كواليس اتفاق المصالحة الفلسطينية في بكين... الشيطان في المواعيد

25 يوليو 2024
خلال التوقيع على اتفاق المصالحة، بكين، 23 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تغير موقف عباس وحركة فتح في اتفاق بكين**: شهد اتفاق المصالحة الفلسطينية في بكين تحولاً في موقف الرئيس محمود عباس وحركة فتح، حيث وافقوا على بنود مفصلية مثل اجتماع الإطار القيادي الموحد وتشكيل حكومة وفاق وطني، لكن المواعيد بقيت بيد عباس مما أثار جدلاً حول جدية التغيير.

- **الضغوط والعوامل المؤثرة على عباس**: التغيير جاء نتيجة لضغوط متعددة، منها العلاقات مع الصين، لقاء بوتين، احتمال عودة ترامب، والضغوط العربية. كما تعاني "فتح" ومنظمة التحرير من ضغوط داخلية تطالب بإصلاح حقيقي.

- **التعديلات والمخاوف في اتفاق بكين**: إعلان بكين تضمن نقاطاً غير مسبوقة، لكن غياب المواعيد المحددة أثار مخاوف حول جدية التنفيذ. "حماس" أصرت على تعديلات جوهرية، لكن التنفيذ الفعلي قد يتأخر بيد عباس، مما يضع "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في منطقة الانتظار.

عكس اتفاق المصالحة الفلسطينية في بكين تغيراً ملحوظاً في موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحركة فتح تمثل بالموافقة على بنود مفصلية، أهمها اجتماع الإطار القيادي الموحّد لمنظمة التحرير الفلسطينية ومقاومة مرجعيتها القانون الدولي وتشكيل حكومة وفاق وطني. لكن هذا الاتفاق أبقى السقف الزمني ومواعيد المفاصل الهامة فيه بيد عباس. وفيما يرى البعض في ذلك تغييراً حقيقياً في موقف عباس، انسجاماً مع المخاطر الحقيقية التي تعيشها القضية الفلسطينية، إلا أن مراقبين آخرين يرون أن عباس ما زال يراوح مكانه في مربع "الانتظار وشراء الوقت"، لكنه انتقل خطوتين للأمام في المربع نفسه ليس أكثر.

ورأى سياسيون ومراقبون أن التغيير في موقف عباس يأتي لعدة اعتبارات، أهمها حرصه على علاقته مع الصين، التي بذلت قوة ناعمة كبيرة لإنجاح اللقاء، وهو يسعى لإبقائها في صفه بما يتعلق بالحديث عن مؤتمر دولي للسلام، ويريد الذهاب متخففاً ولو ظاهرياً من الانقسام في لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشهر المقبل. وإضافة لما سبق، فإن إمكانية وصول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مرة ثانية من أبرز الأسباب، فضلاً عن الضغوط العربية، وهي نوعان، إما مطالبة السلطة بتغيير جذري ومصالحة حقيقية تؤهلها لتكون على طاولة اليوم التالي للحرب على قطاع غزة، وضغط من نوع آخر يسعى لإخراج السلطة من اللعبة عبر اتفاقيات مع إسرائيل والولايات المتحدة مثل دولة الإمارات، حسب ما كشفه الإعلام الإسرائيلي أخيراً من لقاء في أبوظبي، يوم الخميس الماضي، لترتيب اليوم التالي للحرب.

مصطفى البرغوثي: تم في إعلان بكين التأكيد على المقاومة حسب ما يقره القانون الدولي

وإضافة لما سبق، فإن الجبهة الداخلية في "فتح" ومنظمة التحرير الفلسطينية في أسوأ أحوالها، وتشكّل عنصر ضغط إضافياً على عباس. إذ ينخرط العشرات من أعضاء المجلسين المركزي والوطني وقيادات فتحاوية في تحضيرات "المؤتمر الوطني الفلسطيني" مطالبين بإصلاح حقيقي لمنظمة التحرير ومؤسساتها وإنهاء الانقسام، فضلاً عن أن "فتح" ليست على قلب رجل واحد، فهناك من يدعم إنهاء الانقسام بأي ثمن، وهناك من يضع العصي في الدواليب لأنه لا يريد أن يربط مصير "فتح" ومنظمة التحرير بمصير "حماس" قبل انتهاء الحرب على غزة ومعرفة مصير الأخيرة، وهذا يفسر زيارة مسؤولين صينيين لعضو اللجنة المركزية لحركة فتح وأمين سر المنظمة حسين الشيخ يوم الثلاثاء الماضي.

