خطة إسرائيلية للتخلص من أحياء مقدسية وتكريس الاحتلال

القدس المحتلة

نضال محمد وتد

نضال محمد وتد
02 أكتوبر 2017
D7FDD829-C5F5-4B25-8F16-E84D8C8FB8D0
+ الخط -
تواصل السلطات الإسرائيلية السعي لضمان معادلة سحرية تبقي وتكرّس الاحتلال للقدس وعدم الانسحاب من شطرها الشرقي الذي احتل عام 1967، أو تفكيك أي من المستوطنات التي أقيمت على أراضٍ صودرت من أهالي القدس. ويكرر قادة إسرائيل من اليمين واليسار تصريحاتهم بأن القدس "الموحدة" ستبقى عاصمة أبدية لإسرائيل، وأن "السيادة" الإسرائيلية ستبقى مفروضة على المدينة، لا سيما في البلدة القديمة والمسجد الأقصى وحائط البراق.

وكانت حكومات الاحتلال قد سعت خلال فترات سابقة إلى محاولة تكريس الاحتلال عبر معادلة ما سمي بـ"مسار كلينتون"، في إشارة إلى مفاوضات السلام في عهد الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون، في تسعينيات القرن الماضي. وهذه المعادلة تقوم على أساس فرض سيادة إسرائيلية على ما هو يهودي وفلسطينية على ما هو عربي، مع إبقاء السيادة الإسرائيلية الكاملة على البلدة القديمة، بعد اختلاق مصطلح "الحوض المقدس". وطرحت هذه المعادلة من دون أي التفاتة إلى الوقائع الاستيطانية التي ثبتها الاحتلال على هيئة أحياء سكنية جديدة مثل راموت، ورمات أشكول، والتلة الفرنسية وغيلو. واعتبرت هذه الأحياء الاستيطانية جزءاً عادياً من القدس الغربية، وليست موضع خلاف أو مفاوضات.

لكن الديموغرافيا الفلسطينية التي تترجم اليوم بتعداد فلسطيني يصل إلى 330 ألف نسمة في أقل تقدير، بات يقلق الاحتلال خوفاً من واقع أو سيناريو مستقبلي يقرر فيه المقدسيون المشاركة في الانتخابات البلدية في المدينة والفوز فيها، أو على الأقل الوصول إلى وضع يكونون فيه الجهة التي تحدد هوية رئيس البلدية من جهة.

وكشفت صحيفة "معاريف هشفواع" في هذا السياق، أمس الأحد، عن أن عضوة الكنيست الكولنيل احتياط، عنات باركو، وهي من حزب "الليكود"، رفعت الأسبوع الماضي لرئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، خطة مفصلة، كانت قد طرحت فكرتها أول مرة قبل أربعة أشهر. وتقوم الخطة على أساس التخلّص من الأحياء والقرى الفلسطينية كثيفة السكان التي تم إلحاقها بمنطقة نفوذ بلدية القدس، عقب الاحتلال وابتلاع عشرات آلاف الدونمات منها، مثل قرى العيساوية وبيت حنينا وشعفاط ومخيم شعفاط وكفر عقب وجبل المكبر وبيت صفافا وصور باهر، وسلخها عن منطقة نفوذ القدس، وإعادة قسم منها لنفوذ وحكم السلطة الفلسطينية. كذلك تدعو الخطة إلى تغيير مسار الجدار الفاصل في بعض المواقع لإبقاء هذه القرى كلياً خارج "القدس الموحدة" والفصل كلياً بين العرب واليهود، بما يضمن مستقبلاً أغلبية يهودية، وهو ما يمكن أن يتم تصويره وتسويقه كانسحاب إسرائيلي، بحسب الخطة.

وكانت حكومات الاحتلال المتعاقبة قد استفادت من ضم أكثر من 20 قرية فلسطينية في محيط القدس وإلحاقها بمنطقة نفوذ بلدية القدس، مستغلةً ذلك لإقامة المستوطنات على أراضٍ صودرت من أهلها مثل مستوطنة نافيه يعقوف، وراموت، وبسجات زئيف، وغفعات زئيف، وهار أدار، وهار حوما.

