التقاوي الفاسدة... الأمن الغذائي المصري بيد الشركات المستوردة

06 فبراير 2019
المزارعون المصريون يعانون من التقاوي الفاسدة (العربي الجديد)
+ الخط -
اعتاد المهندس السيد حتاتة وعائلته التي تملك 30 فدانًا في محافظة كفر الشيخ، على زراعة الطماطم سنويا، وخلال العام الماضي بدأ لأول مرة في تجريب صنف التقاوي المقاوم لفيروس تجعد الأوراق واصفرارها المعروف بـ"023" من أجل زيادة الإنتاج.

بالفعل وصلت زيادة إنتاج الطماطم حينها إلى 100%، ما أغراه بمعاودة الزراعة مرة أخرى هذا العام، بعد شراء نفس الصنف من الشركة المُنتِجة ذاتها، وزرعه خلال فترة الذروة الصيفية التي تستمر من يونيو/حزيران حتى أغسطس/آب، أملا في الحصول على إنتاج العام الماضي، لكنه فوجئ وقت حصاد المحصول بتجعد أوراق شجيرات الطماطم وعدم تفتح أزهارها، وبلغ حجم الإنتاج 10% فقط من العام قبل الماضي، رغم أن الفدان الواحد كلفه ما بين 40 ألف جنية و50 ألف جنيه مصري ( 2239 دولاراً أميركياً وحتى 2799 دولاراً) وفق تأكيده لـ"العربي الجديد".

يعد حتاتة واحدا من بين 400 مزارع اشتروا الصنف نفسه بعد دعاية أكدت أنه مطور جينياً ومقاوم للفيروسات، بيد أن آمالهم خابت بعد اكتشافهم إصابة المحصول بالفيروس بشكل كامل.


التقاوي الفاسدة

تستورد مصر ما بين 93% و95% من تقاوي الخضر رغم أن مصر، ليس لديها مشكلة في إنتاج تقاوي المحاصيل الاستراتيجية مثل الأرز، والقطن، والقمح، بحسب تأكيد الرئيس السابق للادارة المركزية لإنتاج التقاوي بوزارة الزراعة الدكتور عبد الحميد شحاتة.

ويؤكد تقرير رسمي صادر عن معهد بحوث أمراض النبات بوزارة الزراعة في 14 أغسطس/ آب الماضي أن نتائج الفحص المعملي لعينات الخضر التي تم جمعها من حقول المزارعين، أثبتت وجود فيروس تجعد واصفرار بالأوراق. وذكر التقرير ذاته الذي اطلعت عليه "العربي الجديد" أن النباتات المزروعة خلال يوليو/تموز الماضي ظهرت عليها أعراض الإصابة الفيروسية من التفاف وتجعد واصفرار للأوراق، ما أدى إلى تقزم النباتات والبراعم الحديثة وبالتالي وقف النمو الخضري والزهري، ولا يوجد عقد وإثمار و"انعدام المحصول"، كما أن النباتات التي زرعت خلال شهر مايو/ أيار، وبداية يونيو/ حزيران تلاحَظ عليها أعراض الإصابة الفيروسية.

وشكل معهد بحوث أمراض النباتات الذي أصدر التقرير الموقع من مديره الدكتور أشرف السعيد خليل، لجنة مكونة من الدكتور عمرو أحمد عبد الرحيم المتخصص في الأمراض الفيروسية، والدكتور ألفونس زاخر من معهد بحوث البساتين، لأخذ عينات من عدد من مزارع الطماطم المصابة بإصابات فيروسية، كشف من خلالها، ظهور أعراض إصابة متأخرة وإصابات فيروسية شديدة لكل النباتات، منها مثلا إصابات بنسبة 85% في مزرعة أحمد فريد عمارة على مساحة 11 فدانا، كما رصد التقرير إصابات شديدة للطماطم وأعداد حشرات غزيرة، ومظاهر التفاف وتجعد واضح لأوراق الطماطم المزروعة بصنف 023.

