روسيا تستثمر العجز الدولي: مجازر جديدة وهدنة محدودة بحلب

18 أكتوبر 2016
تواصل روسيا حملتها على حلب (كرم المصري/فرانس برس)
+ الخط -
تمضي روسيا إلى جانب النظام السوري في ارتكاب المزيد من المجازر في سورية، تحديداً في حلب، بما في ذلك قضاؤها أمس الاثنين على عائلة كاملة مؤلفة من 14 شخصاً في حي المرجة شرق حلب، بالإضافة إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى في بلدة عويجل في ريف حلب الغربي. وتستفيد روسيا من غياب أي ضغط دولي رادع، وهو ما تجلى في عجز دول الاتحاد الأوروبي عن الاتفاق على فرض عقوبات جديدة على روسيا في الوقت الذي اعتبر فيه البيان الختامي الصادر عن الاتحاد الأوروبي أن حملة القصف الروسية والسورية على حلب قد تصل الى "جرائم حرب".
وبينما حاولت روسيا أمس الترويج لإمكان عقد محادثات جديدة بشأن سورية ضمن صيغة "لوزان"، في إشارة إلى الاجتماع الذي عقد في سويسرا يوم السبت الماضي، جددت تمسكها برؤيتها للهدنة في حلب، إذ أعلن الجيش الروسي أنه سيتيح توقفاً "إنسانياً" للقتال في حلب يوم الخميس المقبل من الثامنة صباحاً حتى الرابعة عصراً، مكرراً لازمة أنه "يمكن للمعارضة المسلحة أن تغادر بحرية شرق حلب عبر ممرين خلال الهدنة"، وهو الأمر الذي ترفضه المعارضة بشكل قاطع، إذ ترى فيه استسلاماً.
من جهتها، أعادت الحكومة السعودية أمس التأكيد على "موقفها الثابت من سورية ووحدتها واستقرارها وسلامتها الإقليمية وأهمية التوصل إلى حل سلمي يضمن إنهاء هذه الأزمة، وفقاً لما تضمنه بيان جنيف 1 وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالأزمة السورية". كما أعلن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، في لندن، أن السعودية تعمل على زيادة تدفق السلاح للمعارضة السورية في حلب.
أما الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، فدافع عن تدخل قوات بلاده في سورية في الوقت الذي تواصل فيه قوات "درع الفرات" تقدمها على حساب تنظيم "الدولة الإسلامية"، بما أفضى إلى إنهاء تواجده في ريف حلب الشمالي للمرة الأولى منذ 26 شهراً. ومما قاله أردوغان، أمس الإثنين: "لدينا حدود بطول 911 كيلومتراً مع سورية، لكن هناك من يعتبر أن تدخل الذين لا علاقة لهم بسورية لا من قريب ومن بعيد، حقاً مشروعاً، بينما يُقال لنا: كيف تدخلون هناك فالأسد القاتل لم يوجه دعوة لكم؟. معذرة فإننا ندخل (إلى سورية) إذا كنا تحت خطر الإرهاب وقذائف الهاون والقذائف الصاروخية".


مجازر جديدة في حلب

وأدى القصف الذي شنّه الطيران الروسي ومقاتلات النظام، أمس الإثنين، إلى مقتل عشرات المدنيين في حيي المرجة والقاطرجي في شرق حلب. وتحدث ناشطون عن وفاة عائلة كاملة مؤلفة من 14 شخصاً، بينهم 8 أطفال، تحت أنقاض منزلها في حي المرجة الذي أصيب بصاروخ ارتجاجي أطلقته مقاتلة روسية. كما ارتكب الطيران الروسي مجزرة جديدة في قرية عويجل غربي محافظة حلب من دون أن تتضح الحصيلة النهائية للضحايا.

وقال الناشط الإعلامي، منصور حسين، لـ"العربي الجديد"، إن "عدد ضحايا الغارة الروسية على بلدة عويجل القريبة من بلدة كفرناها بريف حلب الغربي، بلغ نحو 25 قتيلاً وأكثر من 60 جريحاً". ورجّح ارتفاع الحصيلة مع تواصل عمليات البحث عن جثث أو ناجين تحت الأنقاض من قبل السكان وفرق الإنقاذ. من جهتها، ذكرت شبكة "سورية مباشر" الإخبارية أن عدد ضحايا الغارة في قرية عويجل وصل إلى 35 قتيلاً وأكثر من 70 جريحاً.
ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 361 مدنياً في حلب، بينهم 96 طفلاً و55 امرأة، منذ انهيار اتفاق هدنة روسية أميركية في التاسع عشر من شهر سبتمبر/أيلول الماضي، وحتى يوم الجمعة الماضي. وأوضحت الشبكة أن القوات الروسية قتلت 287 شخصاً منهم، بينهم 82 طفلاً و46 امرأة، مشيرة الى أن هذه القوات ارتكبت 13 مجزرة، في حين ارتكبت قوات نظام الأسد 3 مجازر. كما لفتت الشبكة الحقوقية إلى أن القوات الروسية اعتدت على 22 مركزاً حيوياً مدنياً، في حين اعتدت قوات النظام على 4 مراكز. ودعت الشبكة المجتمع الدولي إلى وضع حد لما يجري في حلب، مشبّهة ما يحدث بالمذبحة التي حدثت في رواندا تسعينيات القرن الماضي.

