قلق ألماني على أوروبا: كيف ترى برلين نهاية أزمة "بريكست"؟

29 مارس 2019
حذرت ميركل من "بريكست" بلا اتفاق (عبد الحميد هوسباس/الأناضول)
+ الخط -
بعد قرابة ثلاث سنوات على استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لا يزال الهدف الحقيقي لمحتوى "بريكست" أو جدوله الزمني غير واضح، بعدما كان موعد المغادرة مقرراً، في 29 مارس/آذار 2019، أي اليوم الجمعة.

وتشهد بريطانيا نقطة تحول في مسار الديمقراطية، بعد الخطأ الأكبر الذي تمثّل بنقض النظام البرلماني عن طريق إجراء الاستفتاء، وما نتج عنه من أزمة زادت الأمور تعقيداً، وهو ما لم تتمكّن رئيسة الوزراء تيريزا ماي من تخطيه عبر تمرير اتفاقها في البرلمان البريطاني، وأدى إلى طرحها تقديم استقالتها، كما إلى قلق ألماني من هذه التداعيات على مستقبل التكتل.

ويدور نقاش في ألمانيا حالياً، عن أنّ الوضع المأزوم الذي تعيشه لندن، قد يدمّر كل الإنجازات والإصلاحات التي حققتها المملكة منذ ثمانينيات القرن الماضي، فضلاً عن التأثير البارز الذي اكتسبه الاتحاد الأوروبي وبريطانيا كمركز رئيسي لأوروبا في ظل العولمة، لا سيما في ظل التحديات الكارثية التي تتكشف في الجزيرة.

وبعدما فشل الاتحاد الأوروبي في خلق الفرص المفيدة لمشاركة المواطن، إذ وبدلاً من حمايته من آثار العولمة تحوّل الاتحاد إلى أداة للعولمة، يبدو الطلاق مع بريطانيا ليس بالأمر السهل، لأنّ علاقات الدول ترتكز على المصالح وليس الصداقات، بينما هناك أكثر من عشرين ألفاً من اللوائح المشتركة يجب تفكيكها، وهذا لن يحصل من دون آثار جانبية على المواطنين والشركات.

وفي هذا الإطار، يدور التوجّه الألماني في فلك دعم ورعاية الاتحاد الأوروبي، الساعي أساساً إلى مؤازرة بريطانيا، وعدم تركها لمصيرها أمام هذا المأزق، انطلاقاً من العواقب الوخيمة التي سترخي بظلالها على باقي الدول الـ27 في الاتحاد.

ولعل برلين تتمسك أكثر بهذا التوجه، قبيل انتخابات برلمانية أوروبية مرتقبة في 23 مايو/أيار المقبل، يعد اليمين المتطرف والشعبوي خلالها العدة لمواجهة الأحزاب التقليدية واقتناص حصة دسمة في أروقة البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، رغبة بالتحكم بقرارات قد تهدّد مصلحة أكثر من 500 مليون مواطن أوروبي.

وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، قد شددت رداً على سؤال بشأن تأجيل موعد "بريكست"، على ضرورة مراعاة تاريخ انتخابات البرلمان الأوروبي. وأعربت عن قناعتها بضرورة خروج بريطانيا عبر اتفاق، مشيرة إلى أنّ "ذلك لا يصب في مصلحة بريطانيا فحسب، بل لصالح ألمانيا والدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي".

في المقابل، تواجه بروكسل تحديات لعل أبرزها البحث في أوجه القصور لمعالجة التغيرات والمخاطر الكبرى، مع ما يشهده العالم في زمن العولمة من الثورة الرقمية وقضايا تخص الهجرة والتقاعد والعدالة الاجتماعية والهجرة والتعليم، بعدما بدا أنّ الديماغوجيين يزدادون سوءاً كما اتضح بعد استفتاء "بريكست"، ووصول يمينيي الشعبويين إلى الحكم في دول أوروبية، مثل ماتيو سالفيني في إيطاليا، والتي بدأت في فترة الركود توالي التنين الصيني في مشروع طريق الحرير.


وفي هذا الإطار، يشدد خبراء في علم السياسة والاقتصاد، على أهمية أن تكرّس دول الاتحاد اهتماماتها لاستعادة ثقة المواطن، كي تتفرغ لمواجهة التهديدات الاقتصادية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، والابتكار الصيني، والتلاعب في الحقائق والأخبار الكاذبة من الروس، ما سيمهد لاستعادة السيادة وإعادة توجيه الأمن.

ويحذر هؤلاء من أنّ الواقعية السياسية لن تبقى قائمة ولن تبرز مقوماتها، إلا إذا تحوّل الأوروبيون إلى صناع قرار، ولم يلجؤوا إلى الهروب من خياراتهم للحاق بركب الآخرين.

