في اليوم التالي اكتشف الأهل أن ابنتهم تعرضت للاختطاف والاغتصاب، وبسبب تداعيات الجريمة تم تفعيل إجراءات البحث عن المتهمين سريعاً وبالفعل تم الوصول إلى المتهم عبر كاميرات المراقبة المتواجدة في المكان ليتم اكتشاف هوية المتهم عبر رقم مركبته، إذ تبين أنه خطف عبير ومن ثم اغتصبها ثم عاد بها إلى الموقع الذي اختطفها منه بالقرب من منزل العائلة، وكأن شيئاً لم يكن وفق إفادة عائلتها لـ"العربي الجديد".
ولا تعد حادثة عبير الوحيدة من نوعها، إذ تؤكد مديرة مركز تنمية وإعلام المرأة (تام) في بيت لحم سهير فرّاج، والتي تابعت ما أثير حول حالة عبير، علمها بحالتين في الخليل تم قتلهما بعد الاعتداء عليهما إحداهما كانت "حامل"، وتابعت في تصريحات لـ"العربي الجديد": "هناك ما لا يقل عن 10 حالات نعلم بأمرهن".
في منزل الضحية: إصرار على كسر الصمت
"العربي الجديد" زارت منزل عائلة الضحية، التي بدا والدها تيسير كرجة، متماسكاً ومصراً على فضح الجناة وردع أمثالهم؛ قائلاً: "ما حصل يُخجل الجاني ولا يُخجل الضحية، ما حصل قضاء وقدر والله اختارني لأتحمل هذ المصيبة، وأنا لدي الجرأة لأتحدث عن الشيء الذي حصل مع ابنتي، وأستغرب أن هناك الكثير من الحالات تم التستر عليها".
ويُضيف :"هناك انهيار حقيقي في القيم والأخلاق والمبادئ، الفاعل مقتدر مالياً ومتزوج ولديه أطفال، والحادثة توضح أن المجتمع يخاف قول الحقيقة، وأن معالجة القضايا تتم بطريقة مقيتة، ولا توجد عقوبة رادعة؛ إذ وفق ما سمعته فالقضاء في حالة مثل هذا النوع يحبس المتهم وبعد أربع سنوات تجده يمشي في الشارع، وكلنا يجب أن نرفع صوتنا بهذا الخصوص".
كيف وقعت الجريمة؟
"عدت للمنزل ولم أجد عبير كالعادة، نعرف في العائلة أنها تصل إلى البقالة أحياناً والتي لا تبعد عن المنزل سوى 100 متر تقريباً، بعد رجوعها من الجمعية على خلاف رنا، ذهبت ولم أعثر عليها، فبلّغت الجهات المعنية"، ويكمل الأب قائلاً: "المتهم قام بإنزال عبير على مُقربة من بيتنا وجدتها وأعدتها في السيارة برفقة نقيب شرطة؛ علمنا من كاميرات البيوت والشركات في المكان برقم المركبة وصورة المعتدي الذي أخبرها أن لا تخبر أحداً بما تعرضت له؛ وقد أعطاها نقوداً قليلة، تحدثت الفتاة مع أمها، وأخبرتها بما حصل فاجتمعنا نحن وجوه حلحول ساعتها، وهبط شباب حلحول نحو بلدة المتهم وكادت أن تحصل مشاكل عويصة".
يتابع الأب: "في المرحلة المقبلة أفكر في عرض ابنتي على مختص نفسي محترف وأتصور أنه لا يوجد عندنا مختصون نفسيون بمعالجة حالتها"، وحول سبب عدم خروج ابنته من المنزل بعد معرفة ما جرى لها، أوضح كرجة، أن العطلة الصيفية للجمعية بدأت من تاريخ الجريمة، قائلاً: "سأسمح لها بالخروج ثانية، بناتي كن ينزلن من الباص ويمشين مسافة للمنزل.. كنا نشعر تجاههن بالأمان في المنطقة لكن لا أعرف ما الذي حصل للبلد".
القدرة على التماسك والموافقة على الحديث حول ما جرى بدت كذلك على ليلى الحطبة والدة عبير، التي وافقت على الحديث رغم أن الأمر أيضاً غريب على النسبة الساحقة من الأمهات اللواتي يتعرض بناتهن لاعتداءٍ جنسي كما تقول أم منير والتي قالت بصوت متحشرج ومقهور: "ما أقوله بداية حسبنا الله ونعم الوكيل وعليهم وعلى أهاليهم لأنو ما عرفوا يربوهم لا على الأخلاق ولا على الدين في عبيرات كثير زي عبير بس بطبطوا عليهم أهاليهم لو ما بنطبط ما بتمادوا هالأشكال(..)".
وتشرح أم منير ما جرى مع ابنتها عقب عودتها قائلة :"سألتها وين رحتي؟ صارت تشرحلي وخبرتني إنها حاولت اتدافع عن نفسها لكن كانوا اثنين وما قدرت تواجههم".
