ديون اللاجئين السوريين... معاناة لتوفير أساسيات الحياة في رمضان

16 مايو 2019
تتراكم الديون على اللاجئين السوريين عاما وراء عام (Getty)
+ الخط -
ينتظر اللاجئ السوري نزار عبد اللطيف حلول موعد الإفطار بعد يوم عمل شاق قضاه في ورشة لقطع أحجار البناء في مدينة عكّار اللبنانية، إذ اجتمعت العائلة حول مائدة الإفطار التي  وضعت عليها زوجته نوعين من "المقالي وطبخة مجدّرة" (أرز وعدس أسمر) وصحنا من السلطة الخضراء، بعدما كانت قبل سنوات عامرة بمأكولات وحلوى رمضانية، لكنّ تراكم الديون جعل أسرته تعيش بالكاد، كما يقول، مضيفا: "أنا مدين بأكثر من ستة آلاف دولار أميركي منذ جئت إلى لبنان قبل ثلاث سنوات، ولم أتمكّن من سدادها حتّى الآن، ودخلي لا يتجاوز 25 ألف ليرة لبنانية يوميًا (17 دولارا أميركيا)، أدفع منها إيجار المنزل وأوفر أساسيات الطعام والشراب".

وتشارك 88 في المائة من العائلات السورية اللاجئة، عبداللطيف وعائلته معاناتهم من الديون التي ازداد متوسطها بشكل ثابت، من 800 دولار أميركي في عام 2016، إلى 900 دولار أميركي في عام 2017 ثم إلى 1000 دولار أميركي في عام 2018، وهو ما يدل على أنه حتى مع المساعدات الإنسانية، لا يزال اللاجئون يفتقرون إلى الموارد الكافية لتغطية احتياجاتهم الأساسية، وفق ما كشفت عنه دراسة صادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، حول أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان جرى الكشف عنها في 26 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي.


استراتيجيات تكيّف سلبية

يبلغ عدد اللاجئين السوريين في لبنان 1.3 مليون شخص، وفق ما ذكره المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم في تصريحات صحافية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. 

وتطبق 90 في المائة من عائلات اللاجئين السوريين في لبنان مجموعة متنوعة من استراتيجيات تكيّف سلبية مع الديون، تتراوح من تناول طعام أرخص إلى قضاء أيام دون تناول الطعام، وعمالة الأطفال بحسب الدراسة الأممية المشتركة، والتي لفتت إلى أن تسعة من أصل 10 عائلات تطبق استراتيجيات التكيف المتعلقة بالغذاء.

ويعيش 69 في المائة من عائلات اللاجئين السوريين تحت خط الفقر، في حين يعيش 51 في المائة دون سلة الحد الأدنى للإنفاق البالغة 2.90 دولار في اليوم، في حين أن 80 في المائة من الأطفال ذوي الإعاقة ينتمون إلى عائلات تعيش تحت خط الفقر، وفق الدراسة الأممية.





معاناة متكررة في الأردن

في الأردن، تتكرر معاناة اللاجئين السوريين، إذ ذكرت الدراسة الأممية، أن 85 في المائة من أطفال اللاجئين السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وأن الأسر السورية اللاجئة تعاني من صعوبات متزايدة في تلبية احتياجاتها، ويستضيف الأردن 670 ألف لاجئ سوري مسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وأوضحت الدراسة أن "94% من الأطفال السوريين ممن هم دون الخامسة يعانون من فقر "متعدد الأبعاد"، أي أنهم محرومون من الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية الخمسة وهي: التعليم والصحة والمياه والصرف الصحي والحماية".


ورزح 90% من اللاجئين تحت المديونية لأقاربهم ومالكي العقارات وأصحاب المحلات والجيران، مع ارتفاع في الإيجارات بقرابة الثلث، وفق دراسة أجرتها منظمة "كير" العالمية في إبريل/نيسان من عام 2014 شارك فيها 2200 لاجئ، من بين نصف مليون لاجئ سوري ممن يعيشون في المناطق الحضرية بالأردن.

وتضطر عائلات اللاجئين إلى الاستدانة من خلال أقارب لهم داخل وخارج سورية، ويأتي شهر رمضان بمتطلّبات مختلفة، ليزداد العبء على هذه الأسر المتقشفة أصلا طوال العام، وفق إفادات نازحين ولاجئين سوريين مقيمين في لبنان والأردن، ومن بينهم أحمد ربيع، الذي يعيش في العاصمة الأردنية عمّان منذ عام 2013 مع زوجته وأولاده الثلاثة.

يقول ربيع لـ "العربي الجديد": "منذ أن قدمتُ إلى الأردن، ازدادت الضغوطات المعيشية على عائلتي، لأن راتبي الشهري لا يكفي لتأمين أبسط متطلّبات الحياة اليومية".

في العام الماضي تعرّضت ابنة أحمد لحادثٍ خلال لعبها في الحي، وكُسرت واضطرَّ لإجراء سلسلة عمليات جراحية لإنقاذ يدها، ما اضطرّه لاستدانة ثلاثة آلاف دينار أردني (4500 دولار أميركي) من أجل تأمين العلاج لها.

يوضّح ربيع أنّه حتّى اليوم يكافح يوميًا من أجل سد الديون المترتّبة عليه من قبل أحد أصدقائه، لكنّه لم يتمكّن من سداد دينار واحد منها حسب قوله.

