علاقة الشرطة بالسيسي ودائرته: دعم لكن بخطوط حمراء

26 سبتمبر 2019
اختلف تعامل الشرطة في الأيام الأخيرة (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
يثير تعامل الشرطة المصرية مع المشهد السياسي المأزوم في البلد حالياً، حيرة مراقبين، بين اتهامات لها من داخل نظام عبد الفتاح السيسي بالتراخي، ووصف البعض للتفاعل الأمني مع الأحداث الميدانية بأنه "الأهدأ"، مقارنة بأحداث ووقائع سابقة منذ عام 2011 وحتى 2016، وبين تواجد أمني مكثف ومشدّد وغير مسبوق من حيث التعداد والتجهيز والإجراءات في الشوارع، خصوصاً في محيط الميادين التي شهدت تظاهرات يوم الجمعة في 20 سبتمبر/أيلول الحالي.

وتتفق مصادر سياسية وأمنية من داخل أجهزة النظام، تحدثت لـ"العربي الجديد"، على مدار الأسبوع الحالي، على أنّ الشرطة ليست، ولن تكون، محور الأحداث في الانتفاضة الشعبية الحالية ضدّ نظام السيسي. الأسباب المباشرة للتحركات الحالية لا تتعلق في المقام الأول بالقمع الأمني أو توسّع الدولة البوليسية كما كان الأمر عليه عام 2011، بل إنّ المشاركة الواسعة من طبقات وأعمار مختلفة في التظاهرات تعكس أن السبب الرئيسي المحرك للجماهير هو انهيار الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والفساد الممنهج الذي انكشف للرأي العام عن طريق مقاطع الفيديو التي بثها المقاول الممثل محمد علي هذا الشهر. كما أنّ تراجع الأحزاب والقوى السياسية بشكل لافت عن قيادة الحراك، يجعل بالضرورة الصدام مع الداخلية ليس على رأس أولويات المتظاهرين المعارضين.

كذلك، فإنّ الداخلية وإن كانت العدو التقليدي للقوى السياسية، إلا أنّ سوء إدارة المجال العام في عهد السيسي بواسطة دائرته الخاصة التي يقودها مدير المخابرات العامة عباس كامل ونجله محمود السيسي، يدفع بعض السياسيين للقول إنّ التعامل الأمني مع المجال السياسي والإعلامي في السنوات السابقة، خصوصاً خلال عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، كان أكثر تفهماً ومرونة، لا سيما إذا قورن بتعامل المخابرات العامة التي يديرها ضباط جيش ينحدرون من خلفيات منغلقة وتفتقر مسيرتهم لخبرات التعامل مع المجتمع المدني بشكل عام.

وهناك إشكال مؤسسي آخر داخل النظام يتمثل في أن السيسي اعتمد منذ صعوده للسلطة على الأجهزة السيادية والأمنية بصور متفاوتة، كان الجيش ثم المخابرات في صدارتها دائماً. أمّا الشرطة وأجهزتها المختلقة، وعلى رأسها الأمن الوطني، فكان ارتياب السيسي من تبعيتها ووفائها للنظام سبباً في إبعادها عن العديد من الملفات السياسية والإعلامية والاقتصادية. وأدى هذا الشعور إلى توسّع السيسي في إجراء تغييرات هيكلية على الأمن الوطني وغيره من الأجهزة الشرطية، استبعد على إثرها مئات الضباط من الخدمة أو خسروا مواقعهم القيادية، فضلاً عن أن من تبقّى منهم في القيادة بات، بحسب المصادر التي تحدّثت لـ"العربي الجديد"، يأتمر في العديد من تصرفاته بالخطوط العريضة التي يضعها أعوان عباس كامل ومحمود السيسي.

من هنا، ترى المصادر أنّ هذه المشاكل تتراكم لتعظّم إحساس الشرطة بعدم الاستعداد لدفع الثمن فداء نظام لا يتمحور حولها، وينعكس ذلك في استهانة بعض القيادات وتراخيها في التعامل مع بعض الأحداث، وآخرها الحفاظ على الخيط الرفيع بين "التخويف والبطش" في الحراك الشعبي الأخير.

