جوازات السفر الأفغانية.. سلعة رائجة لمواطني الدول المجاورة

23 فبراير 2016
البطاقات اليدوية تسهل حصول غيرالأفغان على جوزات السفر(فرانس برس)
+ الخط -
عقب مساومة مرهقة، نجح الشاب الأفغاني محمد قاسم، في دفع 150 دولاراً أميركياً إلى موظف في إدارة الجوازات في العاصمة كابول، للحصول على جواز سفر إلكتروني، دون متابعة الخطوات القانونية المعقدة التي تستغرق شهورا طويلة.

في البداية، طلب الموظف، المعروف لكل من يتوجه إلى إدارة الجوازات، مبلغ 400 دولار أميركي في مقابل استخراج الجواز في يومين، غير أن قاسم رفض، وبعد مساومة يصفها بالشرسة، تم الاتفاق على دفع 150 دولاراً، على أن يستخرج المسؤول جواز السفر خلال أسبوع واحد، بدلا من الانتظار لفترة لا يقدر عليها الشاب، الذي حصل لتوه على فرصة عمل في إحدى دول الخليج.

اقرأ أيضا: الأفغان في سورية.. جنود "آيات الله" في خدمة الأسد

كيف يحصل الإيرانيون على الجواز الأفغاني؟

عبر جولة ميدانية في إدارة الجوازات، وثّق معد التحقيق قيام العديد من المراجعين بدفع رشى تبدأ من مبلغ 1000 أفغانية (15 دولاراً) للحصول على موقع متقدم في الطابور، يحصل عليها موظفو الأمن ممن ينظمون المراجعين عند الدخول إلى الإدارة. من بين من خاضوا التجربة محمد عثمان، والذي قال لـ"العربي الجديد": "لا يمكنك إجراء أية خطوة دون دفع رشوة إلى موظفين أو سماسرة منتشرين في أرجاء المكان".

لا يقتصر فساد عملية استصدار الجوازات في أفغانستان على الوقائع السابقة، إذ كشف مصدر مسؤول في الإدارة لـ"العربي الجديد"، عن استصدار جوازات للأجانب مقابل المال دون حاجة إلى مجيئهم إلى أفغانستان. ويؤكد المصدر أن حالات عديدة لإيرانيين، سافروا إلى ألمانيا تم ترحيلهم بسبب حصولهم على جوازات أفغانية بطرق غير شرعية، وهو ما جعل أفغانستان تأتي في المرتبة الثانية في قائمة الدول التي قدم منها لاجئون إلى ألمانيا بعد سورية خلال العام الماضي.

ويكشف المصدر عن أن عدداً كبيراً من الإيرانيين يحصلون على البطاقات الوطنية، (تعد أهم وثيقة مطلوبة لاستخراج جواز السفر في أفغانستان) من منطقة "دشت برجي" في قلب العاصمة الأفغانية كابول، بالإضافة إلى إقليم هرات المجاور لإيران في غرب أفغانستان، ومن بين هؤلاء الإيرانية، مينو المقدوني، التي حصلت على جواز سفر إلكتروني أفغاني مقابل 550 دولاراً أميركياً، دون أن تزور أفغانستان، وعقب سفر مينو باستخدام الجواز الأفغاني إلى الإمارات اعتقلتها السلطات الإماراتية وفي حوزتها جواز إيراني آخر، صالح للاستخدام حتى نهاية عام 2017.

ويكشف مصدر أمني لـ"العربي الجديد" عن أن جواز مينو الإيرانية، تم استخراجه من مدينة هرات بعد أن صنعت لها مافيا الجوازات أوراقا مزورة بما فيها ورقة الهوية. ويؤكد وجود توقيع وزير الداخلية الأفغاني، ورئيس إدارة الجوازات، عمر صبور، على الجواز أنه مر عبر جميع الخطوات القانونية، في حين لم تزر المرأة أفغانستان بتاتا، كما يؤكد المصدر.

وبسبب التفاصيل السابقة، واجه الأفغان مشاكل كثيرة في الحصول على تأشيرة الإمارات، كما يقول المركز الأفغاني للإعلام والدراسات، إذ طلبت دولة الإمارات من الأفغان جوازات سفر جديدة وإلكترونية مصدقة من وزارة الخارجية الأفغانية.

وتحتل أفغانستان المرتبة الأولى في تصنيف الدول الأكثر سوءاً من ناحية جوازات السفر، وذلك نتيجة للمشكلات التي تواجه حامله في حال قرر الحصول على تأشيرة سفر، منذ 2013، بحسب تصنيف دليل "Henley & Partners".



اقرأ أيضا:
الأفيون في أفغانستان.. وقود الحرب في معقل طالبان

تجارة رائجة

توكد إحصائيات إدارة الجوازات في كابول، أن ما بين 5 آلاف إلى سبعة آلاف شخص تقريبا، يراجعون الإدارة بشكل يومي، في ظل انعدام الإمكانيات الكافية لتلبية طلباتهم، مما يطيل فترة استخراج الجوازات الإلكترونية إلى عدة أشهر في بعض الأحيان.

وبحسب مصدر مسؤول في الإدارة فإن ارتفاع عدد المراجعين ضاعف من حجم عمل مافيا السمسرة، التي تعمل بشكل أساسي على تلقي رشى، مقابل استخراج الجواز بطرق غير قانونية وتسريع موعد صدوره.

