لن يصنع الليبيون ديكتاتوراً جديداً

05 ديسمبر 2019
الخلافات داخل صفوف مليشيات حفتر تهدّد حملته(محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
عند تفكيك مضمون الخطابات والمواقف السياسية، تبرز مسألة تغييب الوعي، في ظل تأجيج واضح للشعارات واستثارة العواطف. لكن خطابات التعبئة، التي يعمد إليها غالباً أمراء الحرب، سريعاً ما تنكشف بمرور الأيام، وهو الملاحظ في جبهة خليفة حفتر، التي لطالما دغدغت عواطف الناس ودفعتهم إلى تصديق شعارات الحرب على الإرهاب والمليشيات وسرقتها أموال الشعب الليبي. ومع تراجع شعارات الإرهاب في سردية أسباب حرب حفتر على طرابلس، إذ لم يكن من المعقول أن يُهجّر الآلاف ويقتل مثلهم ويروّع أكثر منهم لملاحقة بضعة أشخاص فارين من العدالة يمكن جلبهم بطرق أيسر وأسهل، بدا شعار محاربة المليشيات الأكثر تداولاً ودفعاً لمشاعر مؤيدي "عملية الكرامة" حتى وقت قريب، لتواجه هي الأخرى تراجعاً ملحوظاً.

وتكشف بيانات متلاحقة من زعامات قبلية من داخل ترهونة عن مواقف جديدة للانسحاب من صفوف حفتر، بعد أن انكشف سر مقتل قادتها الثلاثة، منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، وقبلها عودة عشرات المقاتلين من قبائل ورشفانة غرب طرابلس من جبهات القتال، بعد مقتل قائدهم مسعود الضاوي. ولم ترحب مدينة العجيلات، جنوب غرب طرابلس، أخيراً، بدخول وحدات من قوات حفتر إليها، بل تؤكد مصادر أهلية من داخلها وجود قناعة سائدة بأن حفتر اتبع سياسة تفريغ المدينة من مقاتليها قبل أن يأتي للسيطرة عليها، بعد أن زجّ بهم في أتون حرب طرابلس، تحت مسمى عسكري منحه لهم عُرف بـ"لواء العروبة".

القناعات التي بدأت تسود بعيداً عن الأضواء بين القيادات والزعامات القبلية، لقيت رواجاً أيضاً في شرق البلاد. فالتعليقات التي راجت على صفحات "فيسبوك" حول مسمى "الجيش الوطني"، بعد انكشاف فضيحة مرتزقة "فاغنر" (الروس) و"الجنجويد" (من السودان)، تكشف وعياً جديداً بدأ يظهر داخل صفوف قوات حفتر وبينها. ما لا يشاهده المتابع من الخارج، أن ثمة تهديداً حقيقياً يواجهه حفتر جنوب طرابلس، فليس حقيقياً أن صمود مقاتلي جيش حكومة الوفاق هو السبب الرئيس في انكسار حملته على طرابلس، بل إن الانشقاقات والخلافات المستعرة داخل صفوف مليشياته هي ما يهدد حملته بشكل رئيس.

ما يحدث بعيداً عن أضواء الإعلام، الذي يشكل نافذة للمتابع من الخارج للشأن الليبي، يشير إلى وعي جديد بدأ في التشكل لا يخدم مصلحة حفتر، فـ"قافلة السلام" التي تذهب للمصالحة بين التبو والطوارق، أبرز خصمين سخّرهما حفتر لحروبه في الجنوب، و"لمة الأجواد" في غرب البلاد للدعوة إلى المصالحة بين المدن والقبائل، والاستعدادات التي تجري لعودة المهجرين بالخارج إلى مناطقهم، تحمل رسالة ضمنية تقول إنها لن تسمح بأن تكون خزاناً بشرياً مجدداً لحروب حفتر، وأن شعاراته لن تجد سوقاً بينها.
المساهمون