سياسة إسرائيل أوروبياً: التعاون مع الدول على حساب "الاتحاد"

23 فبراير 2016
يهدف الاحتلال للحد من الدعم الأوروبي لفلسطين(ليون نائل/فرانس برس)
+ الخط -
تكشف السرعة التي تمكنت بها حكومة الاحتلال الإسرائيلي، أول من أمس (الإثنين)، من محاصرة وإزالة اللافتات الدعائية في محطات القطار البريطانية في لندن حول "أسبوع الأبرتهايد"، جانباً من السياسية الإسرائيلية بالتعاون مع الدول الأوروبية ومع أوروبا ككل، في مواجهة الحملات التي تنظمها حركة المقاطعة الدولية (بي دي أس) وفي مواجهة القرارات الجماعية التي يمكن أن تصدر عن مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

وقد تزامنت الضجة التي أثارتها إسرائيل، أول من أمس، على حملة الدعاية الخاصة بـ"أسبوع الأبرتهايد" في لندن، وتجاوب بلدية العاصمة البريطانية بسرعة كبيرة لإزالة هذه اللافتات من محطات القطارات في لندن، مع نشر ورقة تقدير موقف ودراسة لطبيعة العلاقات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي (وليس الدول الأوروبية) ومؤسساته الأوروبية، صدرت عن مركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب. الورقة وضعها السفير الإسرائيلي السباق لدى ألمانيا، شمعون شطاين، والذي شغل أيضاً منصب المسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية عن دول أوروبا الشرقية.
وتشير الورقة، بشكل لا يترك مجالاً للتأويل، إلى أن الإعلان الإسرائيلي في الثاني عشر من فبراير/شباط الحالي عن التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي لاستئناف الحوار بين الطرفين، بعد تعليقه من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هو بمثابة تراجع إسرائيلي و"نزول عن الشجرة التي تسلقها نتنياهو". وبحسب الورقة، جاءت الخطوة بعدما رسخت قناعة لدى نتنياهو أنّ الموقف الأوروبي من وسم منتجات المستوطنات غير قابل للتغيير، على الأقل داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي. وكان نتنياهو قد علّق الاتصالات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي في الشأن الفلسطيني، رداً على قرار الاتحاد الأوروبي بوسم منتجات المستوطنات الإسرائيلية، في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي.

وعلى الرغم من أنّ ورقة المركز الإسرائيلي تبين أن الموقف من المستوطنات ومن تأييد إقامة الدولة الفلسطيني هو الموقف الجامع والمشترك الآن لدى الدول الـ28 المشكلة للاتحاد الأوروبي وأنه موقف غير قابل للتغيير لاعتماده على قيم العدالة والقانون الدولي، وهو ما تتفق عليه دول الاتحاد، إلا أن الورقة تشير أيضاً إلى تباين جوهري في الموقف بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي وأن أي تجاهل له يعني تكراراً للأزمة. وتطالب إسرائيل الاتحاد الأوروبي بأن يغير من موقفه انطلاقاً من الادعاء الإسرائيلي أن القضية الفلسطينية لم تعد المسألة المركزية المقرِرة حتى في الاستقرار الإقليمي للشرق الأوسط، وبالتالي على الاتحاد الأوروبي أن يركّز نشاطه وجهده في النزاعات والصراعات التي تلقي بظلالها وتؤثر في استقرار المنطقة وفي ضمان أمن أوروبا. في المقابل، يصرّ الاتحاد الأوروبي على أهمية حل القضية الفلسطينية من خلال فكرة وحل الدولتين كعامل ضامن للاستقرار والأمن.
لكن اللافت في ورقة تقدير الموقف الإشارة إلى تصريح لنتنياهو، يمكن عملياً، أن يعكس ويشرح سياسته الأوروبية الجديدة. يقرّ شطاين في ورقته أن نتنياهو يصدق القول عندما يتحدث عن أن "مشكلة إسرائيل ليست مع دول الاتحاد الأوروبي كدول مستقلة، أي كل دولة بمفردها، وإنما هي مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي الجامعة، مثل البرلمان الأوروبي وآليات الاتحاد الأوروبي التي لا تنتظر دائماً قرار الدول الأوروبية ذات السيادة وتعكسها عبر مندوبي هذه الدول في مؤسسات الاتحاد بل تسعى من خلال المبادرة الذاتية لهذه المؤسسات لاتخاذ قرارات ووضع سياسيات، كما في حالة وسم منتجات المستوطنات، بشكل مستقل عن قرار الدول السيادية نفسها.

