حصاد الانتهاكات [2/2]... سخرة المهاجرين غير الشرعيين في إيطاليا

26 فبراير 2018
معركة نضالية ضد الاستغلال خاضها العمال البنغال في إيطاليا(Getty)
+ الخط -
عمل الثلاثيني الصومالي محمد علي دون أجر، في محل خاص بتقديم الخدمات الهاتفية والإنترنت للجالية الصومالية بالعاصمة الإيطالية روما، لمدة ثلاثة أشهر، تعرض خلالها لمختلف صنوف الاستغلال والسخرة، بعد ما خاض رحلة شاقة بدأت من مدينة هرجيسا الصومالية مرورا بجزيرة لامبيدوزا الإيطالية، قبل أن ينقله وسطاء تهريب صوماليون إلى روما ويحتجزوا جواز سفره تحت الرهن والتهديد، في انتظار دفع نفقات تهريبه إلى مدينة إيسبيرغ الواقعة جنوبي الدنمارك من قبل أقاربه المقيمين هناك بحسب ما رواه لـ"العربي الجديد" صديقه المختار الشيخ، وهو ما يعاقب عليه المشرع الإيطالي عبر قانون "النص الواحد حول الهجرة"، بحسب ما قاله الخبير في الشؤون القانونية للعمال المهاجرين والمكلف بسياسة الهجرة في أكبر نقابة عمالية بإيطاليا، الكونفدرالية العامة الإيطالية للعمال (تش تجي إلّي) في إقليم بييمونتي، عبد السلام الجوهري والذي أكد على أن القانون الإيطالي يعاقب على استغلال العمال المهاجرين، خصوصا "غير الشرعيين"، في ظروف عمل لا تحترم الكرامة الإنسانية، مضيفا: بسبب الظاهرة تم وضع آليات لمراقبة استغلال العمال المهاجرين مثل "بروتوكول" التفاهم 52/ 2009 الموقع بين مفوضية الشرطة بتورينو (عاصمة بييمونتي) وعدد من الهيئات المدنية والنقابية.

وتابع أن ممارسة الاحتفاظ بجواز سفر العامل، تعد مخالفة لنص المادة 21 من الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم التي وقعت عليها إيطاليا، والتي تنص على أنه "ليس من الجائز قانونا لأي شخص، ما لم يكن موظفا رسميا مخولا حسب الأصول بموجب القانون، أن يصادر أو يعدم أو يحاول إعدام وثائق الهوية، أو الوثائق التي تخوّل الدخول إلى الأراضي الوطنية أو البقاء أو الإقامة أو الاستقرار فيها، أو تصاريح العمل. ولا يجوز مصادرة هذه الوثائق بصورة مرخص بها دون إعطاء إيصال مفصل بذلك. ولا يجوز، بأية حال من الأحوال، إعدام جواز سفر أو وثيقة معادلة لجواز سفر عامل مهاجر أو أحد أفراد أسرته".


عبودية العصر الحديث

يستغل أرباب عمل، العمالة المهاجرة غير الشرعية في إيطاليا، ومن بين هذه الحالات ما يعرف بـ"قضية العمال البنغال"، الذين وصفت محكمة الجنايات في نابولي، معاناتهم خلال عملهم في مصنع في بلدة سانت أنتيمو بضواحي مدينة نابولي بـ"عبودية العصر الحديث"، إذ "تعرضوا لاستغلال بشع بسبب وضعهم غيرالشرعي، من قبل مستثمر بنغالي أجبرهم على العمل يوميا لمدة 15 ساعة براتب 250 يورو في الشهر"، وفق ما قاله لـ"العربي الجديد" المحامي العمالي برونو بوتي والذي دافع عنهم حتى أثمرت المعركة القضائية عن إدانة مالك المصنع وصدور حكم ضده بالسجن لمدة ثمانية أعوام بتهمة استغلال المهاجرين غير الشرعيين، والذين أذعنوا لشروط العمل بسبب عدم توفرهم على رخصة إقامة تخول لهم حق الشغل، كما ورد في التحقيقات التي أعلنت عنها النيابة العامة في يوليو/تموز الماضي.

"وبدأت معركة المهاجرين البنغال بمعركة نضالية دشنوها بمظاهرات في الشوارع برعاية جمعية 3 فبراير/شباط المناهضة للعنصرية في نابولي"، كما يقول بيير لويدجي أحد القادة الحقوقيين البارزين في جمعية 3 فبراير المناهضة للعنصرية في نابولي لـ "العربي الجديد" والذي عبر عن ارتياحه متابعا: "سعداء كثيرا بقرار المحكمة بنابولي، والذي كان عادلا وأقر بممارسة العبودية في حق إخواننا البنغاليين".


الاستغلال الجنسي للمهاجرات

عبر جولة لمعد التحقيق على محلات التدليك التي تنتشر في شارع دجوليو تشيزاري شمال مدينة تورينو، والذي يعد معقلا للمهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين، توصل إلى أن المهاجرات الصينيات يتم استغلالهن جنسيا من قبل أرباب العمل عبر إفادات وثقها في 3 محال لعاملات في القطاع ومن بينهن العشرينية ميانغ (اسم مستعار بناء على طلبها) والقادمة من مدينة شانتو الصينية، والتي ذكرت أنها تعمل من العاشرة صباحا إلى الواحدة ليلا، وأنها لا تتقاضى سوى 25 يورو في اليوم الواحد، أي أقل بثلاث مرات من الحد الأدنى للأجور في قطاع التدليك بإيطاليا والمحدد في 80 يورو وفقا للاتفاقية الجماعية الوطنية المحددة للعمل في القطاع بحسب الفصل 1277 من القانون المدني.