وأضافت "بخصوص نظرة الناس والمجتمع هسا بدي اروح عالدكان مش خجلانة مش عاملين اشي غلط إحنا.. مش هامني الناس، هامني ربي، في تأويلات كثير للحادثة، ليفهم الناس أن عبير ليس لديها إدراك لما حصل رغم شعورها بالخوف. عبير تظن أن الجناة حرامية وتصطلح وهي وشقيقتها رنا على تسمية القضية بقضية حرامية عبير".
وتعاني عبير مما جرى بشدة نفسياً وبدنياً، إذ تقول والدتها :"طبعاً هناك أضرار موجوعة البنت وقع عليها عليها اغتصاب وحشي ألحق أضراراً بأماكن عديدة بالجسم، أيضاً أخبرتنا عبير أنهم قاموا بتصويرها".
وتقول أم منير أنه تم إعطاء ابنتها المجني عليها مانع حمل، إضافة إلى دواء مهدئ ليلاً حتى تستطيع النوم؛ إذ تستيقظ لتتحدث في القصة مذعورة وتشرع بالصراخ، توضح : "عبير ظلت يومين بدون أكل كانت تأكل رغماً عنها، لكن لما رأت الناس تأتي لتتضامن معها وتعرف قصتها صارت أفضل".
وتابعت هي ووالدها أن المتهم كان يترصدها قبل أربعة أيام من الحادثة بحسب الكاميرات وشهادة بعض الأهالي بأنهم شاهدوه في المكان، وحاول خطف طفلات من مدرسة ابتدائية قريبة لكنه لم يفلح واللافت أن الأهل لم يقوموا بالتبليغ"، "ولو قاموا بذلك لما حصل لعبير ما حصل" تقول الأم المكلومة بينما جاءت ربى شقيقة عبير وبدأت بالبكاء قائلة: "مش عارفة شو أحكي لكن أنا صرت قلقانة عليها في خوف عليها.. بطالب كل الجهات في تسريع الحكم على المتهم وأخذ الموضوع على محمل الجد أكثر".
عطوة عشائرية
في محاولة لتهدئة الأوضاع بين أهل المجني عليها وأهل المتهم، ومنع تداعيات الحادث من التطور، تم اللجوء إلى ما يُعرف بالعطوة العشائرية كما يقول راتب الحطبة المتحدث بلسان عائلة الضحية في العطوة العشائرية التي تمت بين بلدة عائلة المتهم ومدينة حلحول التي تنتمي إليها عائلة المجني عليها.
يقول الحطبة: "في منطقة الجنوب الأمور العشائرية هي السقف الذي يغطي هذه الأحداث وغيرها سواء الدموم (حوادث القتل وإراقة الدماء) أو التعديات بأنواعها؛ لكن هذه الحادثة تختلف عن كل الحوادث؛ ولم يمر مثلها علي لا في محافظة الخليل ولا في غيرها، في اليوم التالي للجريمة اكتشفت العائلة أن عبير تم اغتصابها ومع فورة الدم نزل 400 شاب من حلحول لبلدة المتهم والحمد لله لم يحصل نزيف دماء، قد يودي بحياة أناس أبرياء ودخلنا في هدنة منتصف ليل الأربعاء لمدة 24 ساعة".
يُفيد أن أهالي المحافظة تداعوا في ساحة البلدية بما فيهم عائلة المعتدى عليها، وقدمت الجاهة استنكارها باسم أهالي بلدته بما فيهم أهل الجاني، ويوضح الحطبة أن العطوة العشائرية لا تعني أنها على المتهم إذ ليس له رحمة ولا عطوة على حد قوله مضيفاً، "هذه العطوة لحفظ السلم الأهلي ومن أجل الأبرياء وحصر القضية في الجاني، وتستمر لمدة عام يسود فيها الهدوء والهدنة بين المنطقتين، مضيفاً "تعرضنا لانتقاد واسع على مواقع التواصل الاجتماعي نتيجة العطوة، إذ ظن البعض أن المال مقابل العرض، وهذا غير صحيح".
يقول الرجل وهو مُصلح عشائري: "طلبت من الجاهة لبّاس ثوب؛ وهو كفيل دفع في العرف العشائري مطلوب من عائلته الدفع فكما نقول في المثل الفلسطيني إلي ما بربي ابنه، ابنه بربيه ويجب أن يدفع الأهل ليتعلموا كيفية تربية أولادهم".
وتابع "طلبنا 200 ألف دينار أردني (282 ألف دولار) تسمى (مروق عطوة) لأسمح لهم أهالي المتهم، أن يتحدثوا في أمر العطوة، 100 ألف دينار (141 ألف دولار) دُفعت ويدفع الباقي بعد انتهاء مدة العطوة بعد عام، بحسب الظروف المستجدة وخلال هذه الفترة قد يصدر حكم من القضاء الفلسطيني تجاهه وأناشد القضاء أخذ قرار استثنائي بهذا الخصوص، وللعلم في حال ثَبُت أن له شريكاً سيكون للأخير إجراء عشائري منفصل".
