العراق: انتفاضة ضد "سانت ليغو المعدل"

05 اغسطس 2017
أجريت انتخابات 2014 بقانون معدّل (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
للمرة الثانية على التوالي، يفشل البرلمان العراقي في تمرير قانون الانتخابات بجميع فقراته، بسبب خلافات حادة بين أعضائه على طريقة احتساب الأصوات الانتخابية بين الكتل والقوائم المتنافسة في البلاد، والتي اعتمدت على ما يُعرف بقانون "سانت ليغو"، الذي أُخضع لتعديلات من قبل الأحزاب المتنفذة في البلاد، وُصفت بأنها "تلاعب" في أصوات الناخبين لصالح أحزاب كبيرة، تملك القدرة على التنافس في أكثر من دائرة انتخابية في المحافظة أو المدينة الواحدة.

ويوم الخميس، أجّل البرلمان العراقي في جلسته البتّ حتى اليوم السبت، بالطعون المقدمة من قبل كتل سياسية صغيرة وأعضاء في البرلمان، طالبوا بإلغاء الفقرة الخاصة بطريقة احتساب أصوات الناخبين بالانتخابات. وأفاد بيان للبرلمان بأنه "من المقرّر أن تعاد مناقشة الفقرة اليوم السبت".

وفي موازاة ذلك، أطلق ناشطون عراقيون خلال الساعات الماضية حملة واسعة بعنوان "لا تسرق صوتي"، على مواقع التواصل الاجتماعي، وامتدت إلى مقاهي بغداد ومنتدياتها لتوعية المواطنين على ما وصفوه "خطورة هذا القانون". كما ظهرت صور لمواطنين وهم يحرقون بطاقاتهم الانتخابية على مواقع التواصل الاجتماعي احتجاجاً على القانون.

وقانون "سانت ليغو" المعدّل، حوّل القاسم الانتخابي إلى (1.9) بينما في القانون الأصلي هو (1.4)، بما معناه أنه في حال تنافست ثلاثة أحزاب في دائرة انتخابية واحدة، تكون أصوات الحزب الأقل في هذه الدائرة خارج التنافس وتذهب أصواته للحزب الأكبر أو الكتلة الأكبر. مع العلم أن العراق استخدم آلية "سانت ليغو" الأصلية، أي القاسم الانتخابي (1.4) في انتخابات مجالس المحافظات عام 2013، وحقق نوعاً من العدالة النسبية، بعد أن أتاح فرصاً للأحزاب الصغيرة للوصول إلى الحكومات المحلية حينها، قبل أن تتدارك القوى السياسية المتنفذة هذا القانون في انتخابات البرلمان عام 2014 حين غيّرت الآلية لتصبح (1.6) والتي صبّت في صالح الأحزاب الكبيرة، المسمّاة في العراق "حيتان العملية السياسية".

كما دفعت الكتل والأحزاب السياسية الكبيرة في البلاد إلى إقرار القانون بطريقته الحالية، وأبرزها "الدعوة" و"الحزب الإسلامي" و"التحالف الكردستاني" و"المجلس الأعلى" و"الفضيلة والوفاق"، بينما عارضت الكتل والأحزاب المتوسطة أو الصغيرة ذلك يساندها التيار الصدري في ذلك. وصوّت البرلمان على 21 فقرة من القانون خلال الأيام الماضية من أصل 23 فقرة، وفقرة طريقة احتساب أصوات الناخبين هي الفقرة الخلافية التي اعتبرت "التفافاً على الديمقراطية بالبلاد".


في هذا السياق، رأى عضو البرلمان زاهر العبادي أن "البرلمان صوّت على فقرات محددة داخل قانون الانتخابات وما زالت فقرات أخرى بسبب خلافات حادة". وبيّن، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "بعض الفقرات الحالية تكرّس الدكتاتورية في العراق وتتجاوز حقوق الكتل الصغيرة وتبقي المشهد السياسي محصوراً بأحزاب معينة إلى ما لا نهاية". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد" أن "إصرار الكتل الكبيرة على تمرير فقرات قانون الانتخابات المعدل، تحديداً تلك المتعلقة بنظام سانت ليغو الأصلي، هو خطر كبير على العراق وخطوة غير مسبوقة".