ويشنّ الطيران الروسي، وطيران نظام بشار الأسد، منذ نحو شهر أشرس حملة جوية على الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة من أجل إخضاعها، وإجبارها على توقيع اتفاق "استسلام" تخرج بموجبه من هذه الأحياء، وهو ما ترفضه المعارضة بالمطلق، وتصرّ على الدفاع عن هذه الأحياء التي تضم نحو 300 ألف مدني يعيشون ضمن ظروف مأساوية، دفعت وزير الخارجية الأميركي، جون كيري إلى القول، أول أمس، إن "حلب تمثل أكبر كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية".

محادثات جديدة وفق صيغة "لوزان"؟
في موازاة المجازر المتنقلة، التي يرتكبها الطيران الروسي بالتعاون مع النظام السوري، كانت روسيا تلمح إلى إمكانية مواصلة الاجتماعات الدولية حول سورية وفق صيغة لوزان. وفي السياق نفسه، نقل عن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، قوله أمس الإثنين، إن المباحثات بشأن سورية يمكن أن تستمر وفق صيغة "لوزان".
ورداً على سؤال صحافي، قال ريابكوف:"أعتقد أنه ليس من الممكن فقط، بل من الضروري المضي قدماً في هذه الصيغة".

وفيما اعتبر أن "قرار الهدنة الإنسانية والوصول إلى حلب لا يجب أن يفرض بل يجب بحثه والتوافق عليه، لفت إلى أن النموذج الرئيسي الذي يمكن استخدامه في حلب، والذي تمت مناقشته في لوزان، هو نموذج المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، "حول إنشاء ممرات إنسانية وحول معايير محددة لإيصال المساعدات الإنسانية"، لكن مع إدخال بعض التعديلات على حد قوله.
من جهة ثانية، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي أن روسيا لن تترك التهديدات الأميركية بفرض عقوبات عليها بسبب الأوضاع في سورية من دون رد فعل، مشيراً إلى أن رد موسكو ليس شرطاً أن يكون مماثلاً. وقال ريابكوف: "تحدثنا عن هذا، عن أن الأميركيين سيصطدمون بواقع جديد مختلف عن الواقع، الذي تعودوا على العيش فيه… إذا كانت الولايات المتحدة لا تصغي بانتباه إلى ما تقوله لها موسكو، رداً على مثل هذه التهديدات، فهذه مشكلتهم، لكن المسؤولية عما يحدث، عن تقويض ما تبقى، ليس الشراكة فقط، بل الحوار الطبيعي الذي ما زال قائمًا بين الحكومات…المسؤولية عن هذا ستقع على عاتقهم".

لا عقوبات أوروبية على روسيا

في غضون ذلك، فشلت دول الاتحاد الأوروبي، التي عقدت، أمس الإثنين، اجتماعاً على مستوى وزراء خارجية دول الاتحاد، في بلورة رؤية واحدة حيال التصعيد الدموي المتزايد في سورية، والذي يتجلى في حرب إبادة على مدينة حلب.
وهيمن التباين على اجتماع لكسمبورغ، إذ تدفع أطراف باتجاه معاقبة موسكو عبر فرض مزيد من العقوبات عليها، في حين لا ترى أطراف أخرى أن هذا الأسلوب مجدٍ في إيجاد حلول سياسية للمشكلة السورية.

