حمل الاتصال الهاتفي بين رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للمرة الثانية منذ اندلاع أزمة إسقاط الطائرة الروسية فوق الأجواء السورية الأسبوع الماضي، دلائل على أن الطرفين، بالرغم من التصعيد الخطابي بينهما، والتحصن وراء رواية كل طرف منهما حول ظروف وأسباب سقوط الطائرة، لا يزالان يملكان من المصالح المشتركة في سورية ما يكفي لاستعادة عمل آلية التنسيق العسكرية بين الطرفين، والاتفاق على لقاء قريب بين الطواقم المهنية للبلدين لمواصلة التنسيق الأمني بينهما.
في غضون ذلك، كرر نتنياهو، أمس الاثنين، قبيل صعوده الطائرة متوجهاً إلى نيويورك، أنه إلى "جانب اتفاقه مع الرئيس بوتين على اللقاء القريب بين الطواقم المهنية للجيش الروسي والجيش الإسرائيلي، فإن الحكومة (الاحتلال) لا تعتزم تغيير سياستها الحالية في سورية، والتي تقوم على استهداف مواقع إيرانية وقوافل السلاح، ولا التنازل أو وقف التنسيق العسكري مع الجيش الروسي"، بما أكد على استمرار وجود خطوط عريضة للتفاهم الروسي الإسرائيلي في سورية وعلى الأراضي السورية. لكن الأمور قد تتغير إذا ترجمت روسيا تهديداتها الأخيرة بشأن تزويد سورية بمنظومات الصواريخ "إس 300"، لكونها تشكّل في حال تسليمها فعلاً لقوات النظام نقلة نوعية في قواعد الاشتباك وفي الوضع الاستراتيجي لموازين القوى المختلفة، بما في ذلك التأثيرات المحتملة لنشر مثل هذه المنظومات تحت سيطرة النظام السوري، على مجمل الوجود الأجنبي في سورية، بما في ذلك نشاط قوات التحالف الغربي والقوات الأميركية العاملة شمالي سورية.
في هذا السياق، يمكن القول بالاعتماد على التصريحات الأميركية الأخيرة، خصوصاً تصريحات مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، إن ملف الأزمة الروسية الإسرائيلية ينتقل إلى أروقة الأمم المتحدة، مع وصول نتنياهو إلى نيويورك لحضور جلسات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وإلقائه كلمة أمام وفودها الرسمية غداً، الخميس.
وكانت المصادر الإسرائيلية قد أعلنت أخيراً، أن "نتنياهو سيبحث في لقائه المقرر، اليوم الأربعاء، مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أيضاً، ملف الأزمة الروسية - الإسرائيلية، بما يضاف إلى ما سبق أن أعلنه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو من أنه ينتظر لقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف، على هامش أعمال مؤتمر الجمعية العمومية للبحث في سبل التوصل إلى أساس للتعاون المشترك في هذا الملف".
وبدا أن التحرك الأميركي وكسر الصمت جاء في وقت تتخبّط فيه إسرائيل في ظلّ عدم اليقين من الخطوات الروسية العتيدة، خصوصاً في ظل الفجوة والتناقض بين التصريحات واستمرار قنوات الاتصال الجارية بين بوتين ونتنياهو، التي عُدّت مصدراً للتفاؤل الإسرائيلي بأن الأزمة مع روسيا عابرة، وبين التصريحات المتلاحقة بشكل تصعيدي من وزارة الدفاع الروسية، ومواصلة الأخيرة التهديد بتزويد سورية بمنظومات من طراز "إس 300"، من دون أي تطرق إلى خيارات روسية أخرى مثل تزويد سورية بالمنظومات الأكثر تطوراً وهي "إس 400" التي من المفترض أن تحصل عليها تركيا العام المقبل.
وتقرأ إسرائيل هذا الأمر بنوع من التشكيك بجدية التهديدات الروسية بشأن تسليم هذه المنظومات لقوات النظام، خلافاً لما يبدو عليه التعامل الإسرائيلي مع الرسائل الروسية المتعلقة بالمنظومات الإلكترونية الخاصة بتشويش عمل شبكات إنذار الطائرات فوق الأجواء السورية، فيما تنتظر تل أبيب انتهاء التدريبات الروسية، التي أغلقت بموجبها المجال الجوي السوري بين قبرص والسواحل الغربية لسورية، بحجة "إجراء تدريبات عسكرية".
وتبرز حالة التخبّط بشكل خاص في ظل اتفاق معلقين ومصادر عسكرية مختلفة في إسرائيل، على أن قواعد الاشتباك وقواعد اللعبة في الأراضي السورية قد تكون تغيرت، وأن الأمر سيبقى رهن الامتحان في حال قررت دولة الاحتلال المغامرة بشن عملية جديدة في سورية، والمجازفة برد روسي مغاير غير الذي اعتادت عليه حتى الآن، وسمح لها بشن مئات الغارات في الأراضي السورية من دون اعتراض روسي فعلي.
ومع أن الإعلام الإسرائيلي أبرز على نحو ملفت للنظر حقيقة أن الجيش الإسرائيلي يعرف طبيعة منظومات "إس 300" وقادر على التغلب على التحديات التي تفرضها هذه المنظومات، وقدرته من جهة ثانية على استهداف المواقع الإيرانية من خلال هجمات صاروخية، إلا أن الصحافة الإسرائيلية اعتبرت أن التداعيات الأخطر للأزمة هي في تأثيرها السلبي المحتمل على العلاقات الثنائية بين روسيا وإسرائيل. ورأى محللون أن تراجع هذه العلاقات قد يشجع أطرافاً أخرى في المنطقة على تجاوز "الخطوط الحمراء" التي وضعتها إسرائيل لغاية الآن في ما يتعلق بسورية وعدم تدخلها ضد النظام السوري، ما دام يقبل مع شركائه بهذه الشروط، وعلى رأسها حرية سلاح الجو الإسرائيلي في ضرب قوافل السلاح المتطور ومنع وصوله إلى حزب الله في لبنان، والتزام نظام الأسد باتفاقية فك الاشتباك من عام 1974 وعدم نشر قوات خلافاً لبنود الاتفاق المذكور في الجانب المحرر من هضبة الجولان.
ومجمل تسوية هذه الأزمة بات الآن مرهوناً بنتائج المباحثات غير الرسمية على هامش أعمال مؤتمر الجمعية العمومية للأمم المتحدة بين بومبيو ولافروف، وكيفية ربط تسوية هذه الأزمة بمجمل الملفات العالقة بين روسيا والولايات المتحدة، خصوصاً بعد إعلان اتفاق إدلب الأسبوع الماضي.
الأزمة الروسية ـ الإسرائيلية تختلف في جوهرها عما هو معلن من تراشق إعلامي وتبادل للاتهامات، وقد يكون من السابق لأوانه، في ظل المؤشرات المختلفة التي تؤكد وجود مصالح أساسية مشتركة بين روسيا وإسرائيل، التعويل على حادثة إسقاط الطائرة لجهة فرض روسيا حظراً جوياً مطلقاً أمام الطائرات الإسرائيلية في الأجواء السورية، من دون أن يعني ذلك عدم توصل الطرفين إلى تفاهمات جديدة تمنح الطرف الروسي بعض المكاسب لكنها لا تمس بجوهر التفاهمات التي تم التوصل إليها بين نتنياهو وبوتين في ديسمبر/ كانون الأول 2015.