وبث التلفزيون الرسمي، الليلة الماضية، صوراً من الاحتفال الرسمي الذي نظم أمس احتفاء بذكرى ثورة أول نوفمبر في الجزائر، يظهر قائد الجيش وهو يتحدث إلى وزير العدل بلقاسم زغماتي، حيث قال خلال الحديث الذي بث منه مقطع مسموع بشكل واضح إنه "يتعين الاستمرار والذهاب إلى أبعد حد ممكن".
ويفيد هذا التصريح، إضافة إلى أنه إعلان دعم واضح لوزير العدل الذي يواجه حركة عصيان وتمرد من قبل القضاة هي الأولى من نوعها في تاريخ الجزائر، بأنه يؤكد إصرار الجيش على تنفيذ كامل المخطط السياسي الذي يفرضه الجيش لتجاوز الأزمة الراهنة، وتنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة، من دون الأخذ بعين الاعتبار أية مواقف سياسية أو تصاعد الرفض الشعبي.
وكان قائد الجيش قد وجّه، الأربعاء الماضي، تحذيرات شديدة للمجموعات السياسية والمدنية التي قد تُقدم على عرقلة إجراء الانتخابات الرئاسية، وقال "كما حذّرنا العصابة وأذنابها بالأمس وتصدّينا لها، رفقة كافة مؤسسات الدولة، وقدمناهم أمام العدالة ليحاسبوا على أفعالهم، فنحن اليوم نحذّر مجدداً كل من يحاول التشويش وتعكير صفو هذا الاستحقاق الهام، وستكون العدالة لهم بالمرصاد من خلال التطبيق الصارم للقانون".
وتؤشر هذه المواقف إلى أن المؤسسة العسكرية والسلطة لا تبديان أي انتباه إلى تصاعد الرفض الشعبي لمسعى تنظيم وإجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة، حتى بعد المسيرات المليونية التي شهدتها العاصمة وأغلب المدن الجزائرية، ولا تظهر أي استعداد لتقديم تنازلات أو مقترحات سياسية من شأنها حل الأزمة بشكل يرضي الحراك الشعبي، وكذا قوى المعارضة السياسية الرافضة أيضا للمسار السياسي والانتخابي الذي تفرضه السلطة.
وتظهر المسيرات غير المسبوقة، أمس الجمعة، عودة لافتة للنفس الشعبي للحراك، وإصراراً شعبياً على التمسك بمطالب إنجاز مسار ديمقراطي توافقي يؤسس لانتقال السلطة واستبعاد المؤسسة العسكرية عن الحكم وصناعة القرار، خاصة مع عودة لافتة أيضا لقيادات الأحزاب السياسية للمشاركة في مظاهرات الحراك.
ويتخوّف مراقبون من أن يؤدي تمسّك السلطة والجيش إلى توترات غير محسوبة العواقب خلال الحملة الانتخابية ويوم الاقتراع، وزيادة نسبة العزوف عن التصويت، خاصة أن قائمة المرشحين للرئاسة أنفسهم لا تشجع قطاعاً غالباً من الجزائريين على الذهاب إلى صناديق الاقتراع يوم 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل، والتشويش على شرعية رئيس الجهورية المقبل في حال تمت الانتخابات في موعدها.
وتُجمع التحليلات السياسية على أن الجيش والسلطة يرغبان في إجراء الانتخابات الرئاسية، ليس بهدف حل الأزمة السياسية، وإنما بهدف إنهاء مأزق شرعية رئيس الجمهورية، خاصة أن رئيس الدولة عبد القادر بن صالح انتهت شرعيته الدستورية، وتم تمديدها بفتوى من المجلس الدستوري، من دون الانتباه إلى أن الذهاب لانتخابات رئاسية وسط انقسام في الموقف السياسي والشعبي بشأن الترتيبات التنظيمية التي تمت بشأنها، ونجاح السلطة في إبقاء هيمنة الإدارة على مقاليد الإشراف الانتخابي، برغم إنشاء سلطة مستقلة للانتخابات، يعني تهريب الأزمة والتهرب من المطالب الشعبية إلى فترة لاحقة.
ويبرر الفريق أحمد قايد صالح في خطاباته الأخيرة هذه المسألة، بأن المطالب الشعبية المتبقية، المتصلة بالمسار الديمقراطي والإصلاح السياسي، موكولة إلى الرئيس المنتخب في ديسمبر المقبل، ويعتبر أن ما أنجز من استجابة لمطالب الشعب كتوقيف وملاحقة من يصفهم برموز الفساد السياسي والمالي، وإنشاء هيئة مستقلة للانتخابات، يعد سلة منجزات مهمة.