في كل صباح يطل المواطن الغزي إبراهيم حمدان، من نافذة منزله القريب من الحدود المصرية مع قطاع غزة، وينظر إلى بركة الماء التي تشكلت أخيراً، بفعل استمرار ضخ السلطات المصرية مياه البحر المتوسط في المنطقة، وحين يجدها على حالها يتزايد شعوره بالقلق، إذ إنه مع تزايد وانتشار الماء، وزحفه نحو الشمال، فإن ذلك يعني له اضطراره للنزوح عن منزله.
خوف وقلق
بعد ظهور عشرات التشققات والانهيارات الترابية، وتشكل برك من المياه المالحة، وزحف المياه أكثر فأكثر نحو الشمال، نتيجة استمرار ضخ السلطات المصرية مياه البحر قرب مساكنهم، يعتري القلق الشديد سكان جنوب مدينة رفح الذين يبلغ عددهم 125 ألف نسمة (من إجمالي 250 ألف نسمة عدد سكان محافظة رفح ومخيماتها)، يلخص حمدان المعاناة قائلا لـ"العربي الجديد": منذ ضخت مصر المياه، وشاهدناها تخرج من الأرض على هيئة ينابيع، ونحن نخشى على منازلنا، التي قد نجبر على النزوح عنها".
غير بعيد عن منزل حمدان، وقف أشرف طه، يراقب بقعة مياه كبيرة، نتجت عن الضخ المصري، بينما يقول لـ"العربي الجديد" وهو يوصل أبناءه إلى المدرسة "إن الأوضاع الجديدة على الحدود فرضت عليه إجراءات احترازية، بحيث بات يمنع أطفاله من اللعب أو الوجود في بعض المناطق، كما يطلب منهم تجنب السير في أخرى، خوفا من وقوع انهيارات ترابية مفاجئة، تبتلع أحدهم".
تهديد جدي
كلفت بلدية رفح الفلسطينية لجنة طوارئ تضم عدة جهات رسمية، لمتابعة تطورات الخندق المائي، ومعالجة أية أضرار تنتج عن ضخ المياه، ويقول رئيس اللجنة المهندس أسامة أبو نقيرة، إن مصر بدأت بضخ المياه بصورة تجريبية في بعض المناطق على الحدود التي يبلغ طولها 13 كيلو مترا، منتصف أيلول/سبتمبر الماضي، ثم ما لبثت أن بدأت مرحلة الضخ الفعلي، وقد شملت أكثر من خمس نقاط على الحدود، من بينها حي آل قشطة ومنطقة مخيم البرازيل وقبالة مخيم يبنا.
وأكد أن استمرار وتسارع ضخ المياه جعل الأمور تتجه نحو الكارثة بسرعة، فثمة عشرات التشققات الترابية، وهناك انهيارات، بعضها بلغت مساحته أكثر من 100 متر مربع، والتشققات تزحف في اتجاه الشمال، أي نحو عمق المناطق السكنية.
وبين أبو نقيرة في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد": "أن خطر المياه المصرية يهدد نصف سكان مدينة رفح، ممن يقطنون في حزام بعمق كيلومتر واحد شمال الحدود"، وأوضح أن أكبر مشكلة تواجه لجنة الطوارئ هي ضعف الإمكانات لمواجهة هذه المخاطر، نظراً للحصار، فكل ما يمكن فعله حين يتم رصد تشققات أو انهيارات جديدة، هو استدعاء جرافات لردم الحفر، وإقامة سواتر ترابية فوق الأرض لمنع انتشار المياه.
وقدم رئيس اللجنة نبذة عن "الخندق المائي" قائلاً: وفق المعلومات المتوفرة، فإن الخندق المائي يتكون من أنابيب بدائرة قطرها 24 إنشا (قرابة 60 سم)، تبعد عن الشريط الحدودي نحو 100متر، وهي تغذي بركاً مائية مُلاصقة لممر الأنابيب من الجهة الشمالية (تجاه الحدود مع غزة) بطول وعرض متفاوت، من 5-10 أمتار، وبعمق مماثل، وداخل هذه البرك يتم حفر آبار حقن، لترشيح المياه بعمق يصل إلى20 مترًا أسفل الأرض.
خطر على المباني
المهندسة سمر أبو غالي، من قسم التخطيط الحضري في بلدية رفح، تابعت تأثيرات المياه على المباني وقالت لـ"العربي الجديد"، إن المياه المالحة التي تتغلغل في التربة خطر كبير على المباني القائمة، فالبلورات الملحية تتجمع حول قواعد المباني وتحدث فيها تشققات، لتصل الملوحة إلى الحديد داخل الخرسانة، ويؤدي ذلك إلى تشكل تكلسات على الحديد، تتسبب في تآكله بسرعة، وبالتالي يؤثر على المباني.
