الشعبي" عند تأسيسه منتصف عام 2014، لقتال تنظيم "داعش"، وحصلوا على أسلحة متطورة من وزارة الدفاع وفيلق القدس الإيراني، فضلاً عن المعدات والذخيرة التي يتركها "التنظيم" في المناطق المحررة، بعد انسحابه منها. وأضاف أنه "بعد انتهاء المعارك في أغلب مدن الأنبار وصلاح الدين، عاد الآلاف من عناصر الحشد إلى مدنهم في المحافظات الجنوبية مع أسلحتهم التي استخدموها خلال النزاعات العشائرية"، مؤكداً أن القوات العراقية عاجزة عن السيطرة على حالة الفلتان وفوضى انتشار الأسلحة.

من جهته، اعتبر العقيد في شرطة ميسان، عدنان الغالبي، أن مسلحي "الحشد الشعبي" الذين عادوا من ساحات القتال، يمتلكون أسلحة أقوى من تلك التي بحوزة القوات العراقية، مشيراً في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى امتلاكهم مدافع هاون وقاذفات صواريخ وقناصات حديثة، الأمر الذي يجعل السيطرة عليهم من قبل الأمن المحلي المزود بأسلحة تقليدية، أمر صعب للغاية. وقلل من قيمة العمليات العسكرية التي تطلقها القوات العراقية بين الحين والآخر، لنزع سلاح العشائر، مبيناً أن لـ"الحشد الشعبي" سلطة تفوق سلطة مؤسسات الدولة.

وعلى الرغم من وصول قوات أمنية إضافية من العاصمة بغداد لحفظ الأمن في ميسان، اندلعت، الأسبوع الماضي، اشتباكات مسلحة بين أطراف قبيلة الحريشات في بلدة الميمونة بمحافظة ميسان، ما استدعى فرقة الرد السريع التابعة للجيش العراقي، للاستعانة بطيران الجو للسيطرة على الموقف. وأعلنت القوات العراقية، الشهر الماضي، انطلاق عملية عسكرية واسعة تحت اسم "مظلة القانون" لإنهاء النزاعات العشائرية، وبسط الأمن في ميسان. وقال عضو مجلس المحافظة، سرحان الغالبي، أن العملية أسفرت عن اعتقال مطلوبين، وضبط أسلحة ومواد متفجرة.


وليس بعيداً عن ميسان، شهدت محافظة القادسية، جنوباً، نزاعاً قبلياً بين عشيرة الحسناويين التي ينتمي إليها المحافظ سامي الحسناوي، وعشائر أخرى، استعرضت فيه العشائر المتصارعة مختلف الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة. وقال مصدر محلي لـ"العربي الجديد"، إن الخلاف نشب بسبب نزاع حول المناصب المهمة في المحافظة بين الحسناوي، وقيادات حزبية نافذة، مشيراً إلى انتشار قوات أمنية كبيرة في مدن القادسية. وأعلنت محافظة القادسية، في وقت سابق، عن انتشار قوات مشتركة من الجيش والشرطة في منطقة هور الدلمج، بسبب نزاع عشائري نشب بشأن الحدود الإدارية الفاصلة بين محافظتي القادسية وواسط، جنوب بغداد.

كثرة الصراعات العشائرية وتجددها بين الحين والآخر، دفعت الحكومة المحلية في محافظة البصرة، جنوب بغداد، لإنشاء "لجنة حل النزاعات العشائرية" بهدف تخفيف الاحتقان بين العشائر ونزع فتيل الاشتباكات المتكررة. وقد زار ممثل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) في البصرة، كنان راجا، مقر تلك اللجنة، وأكد في تصريح صحافي، إنه على تواصل دائم مع أعضائها، مشدداً على ضرورة اتباع إجراءات مادية وتثقيفية لحل المشاكل بين العشائر.

وذكر رئيس لجنة حل النزاعات العشائرية في البصرة، يعرب المحمداوي، في وقت سابق، أن تصاعد النزاعات خلال الفترة الأخيرة أدى إلى حرق منازل مدنيين، مؤكداً أن عمل اللجنة يهدف لمحاولة حقن الدماء. وحذر عضو مجلس شيوخ البصرة، سعد الدلفي، من محاولات إشعال الصراعات بين العشائر، مشيراً في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى وجود زعماء عشائر مرتبطين بإيران قلباً وقالباً. وأضاف "يحاول بعضهم إثارة الفتن، وإشعال صراع (شيعي- شيعي)، لإشغال العراقيين عن الفساد والفشل الذي تعاني منه الحكومة"، مؤكداً أن الاقتتال في البصرة وبقية المحافظات الجنوبية لا يقتصر على العشائر بل انتقل ليشمل الفصائل المسلحة التابعة لـ"الحشد الشعبي".

وفي السياق ذاته، تشهد محافظة ديالى، شرق العراق، المحاذية للحدود مع إيران، منذ عدة أيام، صراعاً محتدماً بين فصائل مليشيات "الحشد" حول المناصب المهمة في المحافظة. وأكد عضو البرلمان العراقي، صلاح الجبوري، على وجود مائة فصيل مسلح في محافظة ديالى، معتبراً أن سبب ذلك يتمثل في غياب الإجراءات الكفيلة بحصر السلاح بيد الدولة. وتحدث عن انتشار الجريمة المنظمة وعمليات الخطف والابتزاز في المحافظة، لافتاً خلال مقابلة صحافية، إلى وجود صراع بين الفئة التي ينتمي إليها المحافظ مثنى التميمي، في إشارة إلى مليشيات "بدر"، وفصائل مسلحة شيعية أخرى.

وقتل نحو 40 عراقياً، الشهر الماضي، في محافظة ديالى، باشتباكات بين عشيرتين تنتميان إلى مليشيات "بدر"، على خلفية نزاع حول تولي مناصب مهمة في المحافظة. ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، حسان العيداني، أن عودة المحاربين من جبهات القتال يشكل أمراً مثيراً للقلق، لا سيما أنهم عادوا مع أسلحتهم، موضحاً خلال حديثه لـ"العربي الجديد" أن على الدولة العراقية اتخاذ الإجراءات المناسبة لمعالجة هذا الموضوع. وأشار إلى وجود رغبة لدى المقاتلين العائدين للحصول على مزيد من المكاسب والانتصارات، حتى وإن كان ذلك في مناطقهم، مؤكداً أن خطأ رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، كان جسيماً، حين أسس مليشيات "الحشد الشعبي" من دون التفكير بالآلية المناسبة لحلها، بعد استعادة السيطرة على المدن وطرد "داعش" منها. وحذر من استفحال هذه الظاهرة التي سماها بـ"الوباء"، مؤكداً أن نتيجتها ستكون مزيداً من الاقتتال "الشيعي- الشيعي".

المساهمون