لكن المصادر الأمنية تؤكّد أنّ اختلاف تعامل الشرطة في الأيام الأخيرة وتوسّعها في حملة الاعتقال والتشديد الأمني غير المسبوق في محيط الميادين، لم يكن وليد استفاقة النظام على عدم تأمين الشرطة له، بل هو من النتائج المباشرة لفشل دائرة السيسي ونجله تحديداً في إدارة المشهد يوم الجمعة الماضي.

وتقول المصادر إنّ السيسي لم يوافق على الطريقة التي أدارت بها المخابرات المشهد يوم الجمعة، وتحديداً في المحافظات، حيث كان من المتفق عليه ألا تتحرك الشرطة إلا بأوامرها، وأن يكون التعامل في محيط ميدان التحرير للشرطة فقط، ولكن من دون أن يبدأ بالحشد الكثيف لعناصر الأمن المركزي في الميدان، بحجة أن "تقديرات المخابرات تؤكد ضعف الاستجابة الشعبية لدعوات التظاهر".

وبناء على هذا الفشل، أصدر السيسي تعليماته من نيويورك إلى مستشاره للشؤون الأمنية، أحمد جمال الدين، ووزير الداخلية اللواء محمود توفيق، بعودة الاستراتيجية المتبعة منذ 2016 في التصدي للتظاهرات، وذلك بالاعتماد على الوجود الكثيف لقوات الأمن في الشوارع، وإقامة الكمائن الثابتة والمتحركة لاصطياد الشباب الأصغر سناً، وتفتيش المواطنين وهواتفهم، وهو الأمر المتبع حالياً في محيط ميدان التحرير في القاهرة وميدان الأربعين في السويس.

وتضيف المصادر أنه بعد سحب ملف التعامل الميداني مع المتظاهرين من الاستخبارات وإعادته إلى الشرطة من جديد، أصبحت الأخيرة تتعامل مع الوضع بصورة أكثر جدية. وقد أصدر وزير الداخلية أخيراً تعليمات جديدة بغلق المحال التجارية والمقاهي في محيط ميدان التحرير من مساء اليوم الخميس، بالإضافة إلى استمرار تسيير الدوريات الأمنية طوال اليوم في وسط القاهرة وعلى الطرق الرئيسية والمحاور المؤدية للطرق السريعة. هذا فضلاً عن ظهور مركبات جديدة للشرطة لم يتم استخدامها من قبل في عمليات التفتيش والمراقبة الميدانية، في ظلّ غياب كامل للجيش أو الشرطة العسكرية عن المشهد.

وتشير المصادر الأمنية إلى أنه على الرغم من المنافسة والعلاقة غير المرنة بين دائرة السيسي والشرطة، إلا أن غياب تفاعل الجيش أو أي من الشخصيات العسكرية البارزة، إيجابياً -حتى الآن- مع الحراك الشعبي، يصب في صالح رؤية وزير الداخلية وقيادات الأمن الوطني بأنّ دعم السيسي حالياً هو التصرّف الأمثل، ولكن مع الحفاظ على ضرورة عدم سفك الدماء، حتى لا تدفع الشرطة ثمن ذلك، كما أنّ التراخي لمصلحة دوائر أو شخصيات "مجهولة حتى الآن" سيرتب خسائر أخرى.

وتكشف المصادر أنّ الشرطة ستؤدي غداً الجمعة، دوراً حمائياً للتظاهرات التي ستخرج في ميدان رابعة العدوية (هشام بركات حالياً) وميادين أخرى لتأييد النظام، والتي دعا رسمياً بعض النواب إليها تأكيداً لما نشره "العربي الجديد" أمس، في حين أنها ستتواجد بأعداد قياسية في ميدان التحرير ومحيطه لمنع أي حشود من خارج الميدان وكذلك منع تكوين أي حشود داخله.

المساهمون