أثمان باهظة تنتظر السعودية بسبب جريمة خاشقجي

12 أكتوبر 2018
وقفة أمام السفارة السعودية بواشنطن للمطالبة بكشف مصير خاشقجي(Getty)
+ الخط -

بات في حكم المؤكد أن فرض عقوبات أميركية على السعودية فور اكتمال كشف ملابسات جريمة خطف أو قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي عقب دخوله إلى القنصلية السعودية في إسطنبول مسألة وقت لا أكثر. ويرجح أن لا تستثني العقوبات بيع الأسلحة للسعودية بعد بروز العديد من الدعوات الأميركية، تحديداً من قبل أعضاء بارزين في الكونغرس جمهوريين وديمقراطيين، لوقف الصفقات مع السعودية.

ولم يستطع الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاهل هذه الدعوات ما اضطره إلى القول إنه يتعين معرفة ما حدث لخاشقجي "قبل مناقشة مسألة صفقات السلاح"، واصفاً التراجع عن بيع الأسلحة للسعوديين بأنه "دواء بالغ المرارة ليتجرعه بلدنا". وأضاف في مكالمة هاتفية مع برنامج "فوكس نيوز نايت" الأميركية، أمس الخميس، أعتقد أن ذلك (وقف بيع الأسلحة) سيؤذينا، لدينا وظائف، ولدينا الكثير من الأمور التي تحدث في الولايات المتحدة، لدينا بلاد من المحتمل أن تكون أفضل من الناحية الاقتصادية مقارنًة بأي وقت مضى". وأشار إلى أنّ "النظام الدفاعي للولايات المتحدة الذي يتهافت عليه الجميع" جزء من اقتصاد البلاد، ومن الصعب جداً اتخاذ قرار بوقف بيع الأسلحة.

وبحسب بعض التقديرات، بلغ حجم صادرات السلاح الأميركي إلى السعودية خلال فترة 2015 - 2017 أكثر من 43 مليار دولار. وشملت الصادرات معدات وأسلحة عسكرية ومروحيات وسفنا حربية ودبابات آبرامز إضافة إلى طائرات حربية. وكان ترامب تفاخر خلال زيارته الأولى إلى السعودية في يناير/ كانون الثاني 2017، بتوقيع صفقة أسلحة قيمتها نحو 110 مليارات دولار. وعلى الرغم من التعهّدات السعودية بشراء الأسلحة بهذه المبالغ فإنها لم تصل إلى الرقم المنشود، إذ تبين أن الجزء الأكبر مما تم توقيعه خلال زيارة ترامب إلى السعودية مذكرات نوايا بمبيعات محتملة لأسلحة بقيمة 84.8 مليار دولار، تم عرضها على الحكومة السعودية خلال الزيارة.

لكن يبدو أن هذه الصفقات فضلاً عن عقود من العلاقات الأميركية السعودية الوثيقة، التي زادت تحت إشراف ترامب، باتت في خطر جراء جريمة خاشقجي وتورط النظام السعودي فيها، خصوصاً بعد توالي التصريحات لكبار أعضاء الكونغرس الأميركي.

وقبل أيام، قال السناتور الأميركي، راند بول وهو أحد منتقدي السعودية منذ فترة طويلة، إنه سيحاول فرض تصويت في مجلس الشيوخ على منع مبيعات الأسلحة الأميركية إلى السعودية، حسبما نقلت وكالة "أسوشييتد برس".

بدوره أوضح السناتور كريس ميرف، أن "الوقت ربما قد حان لكي تعيد الولايات المتحدة النظر في علاقتها مع السعودية إذا تبين أن خاشقجي قد تم استدراجه من قبل السعوديين".

ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك عند الحديث عن التداعيات المتوقعة للجريمة على السعودية. السناتور الجمهوري كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، سلّم بأنه إذا تأكدت مسؤولية السعودية عن اختفاء خاشقجي فإن ذلك قد يعقد الاستراتيجية الأميركية لاحتواء إيران في سعيها لكسب النفوذ في أنحاء الشرق الأوسط.