التحليل النفسي للمتهم
يحلل الطبيب النفسي آدم عفانة، شخصية المعتدي في مثل هذه الحالات والملابسات قائلاً أنه "غير سوي بغض النظر عن وضعه الأُسري كونه متزوجاً ومُقتدراً مالياً؛ لكنه على الأقل يعاني من اضطرابات شخصية، ويمكن أن يكون من الشخصيات المُعادية للمجتمع أو الحدية، أو ربما متعاطياً للمخدرات والكحول، أو لديه اضطراب يشتمل على فقد التحكم بالغرائز الجنسية".
وأكد عفانة أن علاج عبير النفسي يعتمد على قدراتها العقلية بحسب درجة إعاقتها، لافتاً إلى أن عبير لا تدرك بالفعل ما الذي تعرضت له (اغتصاب) لكن تشعر أن ثمة أمراً غير طبيعي؛ لذا فهي تفزع ليلاً وتشعر بالخوف والرغبة بالبكاء عندما تتذكر الحادثة، بسبب معاناتها من صدمة نفسية.
قانون ضعيف لا ينصر الضحية
لكن لماذا لم يتقدم الأهالي بشكوى ضد المتهم، رغم ما أثير عن محاولته خطف طفلات؟ هنا يرى عفانة أن الأهالي (ما بتحب تحكي ولا تشكي) كما أن العائلات لو أرادت تقديم شكوى بشكل جماعي فهذا سيجر قدمها إلى التردد كثيراً على مراكز الشرطة والمحاكم وهذا ما لا يرغبه الأفراد فعلياً، لكن مديرة مركز تنمية وإعلام المرأة (تام) ترى أن الأمر قد يرجع إلى أن الأمن والقانون مكبلان بالقانون الأردني الذي يعود للعام 1961؛ وهو قانون ضعيف ينصر المعتدي على الضحية؛ وتابعت: "اليوم نحن ليس لدينا الإرادة السياسية لتغييره؛ فالمجلس التشريعي الذي يُقر القوانين مُعطل منذ العام 2006، من جانب آخر الرئيس يستطيع إصدار قانون بمرسوم رئاسي لكن المجلس هو من يمنحه هذه الصلاحية؛ وبالأصل نحن الجمعيات العاملة في هذا المجال وضعنا قانون حماية الأُسرة من العنف وصادق عليه مجلس الوزراء لكنه ما زال على طاولة الرئيس! واليوم ما على الرئيس فعله لتفعيل القوانين الإعلان الدستوري والمسارعة إلى انتخابات رئاسية وتشريعية".
استئصال الأرحام
من واقع خبرتها مع حالات لفتيات من ذوي الاحتياجات الخاصة ترى مديرة "تام" أن: "هذه الحالات هي الأصعب لماذا؟.. لأن الحالة لا تستطيع التعبير عن نفسها، إضافة إلى اعتبار الأهل الأمر غير لازم للإفصاح والحديث عنه كون الابنة مُعاقة في إشارة للانتقاص من حقها نتيجة الإعاقة، وللأسف بدأ الأهالي في اللجوء لمسألة استئصال الأرحام وكأنهم بذلك يقولون للمعتدي: "تفضل هيها صارت جاهزة لتعتدي عليها كيفما تشاء".
وتؤكد ان قضية عبير كرجة أخذت الصدى والاستنكار الواسعين :"لأن أهلها انتصروا لها؛ لأنهم ارتأوا أن العار للمعتدي وليس لهم ولا لابنتهم، وهذا ما دفع الناس بالعموم تتشكل عندهم الجرأة أكثر ليتكلموا، عندما يأتي السند من العائلة فموقف البنت بالطبع سيكون أقوى".
في الأثناء، ما يزال التحقيق جارياً مع المتهم المحتجز لدى الشرطة، وهناك تحركات جدية من وجوه وعشائر محافظة الخليل للتوجه إلى الرئيس محمود عباس ومطالبته بتشديد الحكم بحق الجاني، لكن قضية عبير لا تتمتع بخصوصية عالية فقط لأنها من ذوي الاحتياجات الخاصة، بل لأن عائلتها لم تتستر على المتهم خشية الفضيحة، في ظل أن القانون الفلسطيني لا يشمل بحسب منظمات وشبكات حقوقية وعموم المواطنين عقوبة رادعة لجرائم الاغتصاب، رغم الحكم مؤخراً بالأشغال الشاقة 15 عاماً على شاب من نابلس اغتصب شقيقته المعاقة وأنجبت منه طفلاً، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى إمكانية تشديد العقوبة على الجاني أم فقط سيُحبس أعواماً قليلة ويخرج حراً بعدها وكأن شيئاً لم يكن!.