في السياق، يكشف الناشط البارز في كربلاء عباس أحمد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن المتظاهرين يواصلون الاحتجاجات بأقل أعداد ممكنة لحين انتهاء الوباء وعودة المسيرات والاحتجاجات إلى ذروتها". ولفت إلى أن "هذا الاتفاق تم التعاهد عليه مع محتجي محافظات ومدن أخرى، لأن كل المطالب لم تتحقق وأي توقف سيكون خذلاناً كبيراً لحركة الإصلاح ورسالة إيجابية للأحزاب الفاسدة، وقد تكون فرصة لتصفيتنا في منازلنا لمنع إخراج أصواتنا مستقبلا كما فعلنا". ويشير إلى "بروز ما يصفه بإشارات من مكتب المرجع الديني علي السيستاني في النجف، تؤكد أنه ما زال مؤيداً وداعماً للحراك. وهذا يدل على أنه لم يلمس هو الآخر أي تغيير بالحالة العراقية رغم رحيل حكومة وتشكيل أخرى".
مع العلم أنه تمّت الاستجابة لبعض المطالب، مثل إرغام الحكومة السابقة برئاسة عادل عبد المهدي على الاستقالة، والتصويت على قانون جديد للانتخابات، وتغيير المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وإلغاء مجالس المحافظات، ووصل رئيس حكومة وعدد من الوزراء من خارج قيادات الصفين السياسيين الأول والثاني، فضلاً عن قطع وعود أخرى مثل إجراء الانتخابات المبكرة وفتح ملفات الفساد، ما تزال الحكومة الجديدة تضعها في مقدمة أولوياتها منذ أيام. إلا أن ذلك لا يتناسب بحسب ناشطين مع حجم التضحيات التي قُدّمت في التظاهرات التي سقط فيها نحو 700 قتيل و27 ألف جريح، إذ لا تزال مطالب رئيسية لم تتحقق، مثل إنهاء المحاصصة الطائفية وإجراء الانتخابات المبكرة تحت إشراف أممي، وحصر السلاح بيد الدولة، ومحاسبة المتورطين بملفات الفساد وسقوط المدن بيد تنظيم "داعش". ويعتبر الناشطون أن تلك المطالب لن تنفذ إلا تحت الضغط الشعبي كما حدث مع مطالب أخرى.
وحول ذلك يقول عضو البرلمان، حسين عرب، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن الكثير من الأمور تحققت مثل سنّ قانون للانتخابات، وتغيير مفوضية الانتخابات، معتبراً أن ذلك حدث بفضل الدماء التي سالت في التظاهرات، والتي أعطت حافزاً من أجل التغيير، للحدّ من سلطة الأحزاب التي هيمنت على البلاد خلال السنوات الماضية. ويلفت إلى تحقق أمر آخر مهم، متمثل بمنح غير المنتمين للأحزاب فرصة للقيادة، إذ إن الكاظمي أصبح رئيساً للوزراء، على الرغم من كونه لا ينتمي لجهة حزبية.
ويضيف: "بدأنا نتقبّل ثقافة مفادها بأن المستقل يمكن أن يقود ويصبح وزيراً، وأن هذه الثقافة بدأت بالتأسيس لحياة سياسية جديدة من خلال بث روح الشباب، وبروز الجيل الثاني الذي تمكن من تحقيق أشياء مهمة"، مقراً في الوقت نفسه بعدم وجود موعد محدد لتلبية مطلب مهم من مطالب المتظاهرين والمتمثل بإجراء الانتخابات المبكرة. ويرى أن بعض السياسيين ينادي بالانتخابات المبكرة في العلن، لكنه لا يريدها في السرّ، موضحاً أن مفوضية الانتخابات هي الأقدر على تحديد موعد الانتخابات المبكرة، في حال استكملت كل الاستعدادات الفنية. ويشدّد على ضرورة إكمال ملحق قانون الانتخابات المتعلق بتوزيع الدوائر الانتخابية داخل المحافظات. وفي موضوع حصر السلاح بيد الدول، يوضح عرب أن أغلبية العراقيين يؤيدون ذلك من أجل تحقيق الاستقرار، مضيفاً: "ليست المليشيات وحدها تملك السلاح، فهناك عصابات تحمل السلاح، ولا حاجة للسلاح المتفلت في ظل وجود دولة قوية".
تجدر الإشارة إلى أن تقارير لمنظمات محلية ودولية وأخرى لبعثة الأمم المتحدة، اتهمت قوات عراقية ومليشيات مسلحة بقتل واختطاف وتهديد المتظاهرين، بينما اكتفت الحكومة السابقة برئاسة عادل عبد المهدي بالإشارة إلى "طرف ثالث"، لم تسمّه، على أنه وراء قتل المحتجين.
