رئاسيات الجزائر والإسلاميون: عودة إلى زمن منافسة مرشح السلطة

26 يناير 2019
تتجه "مجتمع السلم" لتزكية مقري (يمين) كمرشّح للرئاسة(العربي الجديد)
+ الخط -
يعود الإسلاميون في الجزائر إلى خوض انتخابات الرئاسة المقررة في 18 إبريل/ نيسان المقبل، بعد نحو 24 عاماً على آخر مشاركة جدية نافس فيها هذا التيار مرشّح السلطة. وقد أعلن رؤساء أحزاب إسلامية ترشحهم لانتخابات الرئاسة بأهداف سياسية متباينة، ولكن تصب كلها عند منعطف القطيعة مع خيار دعم مرشح السلطة الذي انتهجه معظم الإسلاميين في الاستحقاقات منذ عام 1999 وذلك على عكس ما حدث في انتخابات 1995.
وسبقت "حركة البناء الوطني"، ذات المرجعية الإسلامية، جميع الأحزاب الإسلامية إلى وزارة الداخلية لتقديم أوراق نيّة ترشّح رئيسها، وزير السياحة السابق، عبد القادر بن قرينة. وقد بدأت الحركة التي تضم مجموعة كوادر انسحبت عام 2008 من حركة "مجتمع السلم"، الحزب التاريخي لإخوان الجزائر، في تعبئة كوادرها استعداداً لجمع التفويضات، بعد فترة بذلت فيها جهوداً لطرح مبادرتها السياسية للتوافق الوطني. وقدّمت "البناء" مرشحها بن قرينة "بصفته شخصية من الجيل السياسي الجديد لما بعد الاستقلال، وبهدف تحقيق التداول للسلطة، والحرص على الشباب والانفتاح على الآخر وتكريس الوسطية والاعتدال، وتجاوز العصبيات والرؤى الجهوية الضيقة"، بحسب ما ذكرت.
ويضع القيادي في "البناء"، أحمد الدان، ترشيح الحركة لبن قرينة في سياق "السعي للمساهمة في صناعة بيئة تعددية، وتثبيت المسار الديمقراطي والاستجابة لطموح الشباب"، داعياً في حديث مع "العربي الجديد"، الشعب الجزائري ونخبه وكل قواه "إلى دعمنا والوقوف معنا كل من موقعه وبما يستطيع، ومن لم يكن معنا فليس بالضرورة ضدنا، فالجزائر تتسع للجميع وتحتاج للجميع بعيداً عن التصنيف والتفريق".
وعلى الرغم من صعوبة المنافسة الانتخابية في الجزائر، بسبب غموض قواعدها وتحكّم الإدارة والسلطة في مختلف مفاصل العملية الانتخابية، إلا أنّ بن قرينة يبدي تفاؤله بالقدرة على منافسة أي من المرشحين. ويقول، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّه يمثّل أوّل مرشح أعلن حزبه الإسلامي عن ترشيحه، وهو يسعى "للمنافسة ضمن وعاء انتخابي يضم 23 مليون جزائري"، مضيفاً "نحن في الحركة ننافس كشباب وكجزء من المجتمع الجزائري، وحركتنا مفتوحة للجميع ولا نسعى للمنافسة في إطار تيار فكري معيّن أو جنس ما أو طبقة دون طبقة، وإنما لكل الناخبين من مختلف النخب الفكرية والطبقات المتوسطة وغير الدراسين". ويتابع "نحن نعتقد أن لدينا القدرة عل المنافسة".
وتحيل تصريحات بن قرينة إلى المخاوف نفسها التي تطرحها قواعد التيار الإسلامي حول إمكانية تشتت الجمهور الانتخابي للتيار، في حال تعدد المرشحين الإسلاميين، خصوصاً أنّ الانشقاقات التي شهدتها معظم الأحزاب الإسلامية في العقد الأخير، أضعفت بشكل كبير قدرة قوى التيار الإسلامي على المنافسة الانتخابية، ليس فقط بسبب تضارب المواقف والخيارات، ولكن أيضاً بسبب تشتت الجمهور الانتخابي، وهو ما يظهر بوضوح في النتائج التي تحققها الأحزاب الإسلامية في مختلف الاستحقاقات الانتخابية.