ولعل الجديد الذي تكشفه صحيفة "معاريف هشفواع" هو قولها إن نتنياهو أعطى باركو ضوءاً أخضر لبلورة أفكارها في خطة متكاملة لطرحها عليه بشكل مكتمل، مع طرح حلول وتوصيات عملية لمختلف القضايا والمشاكل التي يمكن أن تنجم عن اعتماد الخطة. وبحسب الصحيفة فقد عرضت باركو، مع عدد من الاختصاصيين، مجدداً الأسبوع الماضي، خطتها النهائية على نتنياهو، مع إدراكها، بحسب الصحيفة، أن الخطة ستحظى بمعارضة جهات في "الليكود" ممن سيعتبرونها خطة لتقسيم المدينة.

ويتضح من التقرير أن الخطة الجديدة اعتمدت على تقارير خبراء من مختلف المجالات وفي مقدمتهم أستاذ إسرائيلي في الديموغرافيا، هو البروفيسور سيرجيو ديلا بروجلا، وأساتذة في الجغرافيا السياسية والتخطيط الحضري، لوضع حلول تخطيطية لإعادة صياغة الحدود الجديدة وملامح المدينة والمعابر بين مختلف أجزائها، من جسور وأنفاق.

ووفقاً للمعلومات التي تطرحها الخطة يتضح أنه مع الاحتلال عام 1967 بلغ عدد سكان المدينة في حدودها الأصلية (بشطريها الشرقي والغربي) قبل ضم القرى المجاورة لها، 267 ألف نسمة منهم 196 ألف يهودي و71 ألف فلسطيني. وكانت نسبة اليهود بعد الاحتلال 73 بالمائة. أما في ديسمبر/ كانون الأول 2016، فإن المعطيات الرسمية للاحتلال تشير إلى تراجع نسبة اليهود إلى 62 بالمائة، إذ يبلغ عددهم اليوم 550 ألف يهودي مقابل 332 ألف فلسطيني. وهذا ما يعني أن نسبة السكان اليهود في المدينة تضاعفت بـ180 بالمائة، فيما تضاعف عدد الفلسطينيين في المدينة بـ368 بالمائة، مع استمرار ارتفاع نسبة الزيادة الطبيعية عند العرب مقابل تراجع نسبة اليهود في المدينة سنوياً.

ووفقاً للتوقعات التي يضعها البروفيسور الإسرائيلي فإن نسبة اليهود في المدينة ستتراجع عام 2025 إلى 60 بالمائة ومن ثم إلى 58 بالمائة عام 2030، وبالتالي فإن انقلاب الموازين الديموغرافية في المدينة في وضعها الراهن هو مسألة وقت لا غير.

وتدّعي باركو التي وضعت الخطة، والمعروفة بمواقفها اليمينة المتطرفة، والتي لا تخلو من نزعات عنصرية، أنه لا يوجد سبب يجعل دولة الاحتلال تبقي على 330 ألف نسمة ضمن حدود بلدية القدس، يعتبرون أيضاً بمثابة "حجر رحى موضوع على عنق الدولة من كل النواحي بما فيها الاقتصادي والسياسي والأمني"، بحسب وصفها. وبالتالي فإن كل ما هو فلسطيني يجب أن يكون تحت مسؤولية فلسطينية، وما هو إسرائيلي ويهودي (ومسيحي أيضاً) تحت مسؤولية إسرائيل، بحسب الخطة.

ويشير تقرير الصحيفة إلى أن الخريطة التي وضعتها باركو، مع تخصيص لون لما هو فلسطيني وآخر لما هو إسرائيلي، ترسم صورة متداخلة وملتوية للتداخل بين الأحياء الفلسطينية وبين تلك الإسرائيلية، لكنها تبرز التخلص من التجمع الأكثر ازدحاماً عند الفلسطينيين مثل مخيم شعفاط وقرية كفر عقب وجبل المكبر وصور باهر. وتقترح الخطة في المرحلة الأولى تصنيف هذه المناطق كمناطق "ب"، تكون المسؤولية الأمنية فيها لإسرائيل والمدنية للسلطة الفلسطينية، على أن تنقل في المرحلة النهائية من تصنيف "ب" إلى تصنيف "أ" بمسؤولية فلسطينية كاملة. وتتطلب الخطة إجراء تغييرات وتعديلات داخل المدينة وعلى الجدار الفاصل الذي أقامه الاحتلال، وبناء أجزاء جديدة منه تترك قرى فلسطينية وراءه، ويضمن بقاء المستوطنات الإسرائيلية ضمن نطاق مدينة القدس.