ووفق أبو غالي يظهر الضرر على شكل تشققات تبدأ من أسفل وتتجه للأعلى، ثم ينهار المبنى جزئيا أو كلياً، تبعاً للضرر الحاصل في القواعد. وأكدت أبو غالي أن المباني القديمة ومتواضعة الإنشاء هي الأكثر تضرراً، ولا يمكنها مقاومة ضرر الملوحة العالية، لذلك فمناطق جنوب رفح ومعظم مبانيها متواضعة وصغيرة، ستواجه أخطارا حقيقية في الفترة المقبلة، في حال استمر ضخ المياه على هذا النحو. وأوضحت أنه من الصعب توفير سبل وقاية من هذه الأضرار، إلا على صعيد المباني الحديثة، التي يمكن إضافة بعض المكونات للخرسانة، لتصبح مقاومة للملوحة، وهذا صعب وغير متوفر في ظل الحصار، وانعدام المواد في غزة.
مياه الشرب في خطر
الخطر الأكبر يهدد مياه الشرب، إذ يقول المهندس أبو نقيرة، إن المياه المالحة التي تضخ في الخندق المائي المصري، بدأت تنفذ للخزان الجوفي للمياه العذبة وتتسبب في تلويثه، ففي مدينة رفح هناك 20 بئر مياه عذبة، تمد نحو ربع مليون نسمة بحاجتهم من مياه الشرب، من بينها ست آبار تقع قرب المنطقة الحدودية مع مصر، أي ما نسبته 30% من مجموع الآبار.
وبين أبو نقيرة أن الجهات المعنية أجرت فحوصا ومقارنات على وضع المياه في ثلاث آبار من الستة، على عينات أخذت في شهر أكتوبر/تشرين الأول، وشهر نوفمبر/تشرين الثاني، وظهرت النتائج كارثية فالأملاح (الأجسام الصلبة)، ارتفعت بصورة كبيرة في مياه الآبار الثلاث المذكورة، ويعتقد بارتفاعها في الآبار الثلاث الأخرى، وقد نضطر لإغلاقها في حال استمر الأمر على حاله.
وحصل معد التحقيق على وثائق فحص مياه إحدى الآبار، ويتضح منها مدى زيادة الأملاح (الأجسام الصلبة)، بمعدل يصل إلى 20%، عما قبل الضخ خلال فترة لا تتجاوز 20 يوما فقط.
مخاطر على الزراعة
المهندس الزراعي أكرم أبو دقة، مدير مديرية زراعة رفح، حذر من أن لمياه البحر المالحة أثر كارثي ومدمر على التربة وقطاع الزراعة، وفي حال تشبعت التربة بها فستجف وتموت كل أنواع المزروعات فيها، ولن تصلح الأرض للزراعة من جديد. وقال أبو دقة لـ"العربي الجديد": "هناك مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، تمتد بمحاذاة الحدود مع مصر، خاصة قرب المعبر، وحي الجرادات وحي السلام، وجنوب دوار زعرب، ومعظم هذه المناطق شملها ضخ المياه المالحة.
واعتبر أبو دقة أن "الوصول لنتيجة قاطعة حول أثر الضخ على التربة في الوقت الحالي، بحاجة إلى تحليل التربة، عبر أخذ عينات منها على فترات زمنية تمتد عاما كاملا، لقياس المقارنات، ومعرفة نسبة الأملاح في التربة، وهو ما يحدث حالياً، لكن الأمر متعلق باستمرار ضخ المياه من عدمه، فلو استمر الضخ على هذا النحو، سيتم تدمير قطاع الزراعة كمرحلة أولى في مناطق جنوب رفح.
مساع بلا جدوى
عقب بدء عمليات الضخ وأضرارها الواضحة، تقدم عدد من نواب المجلس التشريعي الفلسطيني بورقة عمل حول القضية، من بينهم العضو القيادي في حركة حماس، وعضو المجلس يحيى موسى، والذي قال لـ"العربي الجديد": "قمنا بمخاطبة جامعة الدول العربية، وزعماء دول صديقة، وحتى مصر، من خلال جهاز المخابرات العامة، وشرحنا لهم خطورة هذا المشروع على مدينة رفح، ومناطق جنوب قطاع غزة، لكن للأسف لم نجد آذانا صاغية والمشروع متواصل".