وتطرح هذه المخاوف في ظلّ توجّه حركة "مجتمع السلم"، كبرى الأحزاب الإسلامية في الجزائر، إلى الإعلان عن تزكية رئيسها عبد الرزاق مقري، للترشّح للرئاسة للمرة الثانية في تاريخ الحركة بعد انتخابات عام 1995. ويبدو ترشّح مقري الأكثر إثارة في المشهد السياسي الجزائري، ليس لكونه يمثّل إعادة استدعاء الإسلاميين إلى المنافسة الجدية على الرئاسة فحسب، ولكن أيضاً بسبب دوره البارز في تصعيد الجدل السياسي في المرحلة الأخيرة، حول خيارات التوافق وإرجاء الانتخابات، ومحاولاته ثني السلطة عن خيار الولاية الرئاسية الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
ويرى مراقبون للمشهد السياسي في الجزائر أنّ مقري، الذي يحاول إقناع أكثر من طرف داخل الحركة وخارجها بضرورات الدخول في المعترك الرئاسي، يعتقد أنه يمكن أن يمثّل مركز استقطاب منافساً لمرشح السلطة، خصوصاً أنّ فترة حكم بوتفليقة تشارف على الانتهاء بعد 2019، وهو ما يفرض على الإسلاميين التكتّل مجدداً كقوة سياسية لتحسين شروط المشاركة في الانتخابات الرئاسية، أو في الحكومات التي ستتشكّل في المرحلة المقبلة.

وعلى الرغم من التشتت الذي يبدو مقلقاً بالنسبة للقواعد الجماهيرية، إلا أنّ بعض المحلّلين يعتقدون أنّ الإسلاميين في الجزائر أكثر فهماً لقواعد العملية السياسية التي تتحكّم السلطة في مآلاتها، وهو ما يفرض عليهم تقسيم الأدوار وتوزيع أنفسهم حماية لبعض المطالب المركزية. وفي السياق، يقول المحلّل السياسي أحسن خلاص، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الإسلاميين لم ينسحبوا يوماً من المشهد السياسي، إلا أنّ المتتبّع لدورهم يدرك أنّ هناك تقسيماً لأدوارهم ومواقعهم بين لاعبين بالكرة ولاعبين بدونها، إذا استعرنا مفردات التحاليل الرياضية"، وهو ما قد يبدو للمراقبين تكتيكات سياسية أبقت للإسلاميين في الجزائر مساحة هامة ودوراً مركزياً في المشهد السياسي.
وللإسلاميين مع انتخابات الرئاسة في الجزائر محطات متباينة، لكن انتخابات عام 1995 تظلّ الأبرز، إذ أحدثوا وقتها إنجازاً سياسياً وانتخابياً، بعدما نافس مرشحهم الراحل محفوظ نحناح، رئيس "حركة المجتمع الإسلامي" في ذلك الوقت (تحوّلت لاحقاً إلى حركة مجتمع السلم بعد منع دستور عام 1996 قيام أحزاب على أساس ديني)، بحدّة مرشّح السلطة، والذي كان الرئيس ليامين زروال (الرئيس السادس للجزائر). وحصل نحناح وقتها على 26 في المائة في النتائج الرسمية المعلنة، فيما حقّق زروال نسبة 61 في المائة. ولم تكن هذه النتائج حقيقية، وفق الإسلاميين، الذين تحدثوا عن "سرقة الانتخابات من قبل السلطة". وقد اعترف مسؤولون في الدولة في السنوات الأخيرة، بتزوير الانتخابات ضدّ نحناح، بسبب "الظروف الأمنية العصيبة التي كانت تعيشها البلاد في خضم موجة دامية من العنف والإرهاب"، بحسب ما قالوا.