من جانبه، اعتبر النائب المستقل علي شكري أن "نهاية العملية الديمقراطية في العراق كانت بقراءة النصّ الذي يشير إلى أن قانون القاسم الانتخابي (1.9)، لأن أي تعديل سيقتل أي كتلة أو حزب آخر غير تلك الموجودة حالياً، ويصادر أصوات ناخبين صوّتوا لحزب ما ويمنحها لحزب آخر. وهو مهزلة وهذا ما يفهم بالنهاية من هذا القانون".

وأشار إلى أنه "علينا الوقوف تجاه ما أصدره البرلمان والعودة إلى احتساب أصوات الناخبين بصيغة القانون الأصلي، باحتساب أصوات الدائرة الانتخابية الواحدة بطريقة عادلة". وأضاف أنه "من غير المنطقي أن يتم تهميش 49 في المائة من آراء النواب الذين تعالت أصواتهم لإنقاذ العملية الديمقراطية والسياسية في العراق". وتابع أنه "هناك تزايد في أعداد المعارضين وأتوقع وجود ردود أفعال شعبية قريبة، وأيضاً نحن كنواب ستكون لنا وقفة داخل أروقة مجلس النواب".

من جهته، اعتبر النائب علي الشيولي أن "بقاء الوجوه القديمة أبرز ما ينتجه التعديل"، مبيّناً في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الموضوع بمثابة انقلاب على الديمقراطية من قبل الكتل الكبيرة". وتوقع أن "يكون القانون في حال أقرّ عاملاً لمقاطعة المواطنين الانتخابات".

من جهته، أعرب نائب رئيس كتلة التيار الصدري، محمد هوري، في حديث لـ"العربي الجديد" عن اعتقاده بأن "الشارع العراقي سوف يسقط هذه الكتل الكبيرة، ونعوّل كثيراً على ثقافة الشارع العراقي، وفي حال لم يسمع البرلمان لصوت الشارع فأعتقد بأنه ستكون لنا كلمة بهذا الاتجاه". وكشف عن "جمع 80 توقيعاً داخل البرلمان للطعن بالقانون وإعادته من جديد، بما يتوافق مع الأسس الديمقراطية والحفاظ على أصوات الناخبين".

بدوره، قال مصدر في هيئة رئاسة البرلمان لـ"العربي الجديد" إنه "من المقرر أن يُعاد التصويت على فقرة طريقة احتساب أصوات الناخبين في القانون، رغم معارضة الكتل الكبيرة". وبيّن أن "القانون بمجمله يخدم الكتل الكبيرة في طريقة احتساب الأصوات، فالقانون الحالي لا يتعامل مع الأصوات التي يحصل عليها المرشح، بل على كل حزب وعدد مرشحيه"، كاشفاً عن "مطالبات للأمم المتحدة بالتدخل في هذا الموضوع قد يحولها لأزمة سياسية جديدة".

من جانبه، لفت عضو "التيار المدني العراقي" الذي يقترب من التحالف مع تيار مقتدى الصدر، جاسم الحلفي، إلى أنه "بدلاً من تعديل قانون الانتخابات كي يكون أكثر عدلاً من القانون السابق، جرى التصويت على عدد من فقراته ليكون ملائماً بشكل كامل لكتل المتنفذين. وهذا دليل على تشبثهم بكراسي السلطة التي كانت لهم بابا للثراء على حساب المال العام وهي اليوم إلى جانب ذلك باب للحصانة من الحساب على ما اقترفوه من فساد وهدر المال العام".

كما هدد الحزب الشيوعي العراقي بمقاطعة الانتخابات في حال تم تمرير القانون بصيغته الحالية. وقال عضو الحزب نهاد حسين لـ"العربي الجديد" إنه "خير للوطنيين واللادينيين العزوف عن المشاركة بالانتخابات من الاشتراك بجريمة سرقة أصوات الناخبين"، مبيّناً أن "الكتل التي تمسك بزمام السلطة اليوم شوهت الديمقراطية من خلال قانون غريب لم يعرف له تاريخ التجربة الديمقراطية في أي دولة مثيلاً".

المساهمون