عباس ونقاطه الثماني للمصالحة

وأفادت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، بتخلي عباس عن نقاطه الثماني التي كان يصر عليها دوماً ويعتبر أن لا مصالحة من دونها، والتي كانت تشكل عقبة أمام إبرام أي اتفاق. وأكدت المصادر أن الرئيس الفلسطيني أوكل لنائبه في "فتح" محمود العالول وآخرين من دائرته مهمة صياغة بنود أخرى تجسر الهوة بين "فتح" وحركتي حماس والجهاد الإٍسلامي و"الجبهة الشعبية" بشكل أساسي، و"الديمقراطية" وحركة "المبادرة الفلسطينية".

لكن إعلان بكين بشأن المصالحة الفلسطينية وإن احتوى على نقاط غير مسبوقة في اتفاقيات المصالحة الفلسطينية السابقة، إلا أنه لم يحدد مواعيد لتنفيذ البنود، بل إن المواعيد المفصلية للبنود الهامة، مثل اجتماع الإطار القيادي الموحد لمنظمة التحرير وصلاحياته حسب اتفاق القاهرة في مايو/ أيار 2011، وإعلان تشكيل حكومة وفاق وطني، بقيت بيد عباس وحده، ما يعني أن الشيطان يكمن في المواعيد هذه المرة، وليس في التفاصيل التي أنهكتها الفصائل بحثاً ونقاشاً في حواراتها المستمرة منذ أكثر من 17 عاماً، وأن تخلي عباس عن ورقة النقاط الثماني لا يعني بالضرورة أن اتفاق المصالحة الفلسطينية في بكين سينفذ.

النقاط الثماني التي كان يصر عليها أبو مازن وحملها وفد "فتح" في كل اجتماعات الحوارات السابقة، والتي اطلعت عليها "العربي الجديد"، هي: "إنهاء مفرزات الانقلاب في غزة، والالتزام بالنظام الواحد والقانون الواحد والسلاح الشرعي الواحد، والالتزام بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وبرنامجها السياسي والتزاماتها الدولية وحدها دون غيرها، والالتزام بالشرعية الدولية، والالتزام بالمقاومة الشعبية السلمية، والالتزام بالحل السياسي المبني على حل الدولتين المستند لقرارات الشرعية الدولية، وتشكيل حكومة تكنوقراط بقرار من عباس وتتولى مهامها في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، والمفاوضات بشأن التوصل لاتفاق سلام شامل هي من مسؤولية منظمة التحرير الفلسطينية".

التأكيد على المقاومة في اتفاق المصالحة الفلسطينية

وقال الأمين العام لـ"المبادرة الوطنية الفلسطينية" مصطفى البرغوثي لـ"العربي الجديد": "لقد تم في إعلان بكين بشأن المصالحة الفلسطينية التأكيد على المقاومة حسب ما يقرها القانون الدولي، وموضوع سلاح واحد ونظام واحد لم يُذكر أصلاً، أما بالنسبة إلى التزامات منظمة التحرير، فلم تبق أي التزامات بعدما مزقتها إسرائيل". وأضاف البرغوثي، الذي صاغ البيان الختامي لإعلان المصالحة الفلسطينية في بكين مع القيادي الفتحاوي عزام الأحمد: أن "الرئيس أبو مازن سيحدد موعد اجتماع الإطار القيادي الموحد للمنظمة الذي يضم جميع الأمناء العامين للفصائل، وأيضاً هو الذي سيحدد موعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني، لأنه حسب البيان بناء على طلب حركة فتح، فإن الرئيس هو الذي يدعو لتشكيل الحكومة". وأقر البرغوثي بأن تحديد المواعيد التي تركت بيد عباس يثير المخاوف، لكنه استدرك قائلاً: "يجب أن يبدأ الرئيس أبو مازن بتشكيل حكومة وفاق وطني، هو الذي يجب أن يبدأ هذا الأمر، لأن الرئيس وحركتي فتح وحماس والجميع مهددون من إسرائيل".

تعديلات أصرّت عليها "حماس"

أحد المخرجات الهامة لإعلان المصالحة الفلسطينية في بكين يتعلق بالإطار القيادي الموحد لمنظمة التحرير. وأصرّت "حماس" على إجراء تعديلات جوهرية على هذا البند، إذ طرحته "فتح" في الورقة التي حملها العالول بالشكل التالي: "إلى أن يتم تنفيذ الخطوات العملية في تشكيل المجلس الوطني الجديد وفقاً لقانون الانتخابات المعتمد، ومن أجل تعميق الشراكة السياسية في تحمل المسؤولية الوطنية، ومن أجل تطوير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، يتم الاتفاق على تشكيل إطار قيادي مؤقت للشراكة في صنع القرار السياسي، وبما لا يتعارض مع صلاحيات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية".

