في اللحظات الأولى لإعصار ميكونو جرفت السيول سيارة عشريني عماني في وادي دفور الواقع شمال منطقة عوقد بولاية صلالة حاضرة محافظة ظفار الواقعة في الجزء الجنوبي من السلطنة، وبعد سبع ساعات من غرقه في 25 مايو/أيار الجاري، عثرت الأجهزة المعنية بعمليات الإنقاذ ومواطنون وفق رواية شهود عيان شاركوا في عملية الإنقاذ من الإعصار الذي ضرب سواحل محافظتي الوسطى وظفار، ما أدى إلى ارتفاع الموج على سواحل المحافظتين من 4 أمتار وحتى 8 أمتار، بينما كان ارتفاعه على سواحل محافظة جنوب الشرقية ( الواجهة الجنوبية الشرقية لسلطنة عمان) 3 أمتار وفقا للتحذير رقم (9) الصادر عن المركز الوطني للإنذار المبكر من المخاطر المتعددة في 26 مايو/أيار الجاري.
وتعد هذه حالة الوفاة الثانية منذ بدء الإعصار المداري ميكونو، بعد وفاة طفلة ذات 12 ربيعا، متأثرة بجراحها بعد اصطدامها بجدار منزل، جراء قوة الرياح المصاحبة للإعصار، ووفقا للبيانات الرسمية التي حصلت عليها "العربي الجديد".
وتشتبه السلطات الرسمية وفق حديث المقدم سعيد البداعي الضابط في المركز الإعلامي باللجنة الوطنية للدفاع المدني التابع لشرطة عمان السلطانية بوجود حالة ثالثة لوافد فُقِد في منطقة ريسوت الواقعة إلى الغرب من ولاية صلالة فيما فقد ثلاثة آخرون، في محافظة ظفار بعد أن تراوحت سرعة الرياح بين 60 إلى 80 عقدة (110 كيلومترات إلى 145 كيلومتراً في الساعة).
عمليات إنقاذ مستمرة
بذلت الهيئة العامة للدفاع المدني والإسعاف التابعة لشرطة عمان السلطانية جهودًا كبيرة في عمليات الإجلاء، وكذلك التعامل مع الحالات المرضية التي تلقوا بلاغات بشأنها وفق بيانات رسمية حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، إذ أنقذت الهيئة 3 محتجزين وافدين بالقرب من مركز المها للتسوق بولاية طاقة الواقعة جنوبي سلطنة عمان، كما تم إنقاذ 4 محتجزين بولاية صلالة، وإنقاذ ثلاثة مصابين بسبب تأثرهم بالأحوال الجوية، بالإضافة إلى 16 شخصا من الجنسية الآسيوية كانوا محتجزين وسط المياه بمنطقة الصناعيات في مرباط الواقعة على الشريط الساحلي لمحافظة ظفار، وجرى التعامل مع حالة 6 مواطنين من عائلة واحدة بمنطقة السوق المركزي في صلالة، وإنقاذ عدد 6 أشخاص من الجنسية التونسية إثر انهيار سور منزلهم، وإنقاذ شخصين من مجرى وادي بولاية طاقة، والاستجابة لحالة مرضية بمنطقة عوقد الجنوبية، والاستجابة لنداء إحدى السيدات من الجنسية الآسيوية تقطن بمدينة صلالة، والاستجابة لبلاغ عن حالة ولادة في ولاية صلالة.
وخفت الأمطار والرياح وتكشفت الآثار التي تخلفت عن الإعصار أثناء مروره على محافظتي ظفار والوسطى العمانيتين في صباح السبت 26 مايو/أيار، وفق مشاهدات معد التحقيق الذي تجول في بعض الأماكن التي ضربها الإعصار في صلالة، والتي يبدو فيها آثار الإعصار الذي اقتلع بعض الأشجار مع وجود تجمعات مائية، إلى جانب تأثر بعض الطرق بمخلفات الأحجار والأتربة، وتدفق المياه إلى بعض المنازل، لكن رجال الشرطة، كانوا يجوبون الشوارع، للتعامل مع هذه الآثار التي خلفها الإعصار، كما وجه رجال الشرطة المارة إلى أخذ الحيطة والحذر والابتعاد عن البرك المائية، وكذلك عدم المرور في مجاري الأودية حتى يتم الإعلان عن سريان الحركة المرورية في محافظة ظفار وفق ما رصده معد التحقيق.
وساهمت استجبابة أهالي المناطق المتأثرة بالإعصار للنداءات والاستعدادات التي أكدت عليها الجهات المسؤولة في التقليل من الخسائر البشرية، كما أن الخسائر المادية سيتم التعامل معها، من قبل الجهات المعنية، وفقا لمشاركين في عملية الإنقاذ، لـ"العربي الجديد" أكدوا أن الحياة عادت إلى طبيعتها بعد ليلة عصيبة تكاتف فيها الجميع، إذ يمكن رؤية الناس وهم يمرون في الشوارع كما أن بعض المراكز التجارية فتحت أبوابها أمام المشترين.