وتقول ميانغ إنها مضطرة للعمل في مثل هذه الظروف إذ لديها طفلان وزوج ينتظرون منها تحويلا ماليا كل شهر، لمواجهة "متطلبات الحياة" وتكمل "جئت إلى إيطاليا معتقدة أني سأشتغل في محل للتدليك، لكن وجدتني مدفوعة لتقديم خدمات أخرى (جنسية) للحفاظ على وظيفتي" وهو ما يراه السوسيولوجي ليوناردو بالزيمانو الباحث الأكاديمي بجامعة باليرمو "مشكلة تقع بسبب الطلب على الجنس في البلاد"، مضيفا: "للأسف يتم استغلال المهاجرات خصوصا القادمات من الصين، أو رومانيا للعمل بشكل يحط بالكرامة، وأحيانا يتم غصبهن على ممارسة الجنس، سواء في صالونات التدليك، أو في الحقول الزراعية بالجنوب الإيطالي"، مضيفا أن "ممارسة الجنس بشكل استغلالي، بزنس ضخم وغير مقنن".

وارتفع عدد ضحايا الاتجار المحتملين من أجل الاستغلال الجنسي، الذين وصلوا عن طريق البحر في إيطاليا، بنسبة 600 في المائة وفق تقرير منظمة الهجرة الدولية لعام 2017 والذي ذكر أنه في غضون ثلاث سنوات، وحتى الأشهر الستة الأولى من عام 2017، أصبحت الفتيات الأصغر سنا - اللاتي غالبا ما يكن قاصرات - هدفا للعنف والاعتداء وخصوصا 80 في المائة من الفتيات اللواتي وصلن من نيجيريا، إذ ارتفع عددهن من 1500 في عام 2014 إلى 11000 فتاة في عام 2016.


الوضع غيرالشرعي كرس العبودية

الوضعية غير القانونية، للمهاجرين كانت دائما هي المحفز الرئيسي لتكريس مظاهر العبودية والاستغلال في ظروف تحط من الكرامة الإنسانية وفقا لتأكيد السوسيولوجي ليوناردو بالزيمانو لـ"العربي الجديد"، مضيفا أن هذه الظاهرة للأسف يتورط فيها إيطاليون مافيوزيون، وكذلك مهاجرون يستغلون أبناء بلدهم بكثير من أشكال السخرة والعبودية"، ومن بين هذه الحالات المهاجر غير الشرعي الثلاثيني المغربي بدر الدين الزعري المقيم بميلانو والذي اضطر للعمل في مطعم يديره مقيم مصري، بأجر يورو ونصف للساعة، مع مدة اشتغال يومي تفوق تلك المعمول بها قانونيا، أي ثماني ساعات حسبما قال لـ"العربي الجديد"، مضيفا عن تجربته: "كنت أعتقد أن معرفتي لصاحب المطعم العربي، ستكون مبعثا للاطمئنان في الشغل، خصوصا وأني تعرفت عليه في المسجد، لكن حصل العكس، إذ استغل وضعي غير الشرعي وحرصي على العمل الحلال، كما يفعل كثيرون من جالياتنا العربية مع الطلبة واللاجئين، فكان حجم الجهد لا يقابله الأجر المناسب، لا يوجد توصيف غير أنها سخرة".


الأمر ذاته تكرر مع اللاجئ العراقي كاظم الحلابسي، لكن بتفاصيل مختلفة، إذ عمل في مطعم يملكه مقيم تركي في تورينو، لمدة 13 ساعة يوميا بمقابل 500 يورو في الشهر، وهو رقم لا يساوي نصف معدل الحد الأدنى للأجور في قطاع المطاعم والفندقة والذي يبلغ 1233 يورو، لكن اضطرار الحلابسي للعمل بسبب وضعه غير الشرعي أجبره على اللجوء إلى هذا الخيار، الأمر الذي يصفه ريكاردو نوري المتحدث باسم منظمة العفو الدولية في إيطاليا بـ"المعاملة القاسية"، قائلا لـ"العربي الجديد": "وصف العبودية الحديثة، والذي أراه أدبيا، صورته حاضرة في المهن التي تستقطب المهاجرين كالتي عرضت علي في التحقيق الصحافي".

مافيا كابورالي

يؤكد السوسيولوجي ليوناردو بالزيمانو أن "الحل الأمثل لمواجهة الاستغلال والاستعباد للمهاجرين غير الشرعيين هو التبليغ عن الممارسات التي تتم بحقهم وعدم الإذعان لمن ينتهكون حقوقهم"، بحسب ما توصل له عبر تحقيق علمي في هذا الموضوع نشره في كتابه: "مافيا كابورالي"، ويتفق بيير لويدجي معه، قائلا "قدمت مقترحا لجمعية 3 فبراير المناهضة للعنصرية أدعو من خلاله الدوائر الحكومية المسؤولة، إلى منح رخص إقامة ذات دواع إنسانية، للمهاجرين الجدد تخولهم العمل حتى لا يقعوا في شراك "عبودية العصر الحديث".
دلالات