كما حذر السناتور الجمهوري لينزي غراهام، الذي لعب الغولف مع ترامب في عطلة الأسبوع الماضي، من أن "الثمن سيكون غالياً" إذا ثبتت مسؤولية السعودية عن اختفاء خاشقجي. وقال "إذا كانوا بهذه الصفاقة فهذا يظهر الازدراء. الازدراء لكل ما نمثله والازدراء للعلاقات. لا أريد أن أصدر حكما مسبقاً لكن إذا بلغت الأمور الحد الذي أخشى أن تصل إليه فسيقابل الازدراء بالازدراء".

من جهته، قال المسؤول السابق في إدارة أوباما، نيد برايس، إنه لا يتوقع "تحولاً استراتيجياً" في العلاقات الأميركية السعودية ما لم يرغم الكونغرس الإدارة على ذلك. وأضاف برايس "إذا تطورت الأمور بالشكل الذي قد تتطور به فسنشهد تغييرات تكتيكية مهمة لها مغزاها في العلاقات تكون السلطة التشريعية المحرك الرئيسي لها". وقال إن أعضاء الكونغرس قد يسحبون الأموال المخصصة لدعم وزارة الدفاع (البنتاغون) التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن ويطالبون بفرض عقوبات.

كذلك فإن ردود الفعل قد تشتد حدة إذا فاز الديمقراطيون، الذين كانوا في الصدارة في انتقاد الرياض، بالسيطرة على أحد مجلسي الكونغرس في الانتخابات التي تجري في السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

لكن بعض المحللين قالوا إنه سيتعين على الديمقراطيين أن يأخذوا في الاعتبار ضرورة التعاون السعودي في تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأميركية إن في ما يتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط في إشارة إلى ما يسمى بـ"صفقة القرن" التي تريد إدارة ترامب تمريرها على حساب الحقوق الفلسطينية، بالتعاون مع أطراف عربية عدة تتقدمها السعودية ومصر والإمارات، أو في ما يتعلق بإمدادات النفط ومبيعات نظم الدفاع الصاروخي.

إلا أن السناتور الجمهوري ماركو روبيو قال لوكالة رويترز "لنا مصلحة مشتركة في الحد من انتشار النفوذ الإيراني في المنطقة وسيتأثر هذا بذاك. لكن ثمة مسائل مثل حقوق الإنسان وأعراف الدبلوماسية العالمية التي تكون لها الأولوية على الدوام".

وفي السياق نفسه، نشرت وكالة رويترز، تحليلاً للصحافي ميسم بهرافيش، قال فيه إنه إذا ثبت تورط السعودية فإنه فسيكون لهذه الجريمة تداعيات كبيرة على السياسة في الشرق الأوسط. كما أن الجريمة، من وجهة نظره، ستجدد الانتقادات لبن سلمان الذي أشرف منذ توليه منصبه في يونيو/ حزيران عام 2017 على حملة تضييق على المعارضة شملت اعتقالات متكررة لقيادات دينية ومثقفين ونشطاء بالإضافة إلى أفراد الأسرة الحاكمة الذين ينتقدون تصرفاته.

وبرأيه فإنه في سياق التنافس الإيراني السعودي سيوفر ذلك ذخيرة سياسية لطهران، بعد أن بذلت الرياض قصارى جهدها لعزلها في المنطقة من احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري رهينة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 إلى إقامة تحالف ضمني مع إسرائيل ألد أعداء إيران.

كما لفت إلى أنه ستسنح للدوحة، التي تعرضت للحصار منذ يونيو/ حزيران 2017 "فرصة نادرة لتأكيد طيش السياسة الخارجية السعودية في ظل الأمير محمد بن سلمان". وخلص إلى القول "ربما لا تحل قط قضية خاشقجي المأساوية. غير أنه إذا كان قد تعرض بالفعل للقتل أو الاختطاف على أيدي أفراد على صلة بالحكومة السعودية فسيواجه الأمير محمد تداعيات تتجاوز كثيراً مملكته في الشرق الأوسط".

المساهمون