ضوء أخضر من النجف لإقالة الحكومة.. والتظاهرات تتجدد في جنوب العراق وبغداد

29 نوفمبر 2019
الأزمة تراوح مكانها بالعراق (فرانس برس)
+ الخط -
جدد المرجع الديني العراقي، علي السيستاني، دعمه للاحتجاجات التي تشهدها العاصمة بغداد ومحافظات جنوبية، داعيا البرلمان إلى اتخاذ الإجراءات التي من شأنها وضع حلول سريعة للأزمة التي تضرب البلاد منذ نحو شهرين.

وعبر ممثل السيستاني في كربلاء، أحمد الصافي، خلال خطبة الجمعة، عن أسف المرجعية الدينية لسقوط ضحايا خلال الصدامات الأخيرة التي شهدها عدد من المدن العراقية، وما رافق ذلك من إراقة الكثير من الدماء، مبيناً أن المرجعية تجدد تأكيدها على حرمة الاعتداء على المتظاهرين السلميين ومنعهم من ممارسة حقهم في المطالبة بالإصلاح. كما دعا المتظاهرين إلى عدم السماح لأحد باستغلال التظاهرات السلمية للإضرار بممتلكات المواطنين والاعتداء على أصحابها.

وتابع "بالنظر إلى الظروف العصيبة التي يمر بها البلد، وما بدا من عجز واضح في تعامل الجهات المعنية مع مستجدات الشهرين الأخيرين بما يحفظ الحقوق ويحقن الدماء، فإنّ مجلس النواب، الذي انبثقت منه الحكومة الراهنة، مدعو إلى أن يعيد النظر في خياراته بهذا الشأن ويتصرف بما تمليه مصلحة العراق والمحافظة على دماء أبنائه، وتفادي انزلاقه إلى دوامة العنف والفوضى والخراب، كما أنه مدعو إلى الإسراع في إقرار حزمة التشريعات الانتخابية بما يكون مرضياً للشعب، تمهيداً لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تعبر نتائجها بصدق عن إرادة الشعب العراقي".

وحذر من أن "التسويف والمماطلة في سلوك هذا المسار، الذي هو المدخل المناسب لتجاوز الأزمة الراهنة بطريقة سلمية وحضارية تحت سقف الدستور، سيكلّف البلاد ثمناً باهظاً وسيندم عليه الجميع، مبينا أن لدى الأعداء أدواتهم التي يخططون من خلالها لتحقيق أهدافهم الخبيثة من نشر الفوضى والخراب والانجرار إلى الاقتتال الداخلي، ومن ثَمّ إعادة البلد إلى عصر الدكتاتورية المقيتة، فلا بد من أن يتعاون الجميع لتفويت الفرصة عليهم في ذلك".

وختم ممثل السيستاني قائلاً "للشعب أن يختار ما يرتأى أنه الأصلح لحاضره ومستقبله بلا وصاية لأحد عليه".

خطاب السيستاني اعتبر بمثابة ضوء أخضر من قبل النجف لسحب الثقة عن حكومة عادل عبد المهدي، بحسب مراقبين وسياسيين عراقيين.

وقال عضو في تحالف "سائرون"، وهو الجناح السياسي للتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، لـ"العربي الجديد"، إن "المرجعية ألقت الكرة بملعب البرلمان في إقالة الحكومة، وبالوقت نفسه أكدت عدم دعمها للحكومة ولا موافقتها على ما يعرف بوثيقة الاتفاق السياسي الموقعة بين الكتل الداعمة للحكومة"، مضيفا أن "إقالة الحكومة باتت مسألة وقت إن لم يستقل رئيس الوزراء بنفسه".

كما يعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، صلاح العزاوي، أن "السيستاني، الذي أصبح مطالبا أمام الشعب بموقف محدد، صعد من خطبته هذه الجمعة، وسحب كل أشكال الدعم عن الحكومة وترك للبرلمان أن يواجه الشارع بنفسه"، متسائلا إن كان الشارع سيكتفي بذلك وينهي التظاهرات أم أن إقالة الحكومة لا تكفي؟

وتوقع العزاوي، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أن يتسبب خطاب النجف الجديد بزيادة زخم التظاهرات، وأن يؤدي في الوقت ذاته إلى تفكيك التحالفات الداعمة للحكومة التي ستحاول ركوب الموجة السياسية الجديدة.

وبادر زعيم تحالف "النصر"، حيدر العبادي، بإعلان تأييده لخطبة المرجعية، داعيا البرلمان إلى عقد جلسة يوم غد السبت، لسحب الثقة عن الحكومة.

وقال العبادي في بيان صحافي، "نؤيد ما جاء بخطاب المرجعية، وندعو البرلمان لعقد جلسة خاصة غدا، لسحب الثقة عن الحكومة وتشكيل حكومة جديدة مستقلة، وإنجاز قانون انتخابي منصف، وتشكيل مفوضية انتخابات مستقلة لإجراء انتخابات حرة مبكرة ونزيهة بشراكة مع الأمم المتحدة".


