بعد حراك "غضب فزان" بجنوب ليبيا... هل عاد النفط إلى الواجهة مجدداً؟

18 ديسمبر 2018
"الكتيبة 30" من حرس المنشآت تغلق حقل الشرارة (تويتر)
+ الخط -

مع استمرار حراك "غضب فزان" في جنوب ليبيا، يعمل المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق الوطني" على التفاوض مع أعضاء الحراك، من أجل تلبية بعض مطالبهم، مقابل إخلائهم موقع حقل الشرارة النفطي، الأمر الذي يرفضه الحراس بالموقع، ضمن محاولات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر للسيطرة على حقول النفط.

وأقدم محتجون ألّفوا ما عُرف بــ"حراك غضب فزان"، على إقفال حقل الشرارة النفطي، قرب مدينة أوباري، جنوبي ليبيا، في 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري، قبل أن تتوسع الاحتجاجات في 12 منطقة في الجنوب، الجمعة الماضي، للمطالبة بتحسين الظروف المعيشية والخدمية.

وقال مصطفى الشريف، عضو حراك "غضب فزان"، لـ"العربي الجديد"، اليوم الثلاثاء، إنّ "ثلاث شخصيات مقرّبة من رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج، أبلغت قيادات قبلية داعمة لحراك غضب فزان، بأنّ السراج على استعداد للعمل على خطة وضعت لتلبية احتياجات الجنوب من المواد الأساسية والصحية، وتحسين الظروف الخدمية، مقابل انسحاب المشاركين في الحراك من حقل الشرارة".

غير أنّ الشريف اتهم رئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله، بـ"محاولة عرقلة محاولات التفاوض أكثر من مرة، آخرها أمس، الإثنين، عندما أعلن عن حالة القوة القاهرة في الحقل".

وأوضح الشريف أنّ "هدف الحراك الضغط للفت نظر الحكومة ومجلس النواب للجنوب ومعاناته، ولا يسعى لوقف إنتاج النفط، لكن صنع الله يحاول تصعيد الأزمة واستثمارها لصالح طرف سياسي معيّن، وإحلال قوة مسلحة جديدة، لتحل محلّ حرس المنشآت الحالي الذي يقوم بحراسة الحقل".

وشدد الشريف على أنّ "أفراد حراك غضب فزان متضامنون مع حرس المنشآت بحقل الشرارة، ولن يسمحوا لأي قوة أخرى بالدخول إليه".

وكانت "المؤسسة الوطنية للنفط" في طرابلس قد أعلنت، في وقت متأخر مساء الإثنين، عن "حالة القوة القاهرة على العمليات في حقل الشرارة النفطي"، مشددة على "ضرورة وجود ترتيبات أمنية بديلة قبل استئناف عملية ضخ النفط".

وذكرت المؤسسة، في بيان، أنّ "الكتيبة 30" التابعة لحرس المنشآت الحالي في حقل الشرارة، قامت بـ"وقف الإنتاج قسراً، وتهديد الموظفين باستعمال العنف قبل أن يسهلوا دخول المحتجين لمقر الحقل". وقال بيان المؤسسة إنّه "من المؤكد لنا أننا لا نستطيع العودة إلى العمل بالوضع الأمني الذي كُنا فيه قبل إغلاق الحقل".

وأكد الشريف أنّ "رد حراك غضب فزان على مبادرة السراج بالتفاوض، كان أنّ حل أزمات الجنوب لا بد أن يأتي من خلال وزارات الحكومة، وعبر إنهاء الانقسام الحكومي والأمني، في الجنوب على الأقل".

وشدد على أنّ "أهالي الجنوب يرفضون وجود إدارات وممثلين حكوميين بعضهم يتبع لحكومة طرابلس، والآخر لطبرق (حفتر)"، مضيفاً أنّ "الجنوب وأهله ضحية الأزمات التي بدأت وتزايدت بسبب الانقسام والتنافس بين الحكومتين".


