واصلت قوات النظام السوري، مدعومة بالطيران الحربي الروسي، محاولاتها التقدّم في الشمال السوري، مع استمرار المعارك التي استؤنفت بضراوة، منذ الثلاثاء الماضي، بعد تحلّل النظام من الهدنة التي أعلنها قبل ذلك. وتمكّنت قواته في اليومين الماضيين من السيطرة على عدد من القرى في ريف حماة الشمالي، لتصبح قرب الحدود الإدارية لريف إدلب الجنوبي، فيما تصوّب جهدها الآن نحو بلدة الهبيط في هذا الريف، وعينها على مدينة خان شيخون شمالاً واللطامنة وكفرزيتا جنوباً، لتحقيق هدفها الاستراتيجي في الوصول إلى عقدة المواصلات في مدينة سراقب شرق محافظة إدلب.
وقالت مصادر محلية إن اشتباكات عنيفة، بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، اندلعت أمس الجمعة بين الفصائل المسلحة وقوات النظام على محوري أرض الزرزور وأم الخلاخيل في ريف إدلب الشرقي، في محاولة من قبل قوات النظام للتقدّم، بعد تمهيد صاروخي مكثّف على محاور المنطقة، فيما تتواصل المعارك على محاور شمال حماة، في محاولة من قبل قوات النظام للتقدّم باتجاه الهبيط، انطلاقاً من مواقعها في قرية الجيسات عند الحدود الإدارية لمحافظة إدلب، وسط قصف صاروخي وجوي مكثف يطاول المنطقة. ولفتت المصادر، لـ"العربي الجديد"، إلى أن قوات النظام استقدمت تعزيزات عسكرية، من آليات وعناصر، إلى مناطق عطشان وأبو دالي وأبو عمر في ريفي حماة الشرقي وإدلب الجنوبي مساء الخميس الماضي، ما يشير إلى نيّتها شن هجوم باتجاه الخوين وسكيك.
من جهتها، أعلنت الفصائل أنها صدّت 4 محاولات متتالية لقوات النظام للتقدّم على محور قريتي أم الخلاخيل والزرزور في ريف إدلب الشرقي. وقالت "الجبهة الوطنية للتحرير" إن قوات النظام المتمركزة في قرية شم الهوى حاولت التقدّم إلى قرية الزرزور، بعد تمهيد جوي ومدفعي وصاروخي، واندلعت مواجهات مع مقاتلي "الجبهة الوطنية" أدت إلى مقتل أكثر من 20 عنصراً من النظام وجرح آخرين. كما تصدت الفصائل لمحاولة تقدّم قوات النظام في الهبيط بريف حماة الغربي، التي تعرضت أيضاً لقصف من الطائرات. وفي ريف اللاذقية الشمالي، أعلنت "الجبهة الوطنية"، في بيان، أن مقاتليها شنّوا عملية نوعية على تلة رشو في جبل الأكراد، ما أسفر عن مقتل عشرة عناصر لقوات النظام، وسقوط عدد من الجرحى، مشيرة إلى أن قوات النظام استهدفت على الأثر بلدة الناجية والقرى المحيطة بها براجمات الصواريخ. وتأتي هذه العملية بعد محاولات متكررة لقوات النظام لاقتحام قرية الكبينة، على الرغم من الخسائر الفادحة التي تلحق بها، من قتل لعناصرها وتدمير عتاد في كل مرة.
من جهتها، قالت وكالة "إباء"، التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، إن "مليشيات النظام، المدعومة من الاحتلال الروسي، فشلت في التقدم على محور الكبينة في ريف اللاذقية الشمالي، على الرغم من القصف الهمجي الذي يتعرض له المحور". وأكدت أن مقاتلي "تحرير الشام" تمكنوا من صد محاولة التقدّم على المحور بعد اشتباكات استمرت عدة ساعات، أسفرت عن مقتل وجرح عدد من عناصر قوات النظام. كما أعلن القيادي في الجيش السوري الحر وعضو وفد المعارضة إلى أستانة ياسر عبد الرحيم، عبر حسابه على "تويتر"، أن كتيبة المدفعية والصواريخ في "فيلق المجد" استهدفت مواقع النظام العسكرية في محيط قبر حافظ الأسد في بلدة القرداحة بمدينة اللاذقية، وحققت فيها إصابات مباشرة. وتحاول روسيا وقوات النظام منذ أشهر التقدّم في ريف اللاذقية واقتحام قرية الكبينة، لكن كل محاولاتها فشلت، وسط خسائر كبيرة في صفوف عناصرها. ويلفت خبراء ومحللون إلى أن المحاولات المستميتة من قوات النظام لتحقيق تقدّم في هذه الجبهة تعود لأهميتها الاستراتيجية، كونها تتيح للطرف الذي يسيطر عليها رصد مساحات كبيرة من ريفي حماة وإدلب الغربي إلى جانب قرى الريف الشمالي للاذقية. وتفصل قرية الكبينة الساحل عن محافظة إدلب وتُعتبر بوابتها من الغرب، بينما تطل على سهل الغاب وجسر الشغور وعلى الحدود التركية، وعلى قسم كبير من محافظة إدلب وحماة واللاذقية.
