المجر في مواجهة مع الاتحاد الأوروبي... وسوروس

02 يوليو 2018
يحرض أوربان ضد اللاجئين (ناصر السهلي)
+ الخط -
يتجه عدد من البرلمانيين الأوروبيين لطلب فرض عقوبات على بودابست في البرلمان الأوروبي، تقضي بسحب حق المجر في التصويت في مجلس الاتحاد الوزاري.

ويعيد هؤلاء البرلمانيون الأوروبيون (ينتمون لاتجاهات حزبية مختلفة) سبب طلبهم التصويت على تفعيل البند السابع، القاضي بفرض إجراءات جزائية تمنع البلد الذي يخرق القانون الأساسي للاتحاد الأوروبي من حق التصويت، إلى سياسات المجر "التي تقوض الديمقراطية وفصل السلطة القضائية عن السياسية".

ووفقاً لما يذهب إليه رئيس الكتلة الليبرالية في البرلمان الأوروبي، غاي فيرهوفستاد، فإن "طلب إجراءات جزائية بحق بودابست يأتي في ضوء وجود تهديد حقيقي للديمقراطية ودولة العدالة في المجر". وكان ممثلو لجنة "حقوق المواطن" في البرلمان الأوروبي قد صوتوا قبل أيام على "مشروعية طرح قانون للتصويت"، يطلب من المفوضية الأوروبية "التحقيق في الأوضاع القضائية المجرية وتناسبها مع قوانين الاتحاد الأوروبي".
على الرغم من ذلك لا يتوقع أن يتم تطبيق "عقوبات" على حكومة أوربان لأنها تتطلب تصويتاً برلمانياً أوروبياً جامعاً. وهو، مثل بولندا التي تعاني من الدعوات ذاتها لفرض عقوبات البند السابع لسحب حقها في التصويت، يعول على وارسو لرفض هذه العقوبات التي يتوقع أن تناقش في سبتمبر/ أيلول المقبل.
ومن الواضح أن القلق الذي يبديه برلمانيون وساسة أوروبيون في مؤسسات الاتحاد يتعلق بسياسات رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان التي تضع جانباً الركائز الديمقراطية، ومن بينها حرية الصحافة والسيطرة على وسائل الإعلام وتجييرها لمصلحة نهج يخالف الانفتاح، بإجراءات طاولت المجتمع المدني بحجة إصلاحات أجراها في المستوى القضائي وفقاً لما يذهب إليه أعضاء كتل برلمانية، من يمين ويسار الوسط والليبراليين، الذين يتفقون على أن السلطات المجرية "تمعن في تحدي مطالب الاتحاد الأوروبي الالتزام بفصل السلطات واعتماد نظام ديمقراطي واضح".

وتأتي التحركات الأوروبية الأخيرة بعد أقل من أسبوع من تبني المجر لقانون مثير للجدل يهدف إلى الحد من عمل المنظمات الحقوقية الدولية على الأراضي المجرية.
وعلى الرغم من أن المستهدف من قانون "منع مساعدة أي لاجئ" هو الملياردير اليهودي المجري - الأميركي، جورج سوروس، ضمن حزمة تعديل قانوني بمسمى "أوقفوا سوروس"، إلا أن الأوروبيين يرون أن "الحكم بسنة سجن على من يقدم مساعدة للاجئين" هو أوسع وأشمل من حجة "وقف الهجرة غير الشرعية وعمل بعض المنظمات التي تقوم بأنشطة غير قانونية بتمويل خارجي"، كما برر المتحدث باسم الحكومة المجرية زولتان كوفاكش في حديثه للصحافة الأوروبية. ويتهم المتحدثون باسم رئيس الوزراء سوروس بأنه "يدعم الهجرة الإسلامية إلى المجر". ولم تنفع كل المناشدات الأوروبية، بما فيها مناشدة المجلس الأوروبي، المسؤول عن تطبيق المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، لبودابست لوقف تمرير القانون. وبالرغم من تنديد منظمة العفو الدولية بما سمته "المد المؤسساتي المتعصب والمتصاعد في المجر، في محاولة خلق أجواء تخويف وعدم تسامح بين المجريين بحق اللاجئين والمهاجرين"، إلا أن أوربان لم يأبه لكل الانتقادات.
ويثير غضب البرلمانيين الأوروبيين وساسة الاتحاد الأوروبي، مضي حكومة التشدد التي يتزعمها أوربان الذي ينظر إليه بكثير من التوجس لعلاقته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في تجريم طالبي اللجوء، وذلك عبر تبني تشريع متشدد "ضد كل من ييسر الهجرة غير الشرعية"، والحكم بالسجن على كل "من يدافع عن طالبي اللجوء" وجعل طلب اللجوء والهجرة من دولة تعتبرها بودابست آمنة "جريمة يعاقب عليها القانون"، وإجراء تغيير في الدستور يقضي بأن "أي شعب غريب لن يكون من حقه العيش في المجر". وتصنف هذه الخطوات جميعاً في خانة التحريض ونشر فوبيا بحق غير المجريين. لكن الأخطر، من وجهة نظر الاتحاد الأوروبي، أن أوربان بتبنيه لحزمة التغييرات تلك يقطع الطريق تماماً على أية إمكانية أوروبية مستقبلية لحل أزمة اللجوء عبر توزيع المهاجرين واللاجئين بين دول الاتحاد، كما تطالب إيطاليا وغيرها.
إلى جانب ذلك، بدأ الأوروبيون يخشون من تأثير فيكتور أوربان حتى على طبيعة الأحزاب التي تعرفها مجتمعاتهم. وبدأت المجر أخيراً في الضغط لتبني قوانين صارمة ومتشددة أخرى، تضرب في الصميم "قيم الغرب الأوروبي". ومنذ 2004 يسعى أوربان، بفعل تشككه وتوجسه من قوانين الاتحاد الأوروبي، إلى تبني قوانين وتحفظات مجرية خاصة، تنطلق مما يؤمن به هو شخصياً، ومن بينها محاولته الدفع بقوانين تجرم "المثلية الجنسية"، الأمر الذي يراه الأوروبيون مسّاً إضافيا "بقواعد وأسس احترام الحريات الشخصية وحماية الأقليات".
وبينما تتأزم علاقة المجر مع الاتحاد الأوروبي في ظل اقتراب أوربان من التشكيك ورفض أسس وقيم قام عليها وبشر بها الاتحاد الأوروبي، فإن الخشية من الذهاب للتصادم تزداد مع تفكير ليبرالي يرى أن أوربان "لديه اليوم من يتحالف معهم"، وليس بعيداً يقف الإيطاليون والنمساويون، بحكامهم الشعبويين المعارضين للاتحاد الأوروبي، لتشكيل جبهة جديدة بوجه أوروبا التقليدية.
وفي خلفية تفكير منتقدي أوربان الأوروبيين لا يغيب تأثير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن المشهد، ما يمكن أن يعقد واقع ومستقبل مؤسسات أوروبا، المأزومة أصلاً، والمتهمة منه بأنها "إمبريالية أخلاقية بزعامة ألمانيا".
يبقى أنه لا يمكن فصل خشية أوربان من الملياردير اليهودي جورج سوروس، والذي تحول في سن الـ88 إلى "عدو المجر الأول"، عن علاقة الثمانيني الثري، سوروس، بأوربان نفسه.