وشدد على ضرورة "محاسبة الجناة والقتلة، وعلى سلمية التظاهرات لنيل أهدافها الوطنية، بعيدا عن المساس بالأرواح والممتلكات العامة والخاصة، وبضرورة التلاحم الوطني لضمان وحدة واستقرار البلاد، تجنبا للفوضى أو المجهول أو العودة لأزمنة الدكتاتوريات المستبدة".

كما دعا رئيس تيار "الحكمة"، عمار الحكيم، في بيان، البرلمان إلى "عقد اجتماع عاجل لتنفيذ الخطوات التي دعت إليها المرجعية الدينية العليا"، مشددا على "مواصلة اجتماعات البرلمان من دون انقطاع للانتهاء من إقرار قانون انتخابات منصف يعتمد الدوائر الفردية وقانون مفوضيتها بالتشاور مع بعثة الأمم المتحدة".


وحذر حزب "الدعوة"، من جهته من حرب أهلية، داعياً البرلمان إلى اختيار مرشح بديل لرئيس الحكومة يكون مقبولا من جميع الأطراف.

وقال الحزب في بيان له، إنه "حرصاً على ألا تتفاقم الأمور وتصل الى الحرب الأهلية والاقتتال الداخلي الذي نكاد نلمس بداياته، فإننا ندعو البرلمان إلى الانعقاد الفوري واتخاذ الخطوات الدستورية اللازمة لإيجاد البديل الحكومي الذي يلبي الطموح الوطني"، داعياً الكتل البرلمانية والقادة السياسيين إلى "تقديم مرشح بديل لمنصب رئيس الوزراء، يمتاز بالقوة والإخلاص والمهنية والنزاهة، يحوز على رضا الجميع ويؤيده الطيف السياسي والاجتماعي الواسع بغالبية مكوناته، ليشكل حكومة قوية تنهض بأعباء المرحلة وتستجيب لمتطلباتها".

في غضون ذلك، أطلقت الشرطة العراقية الرصاص الحي لتفريق مئات المتظاهرين الغاضبين الذين حاولوا اقتحام مبنى قيادة شرطة ذي قار، بعد مشاركتهم في تشييع عدد من قتلى تظاهرات الخميس.

كما توافد الآلاف إلى ساحات التظاهر في بغداد بعد ظهر الجمعة، للمشاركة في تظاهرات واسعة من المقرر أن تنطلق مساء اليوم.

وفي ميسان اغتال مسلحون مجهولون، الناشط المدني حيدر بدن اللامي، بعد خروجه من ساحة الاحتجاج، بينما تجمع الآلاف في مدن المحافظة للمشاركة بتظاهرات واسعة تطالب بالقصاص من مرتكبي المجازر ضد المتظاهرين، وإقالة الحكومة "الداعمة لجرائم القتل".

في السياق، عبر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، عن قلقه العميق بشأن استمرار استخدام الذخيرة ضد المتظاهرين في العراق، مؤكدا في بيان أن ذلك تسبب بارتفاع عدد الوفيات والإصابات خصوصا في محافظة ذي قار.

وحث جميع الجهات الفاعلة في العراق على الامتناع عن العنف، والدخول في حوار سلمي ذي معنى يهدف إلى تحقيق صالح العراق وشعبه.

وشدد على ضرورة التزام السلطات العراقية أقصى درجات ضبط النفس، وحماية أرواح المتظاهرين، واحترام الحق في حرية التعبير والتجمع، مطالبا بتحقيق سريع في جميع أعمال العنف، داعيا إلى حماية البعثات الدبلوماسية والممتلكات العامة والخاصة.

كما انتقد رئيس جبهة "الإنقاذ والتنمية"، النائب أسامة النجيفي، محاولات الحكومة والماسكين بالسلطة فتح باب الحرب الأهلية من أجل معالجة أزماتهم مع الشعب، مضيفا في تغريدة على "تويتر": "يفتحون باب الحرب الأهلية باعتماد الحل العسكري لمعالجة أزماتهم مع الشعب الثائر، ويورطون القوات الأمنية معهم في قضايا السياسة والأحزاب والقمع الشعبي".


وتابع "بئسا للسلطة التي تتلبس بعار القتل وقمع الشعب الثائر ضد الظلم والفساد"، موضحا أن الاحتجاجات السلمية قد تتحول إلى جيوش متصدية للهيجان الحكومي ضدهم، وهذا يعني ذهاب العراق نحو المجهول الذي كنا وما زلنا نحذر منه، بحسب قوله.

واعتبر القيادي في جبهة "الإنقاذ والتنمية"، أثيل النجيفي، أن ما يحدث في العراق تجاوز مرحلة القمع إلى الجنون، موضحا في منشور على "فيسبوك": "على الرغم من أنهم فعلوها من قبل في الحويجة، ولكن ما يحدث الآن تجاوز القمع إلى الجنون، والسلطة المجنونة تدق مسامير نعشها وتركض نحو الفوضى".

المساهمون