في المقابل، يرى خبراء في الشؤون الاستراتيجية الأوروبية، أنّ من حسنات "بريكست" أنّه أقنع العديد من الجماعات المناهضة لأوروبا، بخطورة الانزلاق إلى هذا النوع من الاستفتاءات، لما لها من خسائر اقتصادية وثقافية واجتماعية وتعليمية وسياسية، ستنسحب على ملفات التكامل بين مكونات المجتمع الأوروبي.

من جهة أخرى، يعتبر محللون أنّ أوروبا ليست هي من تسبّب الهزيمة للدول، لكن الأزمات داخل الدول نفسها هي التي تهدد أوروبا، ولذلك يجب إعطاء الأولوية لتفكيك فساد الديمقراطية الناجم عن زعزعة استقرار الطبقة الوسطى، في وقت فقدت فيه الطبقة السياسية إحساسها الكامل بالمصلحة الوطنية.

هكذا أصبح البريطانيون وحدهم من يستطيعون إعادة اكتشاف هذه المأساة التي يبدو أن لا نهاية لها، إلا من خلال العودة إلى روح المسؤولية والاستعداد للتسوية، وفق المحللين.

كما يشدد هؤلاء على ضرورة الحديث والعمل على تكامل أوروبي، بعدما بات المشروع بأكمله مهدداً بعض الشيء، فضلاً عن ضرورة العمل على إجراء إصلاحات أساسية، لأنّه من غير اللائق، بحسب قولهم، حث البريطانيين على العودة عن الخروج من الاتحاد، دون اقتراح إصلاحات بعيدة المدى للتكتل الأوروبي، وهو ما يتجاهله القادة الأوروبيون.

ما المخرج لـ"بريكست"؟

وفي هذا السياق، يقترح جان زيلونكا أستاذ السياسة الأوروبية، وصاحب كتاب "الثورة المضادة – تراجع أوروبا الليبرالية"، في مقال بصحيفة "دي تسايت" الأسبوعية الألمانية، اليوم الجمعة، القيام بأمرين خلال الأشهر المقبلة؛ هما إيقاف ساعة جدول أعمال "بريكست"، والتوجه لإرسال رسالة تغيير من خلال الحملة الانتخابية للانتخابات الأوروبية.

ورأى زيلونكا أنّ "على البريطانيين تعليق المادة 50 من معاهدة لشبونة لمنعهم من الخروج من الاتحاد دون اتفاق، لما لذلك من عواقب مدمرة عليهم وعلى باقي الدول الأوروبية، وكمجرد وسيلة مؤقتة لكسب وقت ثمين لجدول أعمال إصلاحي جدي".

واعتبر أنّه "في حال قبول هذا الأمر من الزعماء الأوروبيين، سيكون اعترافاً مهماً بأنّهم يريدون البقاء في قارب واحد وتشارك المسؤولية حول مستقبل القارة"، مشدداً على أنّ "رؤية جديدة وشجاعة ومتكافئة لأوروبا يمكن أن تساعد القادة الليبراليين على النجاة من تمدّد اليمين الشعبوي في الانتخابات الأوروبية المقبلة، ما قد يغري البريطانيين للبقاء في الاتحاد الأوروبي، لأنّ الجميع يستحق أوروبا التي تعمل لمعظم مواطنيها على أن تكون كلمة التضامن هي الأساس، وليس مجرد النمو والمنافسة وعامل القوة".

وأقرّ الاتحاد الأوروبي، الأسبوع الماضي، قراراً قضى بأن يكون موعد 22 مايو/أيار موعد "بريكست" الجديد في حال وجود اتفاق، و12 إبريل/نيسان المقبل، المهلة النهائية للحكومة البريطانية للتقدم بخطة بديلة في حال عدم وجود اتفاق، وإلا سيتم خروج بريطانيا من دون اتفاق.


وتكافح ألمانيا أقوى اقتصادات القارة الأوروبية، من أجل تحقيق زيادة النمو في ظل الخوف من انهيار النظم الاجتماعية، وبعدما باتت بروكسل تستمع إلى جماعات الضغط وليس لمواطنيها العاديين من دون الاكتراث أو التعامل المجدي فيما خص الهجرة والسياسات الخارجية، وتفشي النزاعات بين الدول المدينة والدائنة والمصدرة والمستوردة، في ظل الشعور بالقلق من روسيا والخطر البشري الداهم الذي يتهدد القارة من مواطني شمال أفريقيا، حيث الجماعات تتحضر للعبور إلى أوروبا المريضة أساساً.