مفاوضات السلام السودانية: عُقَد متعددة تصعّب الاتفاق

18 أكتوبر 2019
نجح سلفاكير بعقد جلسة افتتاحية للمفاوضات في جوبا (Getty)
+ الخط -


تواجه مفاوضات السلام التي ترعاها دولة جنوب السودان بين الحكومة السودانية وحركات الكفاح المسلح، في مسارَيها مع "الجبهة الثورية و"الحركة الشعبية - قطاع الشمال"، مصيراً غامضاً وتعثراً قد يعصف بها في أي لحظة. ويوم الاثنين الماضي، نجحت حكومة رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت، في عقد جلسة افتتاحية للمفاوضات في جوبا، شارك فيها إضافة إلى رئيس جنوب السودان، ورئيس المجلس السيادي الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان، عدد آخر من زعماء الدول وممثلي الدول والمنظمات الدولية، فضلاً عن الوفود المفاوضة.

وكانت الأطراف قد وقّعت، الشهر الماضي، اتفاق إعلان مبادئ قضى بوقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحكومين والمعتقلين، والسماح بإيصال المساعدات إلى المتضررين من الحرب. ومنذ جلسة الاثنين الافتتاحية وحتى نهار أمس الخميس، لم تتقدّم المفاوضات قيد أنملة، بل عاشت حالة من الغموض والضبابية، شملت حتى فكرة الاستمرار في تحديد جوبا مقراً للتفاوض، وقد شمل الغموض أيضاً أهم أجندات التفاوض. وتنقسم العملية التفاوضية التي اقترحتها جوبا إلى مسارين منفصلين تماماً: الأول مسار تفاوضي بين الحكومة و"الجبهة الثورية" من جهة، ومسار ثانٍ بين الحكومة و"الحركة الشعبية - قطاع الشمال"، التي يقودها عبد العزيز آدم الحلو من جهة أخرى.

وكلا المسارين واجهته عثرات البداية، خلال الأيام الماضية، إذ اصطدم تفاوض "الجبهة الثورية" بعقبة عدم تفاهم داخلي وخلافات بين مكوّنات الجبهة، التي تتألف من عدد من الحركات المسلحة وقوى مدنية ومنظمات مجتمع مدني. لكن الحركات الأبرز والأكثر تأثيراً هي "الحركة الشعبية ــ قطاع الشمال" فصيل مالك عقار، وحركة "العدل والمساواة" بزعامة جبريل إبراهيم، وحركة "تحرير السودان" التي يترأسها ميني أركو ميناوي.
وأول ما يلفت الانتباه في ما يختص بـ"الجبهة الثورية"، غياب أحد أبرز رموزها، ميني أركو ميناوي، الذي آثر عدم الحضور إلى جوبا، وفضل إرسال وفد مصغر للمشاركة في المفاوضات. بينما حضر جبريل إبراهيم، وشارك في الجلسة الافتتاحية، لكنه سرعان ما غادر جوبا وترك وفداً يمثل حركته. وعلمت "العربي الجديد" أن الإشارة السلبية بعدم حضور ميناوي مردها إلى ضغوط كبيرة مارستها جوبا عليه الشهر الماضي للموافقة على اتفاق المبادئ الذي وقّع بين الحكومة و"الجبهة الثورية"، فيما يرجّح آخرون غياب ميناوي لرغبته في تحقيق رغبة إماراتية في نقل التفاوض من جوبا إلى أبو ظبي. ويشير هؤلاء إلى الاتصالات المستمرة بين الإمارات وميناوي وأطراف سودانية أخرى للغرض ذاته، وهو أمر يتماشى مع التوجّهات الإماراتية لاحتكار المشهد السوداني، عبر محاولات بدأت منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير في إبريل/نيسان الماضي.



وبالنسبة إلى جبريل إبراهيم، فبرأي البعض أن دافعه هو مطالبته المستمرة بالتزام قرار الاتحاد الأفريقي، الذي أعطى تفويضاً للدوحة لرعاية المفاوضات الخاصة بالسلام في دارفور. وبالتالي يتمسك إبراهيم بأن تكون المفاوضات بين الحكومة والحركات التي تقاتل في دارفور بالدوحة، وتحت إشراف القيادة القطرية. أما الطرف الثالث في معادلة "الجبهة الثورية"، فهو فصيل مالك عقار، الذي يقف بين الطرفين، ويريد البقاء في جوبا، أو تجزئة ملفات التفاوض وتوزيعها على عدد من العواصم. علماً أن القاهرة نفسها دخلت على خط المنافسة على استضافة التفاوض، ولا سيما بعد أن استضافت نهاية الشهر الماضي اجتماعات لتحالف "نداء السودان"، الذي يضم "الجبهة الثورية" بمكونات سياسية مدنية أبرزها حزب "الأمة" القومي بقيادة الصادق المهدي.

