ولهذا لا يُراهن أحد على اتفاقات كبيرة ولا على بيان مشترك. وسيكون الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحليفه البريطاني الجديد، بوريس جونسون، حاضرَين، بقوة، لعرض آرائهما التي تسير في غير اتجاه الأغلبية، سواء تعلق الأمر بمواقف ترامب وتهديداته المقلقة فيما يخص التجارة العالمية أو إيران أو البيئة، أو بمواقف جونسون، الذي يريد مغادرة الاتحاد الأوروبي، ولو من دون اتفاق.
لماذا هذه القمة؟
يجيب الرئيس ماكرون، غير مرة، أن اللقاء بين الزعماء وقضاء ساعات وهم يتحدثون بحرية، هو في حد ذاته "إيجابيٌّ ومُفيد". أي أن هذا اللقاء بين أقوياء العالم وأغناهم هو عبارة عن "منتديات مفيدة"، ولكن لا يجب أن يذهب التفاؤل مبلغاً كبيراً، إذ لا يجب انتظار بزوغ حلول، كما يؤكد الرئيس الفرنسي؛ وهو ما تلخصه الصحيفة بالقول: "قمة مجموعة السبع لا تفيد في شيء كبير، ولكن عالَماً من دون مجموعة السبع، أو مجموعة العشرين، أو قمة "الناتو"، أو المجلس الأوروبي، إلخ، سيكون أقل استقراراً وأخطر مما هو عليه الآن".
وفي خطاب عاطفي، استغرق عشر دقائق، وجّهه الرئيس الفرنسي إلى الفرنسيين، قبيل بدء قمة مجموعة السبع، حاول فيه إقناع الفرنسيين بجدوى هذا اللقاء، محاولا استمالة الفرنسيين إليه وإقناعهم بنتائج "ملموسة على حياة الفرنسيين"، مؤكّدا أنه سيحضره باسم الفرنسيين، وأن الظرف التاريخي: "غير مستقر، ومن واجبنا تقديم الاقتراحات".
وشدد الرئيس الفرنسي على أن "كل المواضيع التي سيتم نقاشها لها تأثير على حياة الفرنسيين، رغم أنها تبدو بعيدة. فالاستقرار والسلم في العالم، سواء تعلق الأمر بإيران وسورية وليبيا وأوكرانيا، يؤثر على الفرنسيين، فالعمليات الإرهابية التي ضربت فرنسا تم التخطيط لها من سورية، في حين أن امتلاك إيران للسلاح النووي، تهديد لفرنسا"، كما أكد ماكرون، إضافة إلى تحديات الصراع في الشرق الأوسط، وأخيرا تحديات قضايا الهجرة.
وشدد الرئيس ماكرون على أن هذه القمم، التي بدأت منذ 44 سنة، "مفيدةٌ" و"هامة"، من أجل التنسيق والعمل الجماعي.
كما أن الاقتصاد كان حاضرا، بقوة، في خطاب الرئيس ماكرون، وبالتالي في برنامج القمة، وأكد على أنه يجب العمل على خلق نمو أكبر. وكشف عن هدفين رئيسَين، وهما: إقناع كل الشركاء بالنجاح في وقف التوترات الدولية، أي مختلف أشكال الحرب التجارية "التي تستقر
في كل مكان"، في إشارة مبطنة لقرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ثم العمل على إنعاش حقيقي للنموّ.
ثم ركّز ماكرون على موضوع التفاوتات، وكيفية محاربتها، وخاصة ما بين النساء والرجال، وأعلن عن مبادرات ستتمخض عنها القمة، وسبق أن ناقشها الرئيس مع منظمات المجتمع المدني، يوم أمس الجمعة.
وعرج الرئيس ماكرون على قضايا المناخ والتنوع البيولوجي، مشددا على ضرورة "الاستجابة لنداء المحيط والغابة التي تحترق في الأمازون"، كاشفاً عن أن الصناعة النسيجية مسؤولة عن 30 في المائة من تلوث المحيطات، ومعبرا عن ارتياحه لمبادرات طوعية أعلنت عنها كثير من الشركات التي تشتغل في هذا الميدان، وتخص في خانة الحفاظ على البيئة.
وإذا كانت العديد من دول أفريقيا، كجنوب أفريقيا وبوركينا فاسو والسنغال غيرها، وأميركا اللاتينية، كتشيلي، وآسيا، كالهند، حاضرةٌ، فلأنها تنسق مع مجموعة السبع في كثير من القرارات، ولأن القمة ستطلق "مبادرات قوية وجديدة من أجل أفريقيا".
ثم وجّه الرئيس إيمانويل ماكرون في الأخير دعوة إلى الهدوء، واعداً بنقل بعض مقترحات عدة أطراف، خاصة من المجتمع المدني، التي تجتمع غير بعيد من مقر القمة، في قمة مضادة، إلى زملائه من كبار مسؤولي العالَم، لتدارسها.
وازدادت العلاقات المتوترة بين البلدين، وبين الزعيمين، سوءاً، وهي كانت متوترة أصلاً، بسبب مواقف الرئيس البرازيلي اليميني المتطرف، المهدّدة، قبل انتخابه، بالخروج من اتفاق باريس حول المناخ، مشككاً في تحذيرات الخبراء. واضطر الزعيم البرازيلي في قمة أوساكا الأخيرة إلى التعهد، أمام ماكرون وقادة آخرين، بالالتزام باتفاق باريس الذي وقّع عليه بلده. لكنه في ردة غضب على لقاء جمع وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، بمنظمات المجتمع المدني البرازيلية، ألغى لقاءه بالوزير الفرنسي، مبرراً ذلك بضيق أجنداته، بينما كان يَعرض مشاهد حلق رأسه على شبكات التواصل الاجتماعي.
كما أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ستكون حاضرة بقوة، خصوصاً وأن الرئيس ترامب يهدد أيضاً الأوروبيين، وخصوصاً فرنسا برفع الرسوم، وخاصة على نبيذها المعروف.
كذلك، سيكون موضوع عودة الروس إلى هذا التجمع القوي، حاضراً، خصوصاً بعد عودة بعض الدفء للعلاقات الفرنسية الروسية، وعدم اعتراض ترامب على هذه العودة، رغم اعتراضات ألمانية وبريطانية.
ولا شك أن هذه القمة ستشهد مفاجآت، حتى في ظل غياب بيان مشترك، فيَدُ ترامب على هاتفه الذكي لتطيير تغريداته، التي لا تدع أحداً، في هذا الكون، الذي تحترق رئته الأمازونية، غير مُبالٍ.