وتابع: "راتبي شهريًا 350 دينارا، وإيجار منزلي 200 دينار أي أنّه أعلى من نصف الراتب الشهري، ويتبقى 150 دينارًا لبقية مصاريف الحياة، بما في ذلك فواتير المياه والكهرباء والاتصالات والمواصلات والأطعمة والمشاريب والنظافة والصحة والتعليم وغيرها"، موضحّاً أنّه يعيش منذ سنوات في حالة تقشّف قاسية ليتمكّن من البقاء فكيف له سداد الديون المترتّبة عليه.

ولا تجد عائلة ربيع أي مجال لتأمين وجبات غذائية رمضانية، كما يضيف أنّ: "زوجته تحاول تقنين الطبخات لتكفي الأكلة الواحدة لأربع موائد رمضانية، كما أنّه استبعد الحلويات والمشاريب الرمضانية، واقتصر على الأطعمة التي لا تتطلّب مبالغ مرتفعة"، ويضيف: "أحلم بسداد ديوني لأعيش في راحة بال".



قطع المساعدات يزيد المعاناة

اعتادت عائلة ربيع على تقاضي مساعدات من "مفوّضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، ولكن في عام 2017 فوجئت بقطع المساعدات البالغة 18 دينارًا (25 دولارا) لكل فرد، وهو ما تكرر في لبنان الذي تلقى لاجئون فيه رسائل من المفوّضة تنبئهم بقطع المساعدات، ومن بينهم زياد العبيد الذي تلقى رسالة نصية في 19 سبتمبر/أيلول الماضي، من "مفوّضية اللاجئين" على جواله، تبلغه فيها بأنّها قطعت المساعدات عنه.

وجاء في نص الرسالة: "نأسف لإعلامك بأنّه في الشهر القادم سوف تتوقّف المساعدات عن كل فرد من أفراد أسرتك التي يقدّمها برنامج الأغذية العالمي، وستتلقّى المساعدات الأخيرة في هذا الشهر.. الرجاء الاحتفاظ بالبطاقة الحمراء".

عائلة زياد كانت تتلقى مبلغ 27 دولارا أميركيا شهريًا لكل فرد، وبما أن أسرة زياد عددها سبعة، فإن حجم المساعدات الشهري بلغ 189 دولارا كما يقول اللاجئ السوري والذي يعيش في منطقة التل بمدينة طرابلس، ويعمل مقابل 25 ألف ليرة لبنانية يوميًا (17.5 دولارا) ومنذ قطع المساعدات حتّى اليوم، استدان العبيد مبلغ 2000 دولار ليتمكّن من سد الفجوة التي خلّفها قطع المساعدات.

ويوضّح زياد العبيد أنّ العمل في لبنان "باليومية" لا يتواءم مع مصاريف الحياة، موضحًا أن إيجار منزله يبلغ 12 ألف ليرة لبنانية يوميًا، وبهذا الراتب لن يتمكّن من سد ديونه.

ويقتصر طعام عائلة في رمضان على وجبة الإفطار المكونة من الخضار والمقالي، كما يقول مشيرا إلى أن أسرته حُرمت من جميع الطقوس الرمضانية، بما في ذلك المأكولات والمشروبات الخاصة بالشهر الفضيل.


ضعف القوّة الشرائية

يؤكد الباحث والخبير الاقتصادي يونس الكريم، أن معظم العائلات السورية النازحة داخل سورية واللاجئة في دول الجوار، تعاني من تراكم الديون عليها، مُرجعًا السبب في ذلك إلى أن هؤلاء فقدوا كل ما يملكون وأهم ما فقدوه المأوى، والذي يكلفهم مبلغا كبيرا لتوفير نفقات الإيجار، كما أنّهم فقدوا مصدر دخلهم منذ نزحوا وباتوا يعملون بأجور منخفضة.

وبسبب التضخّم الكبير والغلاء وارتفاع الأسعار يضطر السوريون ممن هم داخل البلاد وخارجها إلى الاستدانة لتوفير مصاريف الحياة اليومية كما يضيف: "بالمقابل فإن دخل معظم هذه العائلات يتراوح بين 50 دولارا حد الكفاية للأسر النازحة"، ويرى الكريم أن السوريين في دول الجوار وتحديدًا في لبنان هم أكثر شريحة معرّضة للاستدانة، لأن إيجارات المنازل مرتفعة، والحياة مستواها المعيشي أعلى وأغلى من إمكانيات الكثير من السوريين، فضلا عن صعوبة الحركة والعمل للاجئين، الذين يضطرون للعمل في مهن متدنية وقليلة الأجر.

ويعمل اللاجئون السوريون في لبنان في مهن متدنية أو متوسطة المهارة، بحسب دراسة لمنظمة العمل الدولية، صدرت في الثاني من إبريل/نيسان من عام 2014، ويبلغ متوسط الدخل الشهري للاجئ السوري العامل في لبنان 277 دولارا، في حين أن الحد الأدنى للأجور في لبنان يصل إلى 448 دولارا، وفق الدراسة التي أشارت إلى أن 92 في المائة من اللاجئين السوريين في لبنان يعملون دون عقد عمل نظامي، وأن 56 في المائة من اللاجئين السوريين العاملين في لبنان يعملون في أعمال موسمية، أو أسبوعية، أو يومية، وهو ما يؤكده الكريم قائلا: "السوريون يعلمون في الخدمات مثل نواطير في المنازل وفي مجال الزراعة والإعمار، ويعيشون طوال العام في تقشف، ما بالك بشهر رمضان الذي أصبحت متطلباته حلما بعيد المنال".