سوروس، بعد هجرته إلى الولايات المتحدة، إثر الحرب العالمية الثانية، دخل عالم الأعمال، ومن خلال مضاربات مالية أصبح ثرياً. ومن مكانه الأميركي ذلك، والعارف بحكم شيوعي في أوروبا الشرقية، خصص أموالاً كثيرة لمسألة "نشر الديمقراطية وحقوق الأقليات". ومن بين أهداف سوروس كانت أوروبا الشرقية، لإنهاء الحكم الشيوعي فيها. ومن المعروف عن سوروس أنه سعى لما يسمى "الاستثمار في الشباب الجامعي"، إذ وفّر دعماً مالياً لشراء "آلات تصوير" (فوتوكوبي) لنشر الأفكار والدعوة لتظاهرات معارضة للحكم الشيوعي في منطقة يعرفها تماماً. ومن بين هؤلاء الذين وصلهم دعم سوروس كان الشاب فيكتور أوربان، إذ كان يعوّل عليه كقائد طلابي في 1989. شارك أوربان في توزيع مناشير وتظاهرات ضد الحكم الشيوعي والوجود الروسي في بلده. أثار الشاب أوربان إعجاب سوروس الذي دفع له منحته الدراسية لدراسة الحقوق مع عدد من زملائه في جامعة أوكسفورد ببريطانيا. في تلك الأعوام كانت أوروبا على موعد مع التغييرات الهائلة، بانهيار جدار برلين والأنظمة الشمولية، فدعم سوروس أيضاً حركة طلابية متضخمة باسم "الشباب الديمقراطي"، التي كان فيكتور أوربان في مركزها، قبل أن تصبح حزباً سياسياً يعرف اختصاراً "فيديز"، الذي يتزعمه فيكتور أوربان منذ 1993، كأقدم زعيم حزب في أوروبا بعد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، كزعيمة مستمرة لحزبها الديمقراطي المسيحي.
لكن سرعان ما طرأ التغيير على توجهات أوربان، لينتقل من مؤمن باقتصاد منفتح وليبرالية ديمقراطية وعداء للسياسات الروسية وتحالف وثيق مع جورج سوروس، إلى أوثق أصدقاء موسكو. وأسقط التغيير الشامل الذي أصبح أوربان بموجبه قومياً متشدداً على حزب فيديز منذ أن تبنى زعيمه فجأة أفكاراً "قومية بقيم دينية".
أفكار أوربان تلك اختصرها بنفسه بالقول في مقابلة مع بوليتيكو في 2015، باعتبار الليبرالية "طغياناً وشمولية. ولذلك على المجر الدفاع عن نفسها ضد الهجرة المسلمة من أجل الإبقاء على القيم العائلية المسيحية". وبالنسبة لأوربان تحول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الحليف الأوثق، والمثل الأعلى، بدل الغرب المتآمر، وجورج سوروس "العدو الأول".
وأوربان تحديداً هو أكثر من يعرف مدى تأثير سوروس في الاستثمار في التعليم، وتأسيس جامعة وسط أوروبا، والمراهنة على حركة ديمقراطية، وهو ما يفسر الحملة التي يشنّها عليه.
والعارفون بفيكتور أوربان، المتحول عن الليبرالية، التي بات يتهمها بأنها "مسؤولة عن مؤامرة يهودية غربية من خلال الاقتصاد والتدخل في شؤون الدول"، يخشون أنه يجرّ بلده، بسبب أفكار بات يؤمن بها، إلى نظام شمولي مغرق في الفوبيا، ويعتبر كل حركة لجوء أو هجرة عبارة عن "مؤامرة غزو إسلامي". لذا لم يكن غريباً أنه في 2015 قاد حملة تحريض ضخمة في أرياف بلده دعا فيها السكان إلى "مقاومة الغزو (اللاجئين في مسار البلقان) بدءاً من حدودها الجنوبية".

المساهمون