وحمل النائب موسى، السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير جزءا من مسؤولية ما يحدث، قائلا "إذا كانت المنظمة هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، فمطلوب منها التحرك بفعالية وسرعة والضغط على مصر لوقف مشروعها، لكن المفاجأة كانت بتصريحات الرئيس محمود عباس بأنه هو صاحب فكرة المشروع، والقنوات العبرية الإسرائيلية، تغنت بدور مصر في حصار غزة، لذلك فـ "حماس"، تعتبر السلطة شريكة في حصار القطاع"، بحسب موسى.
غياب قوانين ملزمة
"لا توجد أي نصوص أو اتفاقات دولية يمكنها منع مصر من إقامة قناة على حدودها، أو ضخ مياه البحر، حتى لو أثر ذلك على الطرف الثاني من الحدود حيث قطاع غزة، خاصة مع عدم وجود اتفاقات حدودية ما بين مصر والسلطة الفلسطينية، كونها ما زالت تحت الاحتلال"، هذا ما قاله الحقوقي محمد أبو هاشم، المختص في القانون الدولي، في بداية حديثه مع "العربي الجديد". وقال: "إن ما يمكنه وقف مثل هذه المشروعات هو الضغط السياسي، وطالما أن فلسطين لا تمتلك أي قوة سياسية في مواجهة مصر، فلن تستطيع وقف هذا المشروع، إن أرادت ذلك أصلاً".
وأضاف أن مسألة حفر القناة أمر يخضع بشكل كامل للسيادة المصرية، ونظرية سيادة الدولة على إقليمها من النظريات المعتمدة في القانون الدولي، إلا أنه أكد أن حفر الخندق يعتبر تعديا على حق السكان المصريين والفلسطينيين على جانبي الحدود في بيئة سليمة وحقهم في السكن، ذلك أن الخندق المذكور سيؤثر على الزراعة ومياه الشرب في المنطقة، وهو يعد خرقا للاتفاقيات، لاسيما المادتين 11، 12 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وألمح أبو هاشم إلى أن هناك مشروع "قانون طبقات المياه الجوفية العابرة للحدود" قدم للجمعية العامة من قبل ممثل اليابان لاعتماده كاتفاقية، وأدرج فعلاً على جدول الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتضع هذه الاتفاقية التزاماً على الدول بعدم القيام بأي أفعال من شأنها التسبب في وقوع ضرر جسيم في طبقة المياه الجوفية لدولة أخرى، إلا أن هذه الاتفاقية لم تعتمد بعد وبالتالي لم تصبح جزءا من القانون الدولي، وحتى لو اعتمدت فإنها لن تكون ملزمة لمصر، إلا لو وقعت عليها أو أصبحت هي أو جزء من موادها من العرف الدولي".
خوف وقلق
بعد ظهور عشرات التشققات والانهيارات الترابية، وتشكل برك من المياه المالحة، وزحف المياه أكثر فأكثر نحو الشمال، نتيجة استمرار ضخ السلطات المصرية مياه البحر قرب مساكنهم، يعتري القلق الشديد سكان جنوب مدينة رفح الذين يبلغ عددهم 125 ألف نسمة (من إجمالي 250 ألف نسمة عدد سكان محافظة رفح ومخيماتها)، يلخص حمدان المعاناة قائلا لـ"العربي الجديد": منذ ضخت مصر المياه، وشاهدناها تخرج من الأرض على هيئة ينابيع، ونحن نخشى على منازلنا، التي قد نجبر على النزوح عنها".
غير بعيد عن منزل حمدان، وقف أشرف طه، يراقب بقعة مياه كبيرة، نتجت عن الضخ المصري، بينما يقول لـ"العربي الجديد" وهو يوصل أبناءه إلى المدرسة "إن الأوضاع الجديدة على الحدود فرضت عليه إجراءات احترازية، بحيث بات يمنع أطفاله من اللعب أو الوجود في بعض المناطق، كما يطلب منهم تجنب السير في أخرى، خوفا من وقوع انهيارات ترابية مفاجئة، تبتلع أحدهم".
تهديد جدي
كلفت بلدية رفح الفلسطينية لجنة طوارئ تضم عدة جهات رسمية، لمتابعة تطورات الخندق المائي، ومعالجة أية أضرار تنتج عن ضخ المياه، ويقول رئيس اللجنة المهندس أسامة أبو نقيرة، إن مصر بدأت بضخ المياه بصورة تجريبية في بعض المناطق على الحدود التي يبلغ طولها 13 كيلو مترا، منتصف أيلول/سبتمبر الماضي، ثم ما لبثت أن بدأت مرحلة الضخ الفعلي، وقد شملت أكثر من خمس نقاط على الحدود، من بينها حي آل قشطة ومنطقة مخيم البرازيل وقبالة مخيم يبنا.