في موضوع عبد المهدي، يدعو العضو السابق في البرلمان فتاح الشيخ، رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى عدم إعفاء رئيس الحكومة السابق من المساءلة بسبب عدم محاسبته لقتلة المتظاهرين، مؤكداً لـ "العربي الجديد" أن رئيس الوزراء إذا تمكن من السيطرة على القرار في العراق، والعمل بطريقة اللاعب الماهر، يمكن أن يسيطر على الفصائل المسلحة، ويبدأ بالكشف شيئاً فشيئاً عن "الطرف الثالث" الذي قتل المتظاهرين. ويلفت إلى أنه "إذا مضى الكاظمي لسنتين أخريين قد يجعل الفصائل المسلّحة أمام خيارين أحلاهما مر، إما المشاركة في الانتخابات ونزع السلاح، أو بقاء السلاح والابتعاد عن الانتخابات"، متوقعاً أن تحول الظروف التي يمر بها العراق والعالم دون إجراء انتخابات مبكرة، فضلاً عن رغبة الكتل بالبقاء لإكمال دورتها لأربع سنوات.
ويلفت الشيخ إلى أن "الكتل السياسية المتسلطة على الحكم تخوض معركة صراع من أجل البقاء مع المتظاهرين الطامحين بالتغيير الحقيقي"، مضيفاً أنه "حتى وإن لم تتحقق الأهداف الرئيسية للمتظاهرين، إلا أنهم ما زالوا متمسكين بمطالبهم، على الرغم من تأثير كورونا على حراكهم". ويقول: "الأحزاب التي زوّرت انتخابات عام 2018، عازمة على الإبقاء على الآلية السابقة لتشكيل مفوضية الانتخابات من ناحية التوزيع بحسب المحاصصة لكل دوائر المفوضية، وإذا شُكّلت مفوضية الانتخابات بآلية الأحزاب، فإن ذلك يعني أنها جاءت بشكل مخالف تماماً لمطالب الشعب الشرعية، التي قدم المتظاهرون بسببها أكثر من 700 قتيل"، موضحاً أن التظاهرات ما زالت موجودة في مختلف المحافظات العراقية، خصوصاً الجنوبية". ويعتبر أن نسبة ما تحقق من مطالب المتظاهرين قليلة، ولم نرَ شيئاً ملموساً على الأرض غير تغير عبد المهدي بالكاظمي.
بدوره، يبدي رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، اعتقاده بأن الاحتجاجات حققت هدفاً كبيراً تمثل بكسر معادلة السلطة التي هيمنت على المشهد السياسي خلال السنوات السابقة، معتبراً في حديثٍ لـ "العربي الجديد" أن عبد المهدي كان يمثل رأس هذه المعادلة، ورغم ذلك فإن القوى السياسية قبلت استقالته. ويرى أن الطريق ما يزال طويلاً أمام الحركة الاحتجاجية لتحقيق جميع مطالبها، والوصول إلى مرحلة إصلاح النظام، مؤكداً أن على المتظاهرين مراقبة أداء القوى السياسية التي انتفضت ضدها، خصوصاً بما يتعلق بإكمال قانون الانتخابات، وتعديل قانون الأحزاب، وتهيئة الأجواء المناسبة للانتخابات المقبلة، بعيداً عن قوى الفساد والسلاح.
ويلفت الشمري إلى أن الطبقة السياسية لم تعد تحظَ بالشرعية، ولم يعد لها مساحة، وهي الآن ضمن "الدائرة الصفرية" للتأييد الشعبي، مشدّداً على أن الاحتجاجات أثبتت أنها قوة فاعلة، وهذا يمثل مساراً جديداً وتقدماً كبيراً. ويشير إلى أن "ثورة تشرين (الأول/أكتوبر) كان لها الكلمة الفصل في تحديد مسارات الحكم بالعراق"، موضحاً أن الإرادة السياسية قد تضع الكوابح أمام الكاظمي لعرقلة خططه للاستجابة لمطالب المتظاهرين، خصوصاً في ما يتعلق بتقديم القتلة للعدالة. ولا يعتبر الشمري أن لجان حكومة عبد المهدي للتحقيق بالاعتداء على المتظاهرين كانت مهنية، مضيفاً أن "حصر السلاح بيد الدولة أمر صعب، لكن قد تكون هناك خطوات للحد من انتشار السلاح المتفلت".
وبحسب حيدر سامي، وهو أحد ناشطي احتجاجات ساحة التحرير في بغداد فإن الحديث لا يزال مبكراً عن ما يتعلق بإنهاء الاحتجاجات، مؤكداً في حديثٍ لـ "العربي الجديد"، أن ما تحقق من مطالب لا يساوي شيئاً إذا ما قورن بالتضحيات الكبيرة التي تم تقديمها في ساحات التظاهر والتي تجاوزت الـ 700 قتيل وآلاف الجرحى. ويرى أن الحكومة مطالبة بالإسراع في محاسبة قتلة المتظاهرين، قبل الشروع في إصلاحات سياسية جذرية، أهمها اكمال قانون الانتخابات، وتحديد موعد للانتخابات المبكرة.