تونسيون يواجهون التهميش والبطالة بالابتكار

11 ابريل 2016
التطورالتكنولوجي فتح آفاق المشاريع الجديدة (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
"ابحث عن الحلقة المفقودة في كل قطاع في تونس" هذه هي وصفة نجاح المشاريع الخاصة الشبابية التونسية بالنسبة لمحمد الهويني. يدير هذا الشاب حالياً مكتباً للاستشارات الفلاحية. استطاع أن يضمن لمشروعه عشرات العاملين الدائمين من الفلاحين الراغبين في تطوير إنتاجهم وحمايته. يقول الهويني: "إن تطور القطاع الفلاحي على الصعيد التكنولوجي، والاعتماد المتزايد على الأدوية والأسمدة، إضافة إلى غياب تأطير حقيقي من وزارة الفلاحة، عوامل أثرت بشكل كبير على إنتاج الفلاحين. وهذه هي الحلقة المفقودة التي انطلق منها مشروعي الخاص، حيث يقدّم مختلف الاستشارات الفنية اللازمة للفلاحين في أي وقت وفي أي ظرف، بمدة لا تتجاوز 24 ساعة". ليختم: "منذ 4 سنوات، كنت مهندساً زراعياً عاطلاً عن العمل، أما اليوم، فيعمل في مشروعي 12 شاباً وشابة في جميع الاختصاصات ذات العلاقة بهذا القطاع".
إيناس العويني، مثال آخر على أحد المشاريع الشبابية الناجحة التي استطاعت أن تتكيف مع متطلبات السوق، التي خاضت مغامرة مثيرة عندما حسمت قرارها بإنهاء بطالتها والبدء بمشروعها الخاص. تدير اليوم مصنعاً صغيراً لإعادة تدوير الورق المقوّى في ضواحي العاصمة. تؤكد العويني أن نجاح الفكرة أتى عن طريق استغلال النقص الحاصل في السوق وتوفير خدمات تفرضها تطوراته. لتضيف: "إن إعادة تدوير الورق المقوى وتهيئته وطباعته حسب رغبة الزبون، لم يكن من النشاطات المعروفة في السوق، وكانت تتحملها المصانع الكبيرة فقط".
بدوره، لم يشذ مهندس الإلكترونيات فؤاد حسني عن رأي سابقيه، حيث يؤكد أن إقدام التونسي على استهلاك كل ما تجود به التكنولوجيا الحديثة كالهواتف والحواسيب والبرمجيات وغيرها، مثّل فرصة ذهبية له ولمئات الشباب لبعث مشاريعهم الخاصة المتمثلة في محلات الصيانة وإعادة البرمجة وإصلاح الهواتف والحواسيب ومختلف الأجهزة الإلكترونية.

يقول أستاذ التكوين المهني، بلال مغيري: "بدأ الشباب التونسي يقتنع بضرورة الأخذ بزمام المبادرة وعدم انتظار الفرج من القطاع العام أو الخاص على حد سواء، كما أن تطور الأنماط الاستهلاكية للمواطن التونسي وتوسع آفاق النشاط التجاري وفضاءاته، فتح مجالات جديدة لاستثمار طاقات هؤلاء الشباب المتحفز لتغيير واقعه الاقتصادي".

إذ لم تستطع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في تونس، أن تخفي الاستثناءات، حيث اندفع العديد من الشباب إلى خوض مغامرة إنشاء مشاريع خاصة. يقول الخبير الاقتصادي محمد ياسين السوسي: "أعلنت الدولة عجزها عن استيعاب المزيد من الشباب ضمن مؤسساتها، وهو ما يتضح جلياً في موازناتها المتتالية منذ 3 سنوات، والتي لم تتضمن رصد مخصصات للتوظيفات الجديدة. أما القطاع الخاص فيعاني بدوره من وضع صعب نتيجة الأزمات السياسية واضطراب الوضع الأمني وتراجع الإنتاج والاستهلاك. هذه الظروف دفعت عدداً من الشباب إلى الأخذ بزمام المبادرة وبعث مشاريعهم الخاصة للتخفيف من وطأة البطالة وتوفير مواطن رزق جديدة بعيداً عن المسالك التقليدية".

ويضيف السوسي: "بدأت المشاريع الشبابية الخاصة في جذب اهتمام عدد كبير من الشباب، حيث تتجاوز طلبات الدعم المقدمة إلى وزارة التشغيل أو بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة 2000 طلب شهرياً. هذا وقد تمكنت هذه الاستثمارات الصغيرة إن صح التعبير من توفير ما يناهز 700 فرصة عمل سنوياً. كما استطاع هؤلاء الشباب توفير متنفس للمناطق الداخلية الأكثر تهميشاً، حيث تتركز 63% من هذه المشاريع في تلك الأقاليم، كما أن 51% من أصحابها هم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً". أما بخصوص قدرتها على الصمود والاستمرار فيجيب السوسي "إن طبيعة هذه المشاريع غير المكلفة عموماً، وتمنح أصحابها القدرة على تطويرها وتكييفها وفق التغيرات التي تطرأ على السوق أو متطلبات المستهلك".
إلى ذلك، تشير إحصاءات مكاتب التشغيل التونسية إلى أن أكثر القطاعات الجاذبة للمشاريع الصغرى والمتوسطة هي الخدمات بدرجة أولى بنسبة 69%. أما القطاع الثاني الأكثر استقطاباً للشباب، فهو المشاريع الفلاحية الصغرى. على الرغم من دور هذه المشاريع في التخفيف من أعباء الدولة على صعيد التشغيل، وحصر الاحتقان الاجتماعي نتيجة تزايد البطالة، يؤكد أستاذ التكوين المهني بلال مغيري أنه بعد إيداع الملفات لدى الجهات الرسمية، على صاحب المشروع أن ينتظر بين السنة والسنتين قبل الحصول على الموافقة. والمستثمر الشاب يتحمل بمفرده المصاريف الأولية وهو ما يدفعه في أحيان كثيرة إلى اليأس. ويشير إلى أن نسبة قبول المشاريع لا تتجاوز 7% من إجمالي الطلبات المقدمة سنوياً.

المساهمون