مبادرات مجتمعية
خصص رجال أعمال ومواطنون وشركات 370 شقة، تم توزيع 240 منها على بعض الأسر التي تم إجلاؤها من أماكن الخطر المحتملة، كما جرى تخصيص 180 غرفة أخرى للمواطنين العمانيين والوافدين الذين أخلوا أماكن سكنهم في مختلف ولايات محافظة ظفار بحسب تأكيد سعيد الزكواني عضو فريق نزوى الخيري لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى أن هذه المبادرات الإنسانية جاءت في اللحظات الأولى للإعصار للتخفيف على المتضررين.
وأعلنت أجهزة الدفاع المدني إجلاء 10 آلاف شخص من المدارس والمباني الحكومية، خاصة في مدينة صلالة التي يبلغ عدد سكانها 200 ألف نسمة، فيما أطلقت بعض الولايات العمانية حملات تطوعية لتقديم المساعدات العينية والمادية للتعامل مع آثار الإعصار في المناطق التي مر عليها، وصاحبها دعوات على تطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي "واتساب" و"تويتر" للتبرع والاستعداد للذهاب إلى المناطق التي تحتاج إلى هذه المساعدات، مع تشكيل فرق رئيسية في هذه الولايات للتنظيم وفقا لما رصده معد التحقيق.
استعدادات مبكرة
وبدأت الاستعدادات في سلطنة عمان للتعامل مع "ميكونو" مبكرًا، إذ عمدت السلطات العمانية إلى بث كل ما يتعلق بالإعصار من معلومات وتطورات أولاً بأول في وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي منذ منتصف الأسبوع الماضي، كما نشطت الحسابات الرسمية للجهات ذات الصلة في بث التقارير الأولية منذ تشكل المنخفض الجوي في بحر العرب حتى وصول الإعصار المداري ومروره من محافظتي الوسطى وظفار، في تنبيهات رسمية متوالية بدأت منذ 16 مايو/أيار الجاري وفقا للتقرير رقم 1 عن الحالة المدارية في بحر العرب الصادر عن المركز الوطني للإنذار المبكر من المخاطر المتعددة.
وصاحب الاستعداد للإعصار المداري ميكونو حملة توعوية تثقيفية وقانونية للتعامل مع الحدث والتحذير من أي ظواهر سلبية قد يقوم بها بعضهم، بحسب تأكيد المحامي العماني صلاح المقبالي صاحب مكتب محاماة للاستشارات القانونية لـ "العربي الجديد"، والذي قال إن هذه الظواهر السلبية، قد تتمثل في المجازفة بعبور الأودية، قائلا "في حال لم يهلك المخاطر بحياته وحياة الآخرين فإنه يكون قد ارتكب مخالفة قانونية بناءً على قانون المرور وفق التعديل الأخير الذي حدد عقوبة لمن يتعمد عبور الأودية، وذلك في البند الثامن من المادة 49 منه، التي نصت على: "مع عدم الإخلال بالتدابير المقررة في هذا القانون، أو بأي عقوبة أشد واردة في قانون آخر، يُعاقب بالسجن مدة لا تزيد على (3) ثلاثة أشهر، وبغرامة لا تزيد على (500) خمسمائة ريال عماني، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب أيا من الأفعال الآتية.... تعمد السائق عبور الأودية بشكل ينجم عنه تعريض حياته أو حياة الركاب معه أو الغير للخطر"، وتابع أن المادة 9 من قانون حماية المستهلك الصادر بالمرسوم السلطاني 66/2014، تنص كذلك على منع رفع سعر أي سلعة من قبل التجار وقت الكوارث إذ ينص المرسوم على أنه "في حالة ظهور أزمة أو جائحة طبيعية أو ظروف استثنائية أو وضعية خاصة غير عادية للسوق ترتب عليها زيادة غير طبيعية في الأسعار يجب على رئيس مجلس الوزراء بعد موافقة المجلس اتخاذ إجراءات وقتية لتحجيم تلك الزيادة، وتبين اللائحة الأساسية التي يستند إليها رئيس المجلس في تقدير الزيادة غير الطبيعية في الأسعار والإجراءات التي يتخذها لتحجيم تلك الزيادة".
تراجع الإعصار
أعلنت السلطات المختصة في سلطنة عمان أن الحالة المدارية انخفضت من إعصار مداري إلى منخفض جوي عميق، لكنها حذرت في الوقت نفسه من التهاون مع الحالة ودعت الجميع إلى أخذ الحيطة والحذر في أقصى درجة، موضحة أن الوقت المتوقع للإعلان عن انتهاء الحالة وتلاشيها سيكون خلال 48 ساعة.
ويتوقع أن يضعف الإعصار ويتحول إلى عاصفة مدارية خلال تحركاته، قبل أن يبلغ جنوب شرقي المملكة العربي السعودية بحسب توقعات هيئة الأرصاد السعودية.