لكن نجم الدين البوسيفي، الناشط السياسي من مدينة سبها، وهي العاصمة السابقة لمنطقة فزان في جنوب شرق ليبيا، اعتبر أنّ "الحراك جاء نتيجة مساعي الأطراف المتنافسة لتعيين شخصيات في عضوية المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، من بينها عبد المجيد سيف النصر، السفير الحالي بالمملكة المغربية والمقرّب من السراج، الذي ترفضه قبائل في الجنوب".

وقال البوسيفي، لـ"العربي الجديد"، اليوم الثلاثاء، إنّ "أطرافاً في الجنوب تلاقت مصالحها مع حفتر، فحرّكت نشطاء لإشعال فتيل الاحتجاجات من داخل حقول النفط، لتخريب مساعي توحيد السلطة التنفيذية في ليبيا".

وأضاف أنّ "القبائل في الجنوب، والمعروفة بولائها للنظام السابق، لن تقبل بأي حكومة موحدة"، محذراً من "خطر توجّه القبائل لاستغلال ورقة النفط، لتحقيق مكاسب سياسية تصبّ في مصلحة أعوان النظام السابق في الجنوب، المعروفين بتقاربهم مع حفتر".

غير أنّ الشريف ينفي هذا التوجه، مشدداً على أنّ "حراك غضب فزان مؤلف من أناس بسطاء وناشطين ينادون بحقوقهم الأساسية، ولا علاقة لهم بالتيارات السياسية".

وقال الشريف إنّ "الحراك على استعداد للتفاوض والتوصّل إلى حل جذري لأزماتهم، لكنّهم في الوقت عينه، غير مستعدين للتخلّي عن أفراد حرس المنشآت الذين ينتمون لقبائلهم (الطوارق)، واستبدالهم بآخرين قادمين من مناطق أخرى"، معللاً هذا الرفض بـ"التخوّف من إمكانية أن تستغل أي عناصر قادمة من خارج الجنوب إشعال فتيل حروب جديدة تخدم مصالح تيارات سياسية".


ويعود البوسيفي إلى أزمة حقل الشرارة النفطي، قائلاً إنّ "الأطراف السياسية التي ينتمي إليها كل من حفتر وصنع الله، عادت مجدداً للصراع على ورقة النفط، كما كانت تفعل في أزمة الهلال النفطي. والحراك، بحسب ما يعلم الجميع، مدعوم من شخصيات موالية لحفتر، تعزف على أوتار الاحتياجات الإنسانية التي يعانيها الجنوب منذ سنين".

وفي الوقت عينه اعتبر البوسيفي أنّ "قرار صنع الله بشأن القوة القاهرة في الحقل، خطوة باتجاه استثمار الأزمة لصالح حكومة الوفاق، من أجل طرد مسلحي حفتر (الكتيبة 30) من الحقل، فقراره الأخير يعني عدم عودة الإنتاج بالحقل حتى لو تم إخلاؤه من قبل المحتجين، إلى أن تُستبدل الحراسات فيه بأخرى، وهو ما يرفضه الحراك على ما يبدو".

وقال البوسيفي إنّ "حفتر لم يظهر حالياً، خلال الأزمة، كي لا يُجبر على التراجع كما تراجع مرغماً عن قراره، قبل أشهر، نقل تبعية النفط لمؤسسة نفط بنغازي، من أجل إتاحة مساحة له لممارسة الضغط"، معتبراً أنّ "كل ما يحدث حول حقل الشرارة النفطي مرتبط بالصراع والتنافس السياسي، وسط استمرار استغلال حاجات ومعاناة الناس".

ويقلّص إغلاق حقل الشرارة النفطي إنتاج ليبيا من النفط الخام بنحو 315 ألف برميل يومياً (إجمالي إنتاج الحقل)، و73 ألف برميل من حقل الفيل، المعتمِد على إمدادات الكهرباء من الحقل.

كما يؤثر الإغلاق على "عمليات إمداد مصفاة الزاوية بالنفط، وهو ما سيكبّد الاقتصاد الليبي خسائر إجمالية بقيمة 32.5 مليون دولار يومياً، بحسب مؤسسة النفط الليبية.