وأكد أن استمرار وتسارع ضخ المياه جعل الأمور تتجه نحو الكارثة بسرعة، فثمة عشرات التشققات الترابية، وهناك انهيارات، بعضها بلغت مساحته أكثر من 100 متر مربع، والتشققات تزحف في اتجاه الشمال، أي نحو عمق المناطق السكنية.
وبين أبو نقيرة في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد": "أن خطر المياه المصرية يهدد نصف سكان مدينة رفح، ممن يقطنون في حزام بعمق كيلومتر واحد شمال الحدود"، وأوضح أن أكبر مشكلة تواجه لجنة الطوارئ هي ضعف الإمكانات لمواجهة هذه المخاطر، نظراً للحصار، فكل ما يمكن فعله حين يتم رصد تشققات أو انهيارات جديدة، هو استدعاء جرافات لردم الحفر، وإقامة سواتر ترابية فوق الأرض لمنع انتشار المياه.
وقدم رئيس اللجنة نبذة عن "الخندق المائي" قائلاً: وفق المعلومات المتوفرة، فإن الخندق المائي يتكون من أنابيب بدائرة قطرها 24 إنشا (قرابة 60 سم)، تبعد عن الشريط الحدودي نحو 100متر، وهي تغذي بركاً مائية مُلاصقة لممر الأنابيب من الجهة الشمالية (تجاه الحدود مع غزة) بطول وعرض متفاوت، من 5-10 أمتار، وبعمق مماثل، وداخل هذه البرك يتم حفر آبار حقن، لترشيح المياه بعمق يصل إلى20 مترًا أسفل الأرض.
خطر على المباني
المهندسة سمر أبو غالي، من قسم التخطيط الحضري في بلدية رفح، تابعت تأثيرات المياه على المباني وقالت لـ"العربي الجديد"، إن المياه المالحة التي تتغلغل في التربة خطر كبير على المباني القائمة، فالبلورات الملحية تتجمع حول قواعد المباني وتحدث فيها تشققات، لتصل الملوحة إلى الحديد داخل الخرسانة، ويؤدي ذلك إلى تشكل تكلسات على الحديد، تتسبب في تآكله بسرعة، وبالتالي يؤثر على المباني.
ووفق أبو غالي يظهر الضرر على شكل تشققات تبدأ من أسفل وتتجه للأعلى، ثم ينهار المبنى جزئيا أو كلياً، تبعاً للضرر الحاصل في القواعد. وأكدت أبو غالي أن المباني القديمة ومتواضعة الإنشاء هي الأكثر تضرراً، ولا يمكنها مقاومة ضرر الملوحة العالية، لذلك فمناطق جنوب رفح ومعظم مبانيها متواضعة وصغيرة، ستواجه أخطارا حقيقية في الفترة المقبلة، في حال استمر ضخ المياه على هذا النحو. وأوضحت أنه من الصعب توفير سبل وقاية من هذه الأضرار، إلا على صعيد المباني الحديثة، التي يمكن إضافة بعض المكونات للخرسانة، لتصبح مقاومة للملوحة، وهذا صعب وغير متوفر في ظل الحصار، وانعدام المواد في غزة.
مياه الشرب في خطر
الخطر الأكبر يهدد مياه الشرب، إذ يقول المهندس أبو نقيرة، إن المياه المالحة التي تضخ في الخندق المائي المصري، بدأت تنفذ للخزان الجوفي للمياه العذبة وتتسبب في تلويثه، ففي مدينة رفح هناك 20 بئر مياه عذبة، تمد نحو ربع مليون نسمة بحاجتهم من مياه الشرب، من بينها ست آبار تقع قرب المنطقة الحدودية مع مصر، أي ما نسبته 30% من مجموع الآبار.
وبين أبو نقيرة أن الجهات المعنية أجرت فحوصا ومقارنات على وضع المياه في ثلاث آبار من الستة، على عينات أخذت في شهر أكتوبر/تشرين الأول، وشهر نوفمبر/تشرين الثاني، وظهرت النتائج كارثية فالأملاح (الأجسام الصلبة)، ارتفعت بصورة كبيرة في مياه الآبار الثلاث المذكورة، ويعتقد بارتفاعها في الآبار الثلاث الأخرى، وقد نضطر لإغلاقها في حال استمر الأمر على حاله.
وحصل معد التحقيق على وثائق فحص مياه إحدى الآبار، ويتضح منها مدى زيادة الأملاح (الأجسام الصلبة)، بمعدل يصل إلى 20%، عما قبل الضخ خلال فترة لا تتجاوز 20 يوما فقط.