وتقر باركو، واضعة الخطة، بأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها تجنب سيناريو نشوء دولة ثنائية القومية، وبالتالي فإن كل الاعتبارات الرئيسية التي سيتم الأخذ بها هي الاعتبارات الأمنية والسياسية، ما سيفضي، بحسب إعلانها، إلى وضع يمكن الفلسطينيين من الفوز بشبه دولة أو "دولة ناقصة" في حدود مؤقتة. وهذا هو التعبير الذي يكرره نتنياهو في العامين الأخيرين، معتمداً على آخر خطاب كان ألقاه، رئيس وزراء الاحتلال الراحل، إسحاق رابين، أمام الكنيست قبل اغتياله بنحو شهرين عام 1995، عندما أكد أن "اتفاق أوسلو" (1993) مع الفلسطينيين لن يفضي إلى دولة فلسطينية كاملة، بل إلى دولة منقوصة السيادة.
وتتحدث الخطة التي وضعتها باركو وأقر نتنياهو باستلامها وبأنها مطروحة أمامه، عن تشكيل وإقامة مديرية خاصة لتطبيق بنودها على أرض الواقع وتنفيذ عملية الفصل بين هذه القرى والأحياء وبين مدينة القدس الأم. كذلك تقترح في حالة الضرورة سن تشريعات قانونية أساسية لهذه الغاية.

وعلى الرغم من الإدلاء بتفاصيل عن الخطة إلا أن باركو ترفض كشف الخرائط بما قد يوحي بنوع من التوافق مع نتنياهو، واحتمال الدفع بالخطة في جولة المفاوضات المقبلة في حال إطلاق عملية سلمية. ومع ذلك، أقرت بأن الخطة، في حال اعتمادها، ستغيّر الواقع الديموغرافي في مدينة القدس كلياً لتصبح نسبة السكان اليهود، بمن فيهم المستوطنون، نحو 95 بالمائة مقابل 62 بالمائة حالياً.

يشار إلى أن أطرافاً أخرى في حزب "الليكود" تقترح حلولاً إضافية، منها اقتراح وزير المواصلات في حكومة الاحتلال، يسرايل كاتس، بسن قانون فرض السيادة الإسرائيلية على مستوطنة معاليه أدوميم واعتبارها جزءاً من القدس، وضم المستوطنات اليهودية شمالي القدس هي الأخرى لمنطقة نفوذ بلدية القدس ورفع نسبة السكان اليهود فيها. كما أن خطة باركو شبيهة إلى حد بعيد بخطة أعلن عنها قبل عدة أشهر الوزير الإسرائيلي السابق عن حزب "العمل"، حاييم رامون. وخطته تدعو إلى الانسحاب من القرى والأحياء الفلسطينية "البعيدة" عن مركز المدينة المحتلة، و"التخلص" من نحو 28 قرية فلسطينية بما يعزز قوة المفاوض الإسرائيلي في اتفاقيات الحل الدائم لجهة رفض الانسحاب من القدس الشرقية، وتقاسم نوع من السيادة في المسجد الأقصى والبلدة القديمة، وحتى أحياء رئيسية مثل الشيخ جراح ووادي الجوز والصوانة وسلوان وغيرها.

ذات صلة

الصورة
وزير خارجية المغرب بعد قمة النقب في إسرائيل، 28 مارس، 2022 (Getty)

سياسة

أفادت وسائل إعلام عبرية، بأن دولة الاحتلال الإسرائيلي تواصل بالتوازي مع حرب الإبادة التي تشنها على قطاع غزة، تعزيز علاقتها الأمنية مع المغرب.
الصورة
المشهد حول سجن "عوفر" قبيل ساعات من الإفراج عن أسرى بموجب صفق التبادل (العربي الجديد)

سياسة

دان نادي الأسير الفلسطيني، جريمة الإعدام الميداني التي نفّذها جيش الاحتلال بحق أربعة أسرى من غزة، مشيراً إلى أنها تشكّل جريمة حرب جديدة
الصورة
الحصص المائية للفلسطينيين منتهكة منذ النكبة (دافيد سيلفرمان/ Getty)

مجتمع

في موازاة الحرب الإسرائيلية على غزّة يفرض الاحتلال عقوبات جماعية على الضفة الغربية تشمل تقليص كميات المياه للمدن والبلدات والقرى الفلسطينية.
الصورة
دبابة إسرائيلية قرب حدود قطاع غزة، 19 يناير 2024 (Getty)

سياسة

ظهرت منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية، قبل نحو تسعة أشهر، تصريحات ومقاطع فيديو، لمسؤولين إسرائيليين وجنود أشارت إلى نيات الاستيطان في غزة.
المساهمون