واستبقت وزيرة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، الاجتماع بالتأكيد على أن وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي الـ28 لا ينوون فرض عقوبات على روسيا، أبرز حلفاء نظام بشار الأسد. وقالت "رأيت أن موضوع العقوبات على روسيا تم تداوله بشكل واسع في وسائل الإعلام، إنما ليس في اجتماعاتنا. لم تطرح أي من الدول الأعضاء المسألة"، لكنها لم تستبعد مناقشة عقوبات جديدة تستهدف نظام الأسد.
من جهته، أكد وزير خارجية لكسمبورغ، جان أسيلبورن، أنه لا يمكن التوصل إلى توافق بشأن فرض عقوبات على روسيا بسبب الوضع في سورية، مشيراً إلى أن مثل هذه الخطوة ستكون مضرة.
وكان وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، قد قال إن الأحداث في حلب "يجب أن تخجل الإنسانية" وإن محادثات الاتحاد الأوروبي يجب أن تركز على كيفية "إبقاء الضغط على نظام الأسد وداعميه الروس"، فيما قال وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك ايرولت، إن الوزراء "سيدرسون كل الخيارات التي تسمح بالضغط بشكل أكبر بكثير على نظام بشار الأسد، إنما كذلك على حلفائه".
وفيما تحاول دول الاتحاد التمايز عن الموقف الأميركي الذي يعتقد البعض أنه سمح لروسيا بالهيمنة على الملف السوري، يستبعد مراقبون أن تؤدي أوروبا، الواقعة تحت ضغط أخلاقي كبير، دوراً غير مرضي عنه من قبل الولايات المتحدة التي كبّلت الموقف الأوروبي، وجعلته تابعاً لها بما يخص القضية السورية، مجهضة محاولات أوروبية عدة على هذا الصعيد.
وبقيت دول الاتحاد الأوروبي طيلة أكثر من خمس سنوات، هي عمر الثورة السورية، تابعة للموقف الأميركي المتردد الذي سمح لنظام الأسد وحلفائه بارتكاب المجازر، وتشريد ملايين السوريين، وتحويل سورية إلى بلد محتل من روسيا وإيران. لكن أوروبا وجدت نفسها تحت ضغط أخلاقي بعد بدء الطيران الروسي، ومقاتلات نظام الأسد، بارتكاب مجازر بحق عشرات آلاف المحاصرين شرقي حلب، فحاولت ليّ ذراع موسكو في مجلس الأمن الدولي، لكن حق النقض (الفيتو) الروسي كان لها بالمرصاد، فلم تجد أمامها إلا التصعيد الصوتي الذي قابلته موسكو باستخفاف شديد، مواصلة حرب الإبادة التي تشنها على حلب.
ولم ترفع المعارضة السورية سقف أملها بالموقف الأوروبي الإيجابي بشأن الملف السوري، لا سيما أن خيبة الأمل الكبرى من الموقف الأميركي لا تزال حاضرة، حيث يسود اعتقاد لدى عدد من المعارضين السوريين أن واشنطن "باعت السوريين الوهم طيلة سنوات"، وفق تعبير دبلوماسي سوري معارض. من جانبه، يؤكد المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات، أبرز المؤسسات السياسية للمعارضة السورية، رياض نعسان آغا، أن هناك تنسيقاً مع دول الاتحاد الأوروبي، مشيراً في تصريحات، لـ"العربي الجديد"، إلى أن هناك زخماً في الاهتمام الأوروبي بالملف السوري. وأوضح أنه توجد علاقات وصفها بـ"الجيدة" تربط المعارضة السورية مع عدد من دول الاتحاد، منها فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، مشيراً إلى أن الموقف الإسباني "تحسن" في الآونة الأخيرة.
وتدرك المعارضة السورية أن دول الاتحاد الأوروبي الغاضبة من الموقف الروسي لا تستطيع التغريد خارج السرب الأميركي، لذلك لا تعوّل على دور عسكري لهذه الدول بقدر تعويلها على دور سياسي وإعلامي قد يكون عامل ضغط على روسيا من أجل إحداث اختراق، ما يساعد بالعودة إلى المفاوضات وفق بيان "جنيف 1"، الداعي إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، وهو ما يرفضه نظام الأسد، مستنداً إلى موقف روسي، أقصى ما يمكن أن يعطيه للمعارضة هو المشاركة في حكومة "وحدة وطنية" تحت حكم الأسد.
من جهته، يرى المحلل السياسي السوري المعارض، أحمد رياض غنام، أن هناك تصاعداً في حالة التململ الأوروبي من السياسة الأميركية. ويضيف، في حديث مع "العربي الجديد"، "لكن هذا التململ ما يلبث ان يهدأ ليعود إلى حالة المراوحة، والمراقبة". وأشار إلى أن فرنسا هي الرافعة للتحرك الأوروبي، مضيفاً "تصطدم فرنسا بموقف أميركي مغاير لتوجهها، فتستجيب للضغوط وتتوقف عن التحرك بانتظار فرصة أو حدث جديد يعيد لها دوراً ما في الملف السوري المعقد". ويعرب غنام عن قناعته بأن الدور الأوروبي "المسموح به أميركياً" هو في إطار العمل الإنساني والإغاثي واستضافة الأعداد المتزايدة من المهجرين من سورية، مشيراً إلى أن واشنطن "تسارع لإحباط أية مبادرة أوروبية تستهدف الحد الأدنى المطلوب، والذي يتحدث عن ضرورة وقف إطلاق النار، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية، ومنع استهداف المشافي من قبل الطيران الروسي".
ويرى غنام أن هناك انقساماً، وصفه بـ"الحاد"، داخل دول الاتحاد الأوروبي من القضية السورية، مضيفا "هناك دول داخل الاتحاد تميل للموقف الروسي، وما زالت تدور في فلك السياسة الروسية حتى اليوم، ما يجعل الأعباء مضاعفة على فرنسا وألمانيا لجهة توحيد الموقف الأوروبي، الذي يجنح للابتعاد عن هذا الملف المعقد". وتابع "أمام هذا الواقع لا يمكن لدول الاتحاد، وخاصة فرنسا وألمانيا، أن تبدل من مسار الحدث السوري طالما أنه موزع بين الطرفين الأكثر قوة وقدرة (روسيا وأميركا)، ما يجعل موقفها ضعيفاً وغير فاعل، بل تابعاً للسياسة الأميركية التي تتعمد إضعاف هذا الدور وتوجيهه لخدمة الدبلوماسية الأميركية، التي تذكر الغربيين كل يوم، بأنهم مجرد تابعين وليسوا أصحاب قرار مستقل".

المساهمون