مخاطر على الزراعة
المهندس الزراعي أكرم أبو دقة، مدير مديرية زراعة رفح، حذر من أن لمياه البحر المالحة أثر كارثي ومدمر على التربة وقطاع الزراعة، وفي حال تشبعت التربة بها فستجف وتموت كل أنواع المزروعات فيها، ولن تصلح الأرض للزراعة من جديد. وقال أبو دقة لـ"العربي الجديد": "هناك مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، تمتد بمحاذاة الحدود مع مصر، خاصة قرب المعبر، وحي الجرادات وحي السلام، وجنوب دوار زعرب، ومعظم هذه المناطق شملها ضخ المياه المالحة.
واعتبر أبو دقة أن "الوصول لنتيجة قاطعة حول أثر الضخ على التربة في الوقت الحالي، بحاجة إلى تحليل التربة، عبر أخذ عينات منها على فترات زمنية تمتد عاما كاملا، لقياس المقارنات، ومعرفة نسبة الأملاح في التربة، وهو ما يحدث حالياً، لكن الأمر متعلق باستمرار ضخ المياه من عدمه، فلو استمر الضخ على هذا النحو، سيتم تدمير قطاع الزراعة كمرحلة أولى في مناطق جنوب رفح.
مساع بلا جدوى
عقب بدء عمليات الضخ وأضرارها الواضحة، تقدم عدد من نواب المجلس التشريعي الفلسطيني بورقة عمل حول القضية، من بينهم العضو القيادي في حركة حماس، وعضو المجلس يحيى موسى، والذي قال لـ"العربي الجديد": "قمنا بمخاطبة جامعة الدول العربية، وزعماء دول صديقة، وحتى مصر، من خلال جهاز المخابرات العامة، وشرحنا لهم خطورة هذا المشروع على مدينة رفح، ومناطق جنوب قطاع غزة، لكن للأسف لم نجد آذانا صاغية والمشروع متواصل".
وحمل النائب موسى، السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير جزءا من مسؤولية ما يحدث، قائلا "إذا كانت المنظمة هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، فمطلوب منها التحرك بفعالية وسرعة والضغط على مصر لوقف مشروعها، لكن المفاجأة كانت بتصريحات الرئيس محمود عباس بأنه هو صاحب فكرة المشروع، والقنوات العبرية الإسرائيلية، تغنت بدور مصر في حصار غزة، لذلك فـ "حماس"، تعتبر السلطة شريكة في حصار القطاع"، بحسب موسى.
غياب قوانين ملزمة
"لا توجد أي نصوص أو اتفاقات دولية يمكنها منع مصر من إقامة قناة على حدودها، أو ضخ مياه البحر، حتى لو أثر ذلك على الطرف الثاني من الحدود حيث قطاع غزة، خاصة مع عدم وجود اتفاقات حدودية ما بين مصر والسلطة الفلسطينية، كونها ما زالت تحت الاحتلال"، هذا ما قاله الحقوقي محمد أبو هاشم، المختص في القانون الدولي، في بداية حديثه مع "العربي الجديد". وقال: "إن ما يمكنه وقف مثل هذه المشروعات هو الضغط السياسي، وطالما أن فلسطين لا تمتلك أي قوة سياسية في مواجهة مصر، فلن تستطيع وقف هذا المشروع، إن أرادت ذلك أصلاً".
وأضاف أن مسألة حفر القناة أمر يخضع بشكل كامل للسيادة المصرية، ونظرية سيادة الدولة على إقليمها من النظريات المعتمدة في القانون الدولي، إلا أنه أكد أن حفر الخندق يعتبر تعديا على حق السكان المصريين والفلسطينيين على جانبي الحدود في بيئة سليمة وحقهم في السكن، ذلك أن الخندق المذكور سيؤثر على الزراعة ومياه الشرب في المنطقة، وهو يعد خرقا للاتفاقيات، لاسيما المادتين 11، 12 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وألمح أبو هاشم إلى أن هناك مشروع "قانون طبقات المياه الجوفية العابرة للحدود" قدم للجمعية العامة من قبل ممثل اليابان لاعتماده كاتفاقية، وأدرج فعلاً على جدول الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتضع هذه الاتفاقية التزاماً على الدول بعدم القيام بأي أفعال من شأنها التسبب في وقوع ضرر جسيم في طبقة المياه الجوفية لدولة أخرى، إلا أن هذه الاتفاقية لم تعتمد بعد وبالتالي لم تصبح جزءا من القانون الدولي، وحتى لو اعتمدت فإنها لن تكون ملزمة لمصر، إلا لو وقعت عليها أو أصبحت هي أو جزء من موادها من العرف الدولي".