العهدة الخامسة لبوتفليقة والتظاهرات الرافضة لها تثير القلق في فرنسا

26 فبراير 2019
نصف سكان الجزائر تقل أعمارهم عن سن الـ20(Getty)
+ الخط -


تؤثر الوضعية السياسية في الجزائر على جيرانها بشكل يقيني. وهذا الأمر ينطبق على فرنسا، التي تحتضن جالية جزائرية كبيرة جداً، إضافة إلى أن العديد من الفرنسيين يتحدرون من أصول جزائرية. لكن المواقف الرسمية، في الأمس واليوم، تتجنب الإشارة إلى ما يحدث في هذا البلد، وتحرص على عدم إحراج النظام الجزائري، وعلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية لبلد صديق.

لكن القلق موجودٌ في فرنسا، فثمة تهديدات كبيرة قد تؤثر على باريس في حال وقوع أزمة مستدامة في الجزائر، تهديدات تمسّ الاقتصاد، إذ إن فرنسا زبونٌ كبير للجزائر في ما يخص الغاز، كما أن الوضعية العسكرية والأمنية في الساحل التي انخرطت فيها فرنسا، قد تتأثر في حال حدوث فوضى في هذا البلد العربي الأفريقي، إضافة إلى قلقٍ من طبيعة اجتماعية، وهو الخوف من تدفق مهاجرين جزائريين إلى فرنسا، وحينها سينسى الفرنسيون تدفق الآلاف من الشباب التونسيين بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي، فالجزائر بلد يصل عدد سكانه إلى 40 مليون نسمة، نصفهم تقل أعمارهم عن سن الـ20.  

وقد كانت قاسية افتتاحية مدير صحيفة "ليبراسيون"، لوران جوفران، التي تحدثت عن "عودة المومياء". فقد استغرب الأخير أن يترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، و"هو المريض الذي لم يتحدث إلى الشعب بصفة علنية منذ سبع سنوات، ولم يعد يظهر في الاحتفالات إلا تحت شكل صورة رسمية، إنه: لم يعد رجُلاً من قشّ، إنه مومياء".



وإذا كان أنصار بوتفليقة يرون فيه ضمانة للاستقرار، كما يكتب جوفران، فإنّ الشباب الجزائريين في حالة تمرد، ومعهم كثير من المهنيين الحداثيين، والذين قد يُغويهم المنفى، إذا لم يتغير شيء. ويسمح لوران جوفران لنفسه بالحديث عن "ربيع عربي جديد... نوعاً ما، على الرغم من أن عديد التظاهرات أقلّ من تلك التي حدثت في أمكنة أخرى سنة 2010".

ويرى جوفران أن البديل لنظام بوتفليقة هو ولادة حزب جديد تدعمه القوى الحية في البلد، ويدفعه الشارع إلى الأمام، ولكن هذا الأمل محفوفٌ بكثير من العقبات. بوتفليقة ليس له من محرّك سوى سلالة، ولكن هذه السلالة تحمي الرئاسة. وهو امتيازٌ مهم".

وهذا القلق الجدي من الغموض الذي يلف الوضع في الجزائر، خاصة بعد ورود أخبار تتحدث عن نقل بوتفليقة إلى سويسرا للعلاج وإجراء فحوصات، دفع الباحث الفرنسي والأستاذ المحاضر في "المعهد الوطني للفنون والحرف"، إليامين ستول، للتأكيد لـ"العربي الجديد"، أن "الوضع في الجزائر أخطر مما عرفه البلد من قبل، وأن الجزائريين يستحقون أفضل من النظام الحالي". وانتقد ستول البيروقراطية المحلية التي لا تفعل ما يشجع الشباب الجزائري على البقاء في وطنه وبنائه.

وأضاف ستول أن المستقبل في ظل إصرار بوتفليقة أو أنصاره على إعادة ترشيحه مفتوح على احتمالات صعبة ومقلقة، وأن "إعادة انتخاب بوتفليقة لو حدث، سيكون كارثيّاً على الداخل الجزائري، إذ إن غالبية الشباب تريد التغيير، وعلى فرنسا، حيث سيتدفق الشباب الجزائري إلى فرنسا وأوروبا بشتى الوسائل الممكنة. وهو ما سيؤزم وضعية الأقليات في فرنسا أكثر فأكثر، ويمنح وقوداً إضافياً لليمين المتطرف الفرنسي في حربه ضد الأجانب".

هذا الموقف يؤيده أيضاً الباحث الفرنسي في العلوم الاجتماعية، قدور زويلاي، الذي عبّر لـ"العربي الجديد" عن إحساس السلطات الفرنسية بالقلق من مستقبل لا يعرفه أحد، على الرغم من أنها لا تريد الإفصاح عنه، لأسباب تتعلق بحساسية العلاقات بين البلدين.

ويضيف: "لا يمكن نسيان أن وجود الجالية الجزائرية الكبيرة في فرنسا له تأثير على الوضع في هذا البلد، فأي شيء يقع في الجزائر يجد له، بشكل مؤكد، صدى في فرنسا. ولا توجد في الأمر مبالغة، فالحرب الأهلية التي عرفتها الجزائر انعكست على فرنسا، التي شهدت اعتداءات دامية".

ويستغرب الباحث الفرنسي "سطوة نوع من الصمت الفرنسي، إجمالاً، حول ما يقع في الجزائر"، مضيفاً أن "الأمر لا يقتصر على الحكومة الفرنسية، الواعية برفض القادة الجزائريين لكل انتهاك لسيادتهم، بل وأيضاً على الإعلام الفرنسي، الذي يبدو متساهلاً مع ما يقع في الجزائر، خلافاً لتغطياته عن بلدان أخرى".

ويختم بأن "قدر فرنسا والجزائر أن يظلا بلدين صديقين. ولن يغير من الأمر تغيّرُ القيادة في الجزائر، فالمصالح الاقتصادية هي التي تحدد العلاقات والبلدانَ، كما يعرف الجميع، يحتاجُ أحدُهما إلى الآخر. إنها وحدة مصير".​