ولا تتوقف الخلافات بين مكونات "الجبهة الثورية" عند نقطة مكان التفاوض، بل تتعداها إلى الخلاف حتى في مواضيع التفاوض، ما أعطى مؤشراً على هزة ربما أصابت التحالف في الأيام المقبلة. ومع تلك الخلافات اضطرت "الجبهة الثورية"، أمس الخميس، إلى الطلب من دولة جنوب السودان تأجيل بداية التفاوض المباشر مع وفد الحكومة لفترة زمنية لا تقلّ عن أسبوعين، ولا تزيد على شهر، وذلك طبقاً لتصريحات صحافية لسيف الدين عيسى، أحد المتحدثين باسم الجبهة.

في المسار التفاوضي الثاني الخاص بفصيل الحلو، تبدو الأوضاع أفضل حالاً لجهة قناعة الفصيل المطلقة بالتفاوض في جوبا، ولجهة وحدته وتماسكه الداخلي، وكلها أمور سهّلت إعلان، يوم الأربعاء الماضي، موعد لتفاوض مباشر بينه وبين الوفد الحكومي. لكن المواجهات المسلحة التي وقعت في منطقة خور الورل في جنوب كردفان، دفعت الفصيل إلى تحميل الحكومة السودانية مسؤوليتها، واعتبارها خرقاً لوقف إطلاق النار المعلن، لتؤجل جلسة الأربعاء. واشترط فصيل الحلو أن تقوم الحكومة من جديد بإعلان وقف شامل لإطلاق النار وموثق، وأن تحقق في ما حدث في منطقة خور الورل، وأن تنسحب من مناطق احتلتها خلال الواقعة نفسها. واستجابت الحكومة بسرعة، إذ أصدر البرهان مرسوماً دستورياً بوقف إطلاق النار في مناطق العمليات العسكرية كافة، بينما تعهّد عضو المجلس السيادي وعضو وفد التفاوض محمد حسن التعايشي، بالتحقيق بما جرى من أحداث. وبعد هذا الموقف، عاد جناح الحلو ليعلن، عصر أمس، إنهاء تعليقه التفاوض، ليُعلَن  عقد جلسة مفاوضات مباشرة بين هذا الفصيل والحكومة اليوم الجمعة.

غير أن المفاوضات قد تتعرض لصدمة جديدة لجهة السقف التفاوضي الذي تدخل به "الحركة الشعبية" فصيل الحلو، إذ يُرجَّح أن يطالب الفصيل بتقرير المصير لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. لكن الصحافية مها التلب قالت، في حديث مع "العربي الجديد"، إن أي طرح في التفاوض خاص بتقرير المصير سيكون من باب رفع السقوف التفاوضية للحصول على الأقل على الحكم الذاتي للمنطقتين. وتوقعت أن تبدأ المفاوضات المباشرة في أي لحظة، وأن تمضي بعيداً من دون أن تصل إلى اتفاق نهائي، وهو أمر تتوقعه في الجولات المقبلة، مشيرة إلى أن من أهم المواضيع التي ستناقشها المفاوضات الترتيبات الأمنية والملف السياسي ونظام الحكم، مؤكدة أن كل المؤشرات مبشّرة. وأضافت أنه في المسار الآخر الخاص بـ"الجبهة الثورية"، فإن الأخيرة تحتاج لترتيب بيتها الداخلي قبل الدخول في التفاوض، مشيرة إلى أن أهم ما يجب أن تحسمه بعد تأجيل مفاوضاتها، هو هل تدخل الفصائل العسكرية وحدها التفاوض، أم تصطحب معها المكونات المدنية؟ ومن ثم تحديد أجندتها، مستبعدة طرح موضوع مكان التفاوض بعد حسمه الأربعاء الماضي بأن تكون جوبا هي المكان.

دلالات
المساهمون