ووفقا لما وثقه معد التحقيق، فإن عملية طباعة الجوازات تقتصر على المركز الرئيسي في العاصمة الأفغانية كابول وتغيب عن بقية الأقاليم، مما يعد سببا هاما في تأخر عملية استخراج الجوازات، ويدفع الكثيرين إلى التعامل مع سماسرة يحصلون على رشى يتقاسمونها مع موظفين فاسدين، وهو ما حدث مع محمد رشيد، أحد سكان إقليم قندهار، الذي انتظر 5 أشهر للحصول على جواز السفر، لكثرة أعداد المراجعين في إدارة الجوازات في كابول مما دعاه إلى دفع 500 دولار أميركي لأحد المسؤولين عبر وساطة أحد السماسرة، ليتمكن من الحصول على الجواز في يده خلال أيام قليلة.

الجواز الإلكتروني لم يمنع الفساد

رغم بدء مشروع الجوازات الإلكترونية في أفغانستان منذ عام 2012، إلا أن الجوازات المكتوبة باليد ما زالت صالحة للاستخدام، وتمدد الحكومة فترة صلاحيتها، تارة بعد أخرى نظرا لعدم إمكانية منح الجوازات الإلكترونية لجميع الأفغان.

ويؤكد رفيق الله محمد، وهو مسؤول في إدارة الجوزات، لـ"العربي الجديد"، أن جوازات السفر المكتوبة باليد صالحة للاستخدام حتى نهاية العام الجاري، متوقعا تمديد الأمر لأن منح الجوازات الإلكترونية لجميع المواطنين، في أفغانستان، غير ممكن في ظل الإمكانيات الضعيفة. ويؤكد محمد أن الحكومة أوقفت منح أية جوازات مكتوبة باليد في الوقت الحالي، فيما يستمر العمل بتلك المكتوبة باليد الممنوحة في فترات سابقة.

تؤكد الحكومة الأفغانية عدم قدرتها على توزيع بطاقات الهوية الإلكترونية للحد من البطاقات المكتوبة باليد، فيما أدى تعثر مشروع البطاقات الإلكترونية، بسبب الخلافات السياسية، إلى تزايد ظاهرة فوضى جوازات السفر، ومما يدعم من استمرار عمليات الفساد، غياب القوانين والتحقق خلال مرحلة منح الجواز من صحة بطاقة الهوية، كما يقول خالد مسعود الخبير القانوني.

وبحسب ما وثقه معد التحقيق، فإن استخراج بطاقة الهوية الوطنية المكتوبة باليد في أفغانستان يتم مقابل 500 أفغانية (8 دولارات أميركية). يقول محمد نجيب، أحد العاملين المتقاعدين من إدارة بطاقات الهوية: "الفساد الموجود في إدارة البطاقات يمهد للفساد في إدارة الجوازات، استخراج البطاقة لا يحتاج إلى شيء سوى إلى إحضار الصور، وإدراج المعلومات في السجل. لذا كثير من الأجانب حصلوا ويحصلون على البطاقات أولا، وعلى الجوازات ثانيا."

ويتابع "كان الأفغان يتوقعون القضاء على الفساد الموجود في هذه الإدارة، بعد بدء مشروع البطاقة الإلكترونية، إذ إن الجوازات، سواء كانت إلكترونية أو مكتوبة باليد، تمنح على أساس البطاقة الوطنية".

اقرأ أيضا: قضاء أفغانستان [2/2]..رشاوى أقل ومحسوبيات في محاكم "طالبان"

محاولات مواجهة الفساد

يبذل رئيس إدارة الجوازات، العميد عمر صبور، جهودا حثيثة لاستئصال جذور الفساد الموجود في الإدارة، ويؤكد مراجعون التقتهم "العربي الجديد" أن العميد صبور معروف بالصدق والإخلاص، ولكن محاولاته باءت بالفشل لقوة المافيا التي تسيطر على جميع مناحي هذه الإدارة، والتي تتمتع بعلاقات قوية بكبار المسؤولين في الحكومة وأعضاء البرلمان ومجلس الشيوخ.

ويؤكد مصدر في إدارة الجوازات، أن العميد صبور يمر بشكل شبه دوري على كل المراجعين صباحا، يبين لهم كيفية الخطوات القانونية من أجل الحصول على الجواز، ويستحلفهم بالله أن لا يدفعوا لأحد من المسؤولين أو السماسرة المتواجدين أمام الإدارة قرشا واحدا مقابل تسهيل العملية.

ولكن الرجل غير قادر على منع العملية بالكامل، مما أدى إلى تمدد الظاهرة، وإلى حصول العديد من الباكستانيين على جوازات السفر الأفغانية، التي كانت تحظى بفرص القبول في العديد من الدول الأوروبية، وكذلك الطاجيك وأبناء تركستان الشرقية، الذين يخشون من الملاحقات القانونية في الصين، ومن بين تلك الحالات محمد قاسم، الذي درس في إحدى جامعات مدينة كراتشي الباكستانية بجواز سفر أفغاني، وعقب تغيبه عن الجامعة اكتشفت عائلته بعد قدومها إلى مقر الجامعة، سفره إلى سورية للمشاركة في القتال الدائر هناك.
دلالات