وبعد انتخابات عام 1995، جدّد نحناح الموعد مع انتخابات عام 1999 لمنافسة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لكن المجلس الدستوري رفض ملف ترشحه بسبب عدم إثباته المشاركة في ثورة التحرير، مثلما ينصّ عليه الدستور، كونه من مواليد ما قبل 1 يوليو/ تموز 1942. وإذا كان نحناح، برغم هذا الموقف الذي اعتبره تنكراً من السلطة لجهوده في إحلال السلام ووقف العنف في البلاد، قد دفع بحزبه، "حركة مجتمع السلم"، إلى دعم مرشح السلطة بوتفليقة في تلك الانتخابات وما تلاها في انتخابات 2004 و2009، إلا أنّ الإسلاميين في انتخابات 1999، كانوا قد قدموا رئيس حركة "النهضة"، ثم حركة "الإصلاح" لاحقاً، عبد الله جاب الله كمرشّح. لكن الأخير انسحب في يوم الاقتراع مع خمسة من المرشحين الآخرين بسبب اتهامات للسلطة بتزوير الانتخابات لصالح بوتفليقة.
في انتخابات عام 2004، اكتفت جميع الأحزاب الإسلامية تقريباً بدعم ترشّح بوتفليقة لولاية ثانية، عدا حركة "العدالة والتنمية"، بقيادة جاب الله، التي قاطعت الانتخابات. وفي استحقاق 2009، دخل رئيس حركة "الإصلاح الوطني"، جهيد يونسي، المعترك الانتخابي، لكنه لم يكن مرشحاً منافساً جدياً، وحصل على نسبة ضعيفة من الأصوات، قدّرت بـ1.37 في المائة. أما في انتخابات عام 2014، فقاطع الإسلاميون بأحزابهم السبعة الانتخابات الرئاسية، لكن التحوّل اللافت وقتها، كان خروج حركة "مجتمع السلم" عن خط دعم بوتفليقة، بعد تحولها إلى صفّ المعارضة السياسية قبل سنتين من ذلك الاستحقاق.
ولا تتوقف مشاركة الإسلامين في الانتخابات الرئاسية على تقديم المرشحين للرئاسة أو دعم آخرين، إذ ثمّة جزء آخر من التيار الإسلامي غير مؤطر، غاب عن الأنظار السياسية في العقد الأخير، إذ لا تسمح له القوانين بتقديم مرشح عنه في الوقت الحالي، لكنه يؤدي دوراً في التحفيز. ويتعلّق الأمر بتيار "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحظورة منذ مارس/ آذار 1992، والتي يسعى المرشحون الإسلاميون إلى دغدغة عواطفها الإيديولوجية لاستقطابها لصالحهم. وفي هذا الإطار، يشير المحلل السياسي أحسن خلاص، إلى أنه "منذ إلغاء الانتخابات التشريعية لعام 1991 التي حقّق فيها التيار الإسلامي الراديكالي الفوز نسبياً في الدور الأول منها، لم تنقطع التساؤلات عن مصير الجمهور الانتخابي لهذا التيار، وتيار الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظور باتجاهاته المختلفة. وإن وجد هؤلاء أنفسهم بعيدين عن المشاركة الانتخابية، إلا أنهم لم ينقطعوا عن المشاركة السياسية، بل ظلوا يلعبون أدواراً رافضةً لتوجهات السلطة في الظلّ، ويحاولون التأثير على مجريات الاستحقاقات الانتخابية".
ودون حظوظ كبيرة، يخوض الإسلاميون في الجزائر مجدداً معركة انتخابات الرئاسة. وبغضّ النظر عن الرهانات التي يتوخونها في ظلّ تحكّم السلطة في النتائج، قد يبدو أنّ ترشح شخصيات إسلامية كعبد القادر بن قرينة وعبد الرزاق مقري، سيمكّن السلطة من إعطاء مصداقية أكبر للانتخابات المقبلة، وستضمن تمثيل تيار سياسي مهم في الجزائر في هذه الانتخابات. ولكن في الوقت نفسه يمثّل ذلك إعلان قطيعة القوى الإسلامية الفاعلة ذات الحضور التنظيمي المحسوبة على تيار الإخوان، مع خيار دعم مرشح السلطة، بوتفليقة، الذي انتهجته منذ عام 1999، وكذلك يمثّل نهاية مسار من التوافقات المباشرة وغير مباشرة مع السلطة، يضاف إليها موقف رئيس "جبهة التنمية والعدالة الإسلامية"، عبد الله جاب الله، بمقاطعة الانتخابات المقبلة بسبب عدم توفر شروط النزاهة، كما في المحطات الرئاسية السابقة.

المساهمون