هاني المصري: حركة حماس لا تريد أن تكون في الواجهة بما يتعلق بالحكومة

لكن بناء على إصرار "حماس"، وبمساندة بعض الفصائل الأخرى، تم تعديل هذا البند في اتفاق المصالحة الفلسطينية ليخرج بشكله النهائي، كالتالي: "وإلى أن يتم تنفيذ الخطوات العملية لتشكيل المجلس الوطني الجديد وفقاً لقانون الانتخابات المعتمد، ومن أجل تعميق الشراكة السياسية في تحمل المسؤولية الوطنية، ومن أجل تطوير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، تم تأكيد الاتفاق على تفعيل وانتظام الإطار القيادي المؤقت الموحد للشراكة في صنع القرار السياسي وفقاً لما تم الاتفاق عليه في وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني الموقعة في الرابع من مايو/ أيار 2011". مصادر في "فتح" أكدت لـ"العربي الجديد"، أن هذه النقطة تسببت باستياء عباس واتصال هاتفي غاضب مع العالول وعزام الأحمد في بكين.

وقال الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري لـ"العربي الجديد"، إن "حركة حماس لا تريد أن تكون بالواجهة بما يتعلق بالحكومة، لذا أعتقد أنها أصرت على بند الإطار القيادي الموحّد وفق اتفاق القاهرة في مايو 2011، والذي نص على مسؤوليات كبيرة للإطار القيادي". وأضاف المصري أن "الرئيس أبو مازن لن يسمح بإدخال حماس بشكل رسمي في المنظمة إلا بعد عامين أو ثلاثة إذا كنا متفائلين، والإطار القيادي لا يعني وجوداً مباشراً داخل منظمة التحرير، وإنما هو إطار خارج منظمة التحرير ولديه صلاحيات، لكن اللجنة التنفيذية هي صاحبة القرار، ويستطيع أبو مازن أن يقول لمن يعارض دخول حماس والجهاد إلى المنظمة، سواء دولياً أو إقليمياً أو من داخل فتح ذاتها، إنهم لم يدخلوا المنظمة بشكل فعلي، وهذا صحيح".

ووفق المصري، "فإن هذه نقطة ضعف كبيرة، لأن أبو مازن يريد أن يرى ردود الفعل الداخلية في فتح والأميركية والإسرائيلية والعربية قبل أن يمضي قدماً في التنفيذ". بند آخر أصرّت "حماس" و"الجهاد الإسلامي" على تعديله وهو إضافة كل قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية للبند المتعلق بالالتزام بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، بدلاً من ذكر قرارات محددة بعينها.

"حماس" و"الجهاد" على عتبة منظمة التحرير

وفي أثناء وجود "حماس" و"الجهاد" على عتبة منظمة التحرير في منطقة الانتظار، أي في الإطار القيادي الموحّد للمنظمة، فإن موعد اجتماع هذا الإطار لن يتم إلا بقرار من عباس. وحسب الاتفاق، فإن الإطار القيادي هو الذي سيحدد موعد الانتخابات التي ستبدأ بتشكيل مجلس وطني جديد بالانتخاب، ثم الذهاب إلى انتخابات تشريعية ورئاسية، وهذا لن يكون قبل عامين على الأقل بعد انتهاء الحرب على قطاع غزة لتستطيع المشاركة. وقال أحد الأمناء العامين المشاركين في التوقيع على اتفاق بكين لـ"العربي الجديد": "قدمنا تنازلات مهمة للحفاظ على علاقاتنا مع الصين، مثل حكومة الوفاق الوطني والإطار القيادي الموحد وغيرها، وهي تطورات مهمة، لكن على أرض الواقع لن يحدث شيء". وأضاف الأمين العام، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن "جميع المواعيد مرتبطة بوقف الحرب، وأن نرى ماذا سوف نعمل في اليوم التالي، لهذا لم يتم تحديد مواعيد". وحول الحكومة وتشكيلها، قال: "لدينا حكومة حالياً، ويمكن الحديث عن تعديلها أو زيادة عددها، أعتقد أن هذا أقصى ما يمكن".

من جهته، قال المتحدث باسم حركة الجهاد الإسلامي محمد الحاج موسى، لـ"العربي الجديد": "دعونا لتشكيل لجنة أو حكومة طوارئ لإدارة المعركة، وليس لإدارة ما بعد الحرب، بل قبل ذلك، من أجل مواجهة الإبادة الجماعية ومخططات التصفية في الضفة وغزة". وأضاف موسى: "طالبت الجهاد الإسلامي بعقد لقاءات دورية على مستوى الأمناء العامين، والذهاب إلى إجراءات ميدانية، لأنه قبل ذلك في لقاءات موسكو وبكين اتخذنا قرارات ولم يتم تطبيق أي شيء منها، والآن الجميع يجب أن يتحمّلوا مسؤولية القرار".

المساهمون