وحول أهداف النظام من استئناف العمليات العسكرية في الشمال السوري بزخم جديد، قال القيادي في الجيش الحر العميد فاتح حسون، لـ"العربي الجديد"، إن النظام "يحاول استراتيجياً، بإيعاز ودعم من روسيا وإيران، احتلال منطقة إدلب الكبرى كلها، ويستخدم لتحقيق هذا الهدف معارك تكتيكية على حدود المنطقة لقضمها شيئاً فشيئاً وفق تكتيكات اتّبعها الروس سابقاً في معاركهم في أفغانستان والشيشان، كانت مختلطة ما بين سياسة الأرض المحروقة ودبيب النمل، وقد نجحت في بعض المناطق المحدودة، وفشلت في أغلب المناطق بسبب الصمود الأسطوري لفصائل الثورة والمعارضة في سورية". وأضاف حسون: "بعد هذا الهجوم الهادف لاستنزاف الفصائل الثورية، وزرع الخلاف بينها من خلال إطلاق الشائعات، وإحداث فرقة بينها وبين حاضنتها الشعبية، يبدو أن النظام، ومِن ورائه روسيا وإيران، قد فشل في ذلك، فبمجرد تحقيق تقدم بسيط على الأرض أُعيد طرح طلبات يصعب تحقيقها في الشروط الحالية، للاستفادة من الضغط المدني على الفصائل من خلال التهجير والنزوح القسري. لكن في المحصلة لا يمكن لروسيا وأداتها قوات النظام تحقيق مكاسب مستدامة، لقناعة الثوار بأنه لا مكان بعد إدلب، ولكون النقاط التركية يتم تعزيزها باستمرار". ولفت حسون إلى أن القيادة التركية "صرحت مراراً ببقاء مواقعها وعدم وجود أي توجّه لسحبها، إضافة إلى حدوث تفاهم مبدئي بين تركيا والولايات المتحدة في شرق الفرات سينعكس إيجاباً على منطقة إدلب، إذ ستكون واشنطن إلى جانب تركيا في قراراتها السياسية والعسكرية المتعلقة بهذه المنطقة".
وكان النظام قد سيطر على بلدات الأربعين والزكاة وتل الصخر والجيسات في ريف حماة الشمالي، خلال اليومين الماضيين بعد معارك عنيفة مع الفصائل. ويكثّف النظام قصفه على مدينتي اللطامنة وكفرزيتا في ريف حماة، تزامناً مع هجوم بري في محاولة لضرب خواصر المنطقتين، ما يسهل السيطرة عليهما. وتعرضت مدينة كفرزيتا ومحيطها لعشرات الغارات الجوية ومئات القذائف والصواريخ والبراميل المتفجرة، فضلاً عن قصف مماثل على مدينة اللطامنة المجاورة. وقُتل مدنيان، وجرح آخران، أمس الجمعة، في قصف صاروخي على مدينة خان شيخون جنوب إدلب، من مواقع قوات النظام في معسكر بريديج شمال مدينة حماة، فيما شنّت طائرات حربية روسية غارات على قرية كفرسجنة جنوب إدلب، ما أسفر عن إصابة مدنيين اثنين. كما تعرضت بلدة التمانعة وقرى الفرجة والهبيط والخوين والصياد، لغارات من طائرات حربية تابعة للنظام وروسيا. وطاول القصف الجوي أيضاً مدرسة في بلدة معرة حرمة في ريف إدلب الجنوبي. وكان قُتل قبل ذلك بساعات ثلاثة مدنيين جراء قصف جوي من طائرات حربية روسية ومروحيات النظام السوري على مدينة خان شيخون.