اقرأ أيضاً: جامعات ومنظمات بريطانية تشارك في "أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي"

هذا القول يعكس ويشرح حقيقة اتجاه نتنياهو وحكومته إلى اعتماد سياسة أوروبية تنتقد خطوات الاتحاد الأوروبي كمؤسسة جامعة تقيد وتفرض قيود على سياسات الدول الأوروبية وتنتقل إلى تجاوز هذه المؤسسات والعودة لبناء وترسيخ التعامل الثنائي بين إسرائيل وبين الدول الأوروبية كل على انفراد، وبناء تحالفات ثنائية تضمن، في نهاية المطاف، وجود جيوب أوروبية موالية لإسرائيل داخل مؤسسات الاتحاد، كما تجلى ذلك في اجتماع مجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي في بروكسل. يومها تمكن مندوب اليونان من الاعتراض على نص بشأن الفصل كلياً بين إسرائيل وبين الضفة الغربية المحتلة واعتبار المستوطنات خارج أي اتفاق بين الاتحاد وبين إسرائيل ولا يسري على المستوطنات. واستطاعت إسرائيل بعد ذلك، وخلال هذه المداولات، في يناير/كانون الثاني الماضي، من استغلال دستور الاتحاد الأوروبي الذي يصرّ على وجوب اتخاذ القرارات بالإجماع، من أجل تجنيد كل من مندوبي رومانيا وبلغاريا وبولندا أيضاً إلى صالح الموقف اليوناني واستصدار نص مخفف اللهجة. وتطور الأمر لاحقاً عندما نُشر أن الاتحاد الأوروبي يشك في قيام المندوب اليوناني بتسريب مسودة القرار للحكومة الإسرائيلية.
لكن هذا المثال ليس الوحيد، فقد تمكن نتنياهو خلال الأسبوعين الماضيين أيضاً، بالإضافة إلى بناء الحلف الإقليمي الجديد بين الاحتلال وبين كل من اليونان وقبرص، أن يتوج محوراً جديداً مع ألمانيا لمواجهة المبادرة الفرنسية التي كان قد أعلن عنها وزير الخارجية الفرنسي السابق لوران فابيوس نهاية العام الماضي، وقامت باريس بإطلاع إسرائيل على تفاصيلها الأسبوع الماضي. ووصف نتنياهو، خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع أنغلا ميركل، المبادرة بأنها "غريبة"، فيما أعلنت ميركل في المؤتمر نفسه أنه ليس هذا "أوان حل الدولتين".
ويعني تصريح نتنياهو وتحركه في أوروبا ضمن هذا السياق أن إسرائيل تتجه عملياً إلى تعزيز العلاقات الثنائية وتوظيف العلاقات الثنائية مع حكومات كل دولة على غرار عقد جلسات مشتركة للحكومات الإسرائيلية والألمانية. وسبق ذلك قبل عامين تقريباً عقد جلسة مشتركة للحكومتين الإسرائيلية والبولندية، وكذلك الحال مع اليونان

كما لا تخفي إسرائيل، في ظل السياسة الخارجية لها تجاه أوروبا في السنوات الأخيرة، نشاطها اللافت والمميز في دول الكتلة الأوروبية الشرقية السابقة، وحاجة هذه الدول حتى بعد انضمامها للاتحاد الأوروبي، مثل رومانيا، وبولندا، وبلغاريا، والتشيك، إلى الاستثمارات الأجنبية. وقد كانت إسرائيل من الدول الأولى التي سارعت في تسعينيات القرن الماضي، وبعد انهيار الكتلة الشرقية، لدخول هذه الدول وتعزيز نشاطها الاقتصادي والتبادل السياحي والأمني معها، وبالتالي استمالتها إلى جانب المواقف الإسرائيلية التقليدية.
واستغلت إسرائيل في العقد الأخير أيضاً حقيقة تراجع وسقوط أحزاب العمال واليسار الأوروبية من الحكم، وعودة اليمين الأوروبي إلى الحكم، كما في حالة بريطانيا وألمانيا وحتى النمسا، في تعاملها مع دول أوروبا الغربية. في موازاة استغلت، في علاقاتها مع الدول الشرقية، نفور شعوب هذه الدول من كل ما يمكن أن يذكرها بأيام حلف وراسو والهيمنة السوفيتية، بما فيها السياسة الخارجية تجاه إسرائيل.
إلى ذلك، لا يغيب الخط السياسي الذي كرّسته الخارجية الإسرائيلية في العقد الأخير بالانفتاح على محاور سياسية جديدة، مثل تعميق العلاقات الإسرائيلية مع دول أميركا اللاتينية، ودول شرق جنوب آسيا، كالهند والصين وحتى تايلند ككتل سياسية بديلة لكتلة الاتحاد الأوروبي وكسوق بديلة في حال تدهورت العلاقات مع الاتحاد الأوروبي لدرجة فرض مقاطعة على البضائع الإسرائيلية ومحاولة محاصرة إسرائيل سياسياً ودبلوماسياً.

اقرأ أيضاً: شكوك حول تجسس اليونان على الاتحاد الأوروبي لصالح إسرائيل

المساهمون