وبين التقرير ذاته إصابة شديدة بالفيروس نتيجة لزيادة أعداد حشرات الذبابة البيضاء في مزرعة محمد ثابت زويل على طريق العلمين بوادي النطرون على مساحة 43 فدانا. ورصد التقرير إصابات شديدة على النباتات، منها التفافا للأوراق وتجعدها فضلا عن اصفرار نباتات أخرى في مزرعة الصافي مصطفى حسن على طريق العلمين بوادي النطرون على مساحة 103 أفدنة.

ويقول الدكتور إلهامي الأسيوطي، الأستاذ بمعهد بحوث أمراض النبات، إن هذه التقاوي أصيبت بمرض فيروسي ليس له علاج، ومن أعراضه تجعد أوراق الشجيرات، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن الفيروس يؤثر بشدة على إنتاجية النباتات المصابة، والأخطر أنه لا يصيب الطماطم فقط، بل يؤثر أيضا على العائلة الباذنجية التي تضم البطاطس والفلفل أيضا، وهذا التأثير على الإنتاجية يتوقف على درجة الإصابة، لكنه يشير إلى عدم وجود أي تأثيرات ضارة على صحة الإنسان.

ويؤكد أن التقاوي الفاسدة لها تأثير كبير على انخفاض الإنتاج الزراعي مما يؤثر على الاقتصاد الزراعي في مصر بشكل عام، مشددا على ضرورة الحذر، حتى لا ينتقل الفيروس إلى المحاصيل الأخرى، وهو ما يستدعي مقاومة المرض من المنبع أي من مكان وجوده في المشتل، حيث تصاب الشتلات نفسها من خلال الذبابة البيضاء، مضيفا أن هناك أصنافا مقاومة وتعرف بالأصناف الهجن، يمكن زراعتها لأنها تتحمل الإصابة بدرجة ما.


احتكار الاستيراد

تعرض حتاتة وغيره من مزارعي الطماطم لعملية غش تجاري وفق تأكيد تقرير من وزارة الزراعة حصلوا عليه كما يقول، مضيفا أن الفيروس أدى إلى تقليل الإنتاج، علما أن الإصابة في أول 40 يوماً من الزراعة تؤدي إلى تدمير المحصول بنسبة تزيد عن 95% ويفقد النباتات الإثمار تماماً.

ولم تتخذ مصر إجراءات تحد من سيطرة الشركات الرأسمالية على صغار المزارعين منذ الانضمام إلى اتفاقية الـ"تريبس" (حماية الحقوق الفكرية)، إذ تحدد هذه الشركات الأسعار التي تريدها دون رقابة حقيقية من جانب الدولة، خاصة مع فساد شركات القطاع الخاص المتورطة في استيراد تقاوي الطماطم الفاسدة من الخارج، بحسب تأكيد أستاذ الاقتصاد الزراعي بمركز بحوث الصحراء التابع لوزارة الزراعة الدكتور شريف فياض، الذي قال لـ"العربي الجديد" إن صناعة التقاوي تحتاج إلى تكنولوجيا حديثة، وتحكمها اتفاقيات دولية مثل اتفاقية التريبس التي تعطى الحق لشركات إنتاج التقاوي العالمية في وضع صفات وراثية تجعلها صالحة لمرة واحدة فقط، وهو ما يكرس الاحتكار التجاري لهذه الشركات، ويؤدي إلى استغلال صغار المزارعين، مشددا على ضرورة الحد من سيطرة القطاع الخاص على محاصيل استراتيجية تعد غذاءً للفقراء مثل البطاطس، والطماطم.

ويصف وزير الزراعة الدكتور عز الدين أبو ستيت أرباح الشركات العاملة في استيراد التقاوي "بغير مقبول" قائلا: "نستورد 98 من تقاوي الخضر بمليار دولار تقريبا"، مضيفا أن "محدودية الشركات المستوردة، تؤدي إلى زيادة هامش الربح لدى الشركات"، وهو ما يرفضه الدكتور شريف فياض قائلا "إن وضع مصائر الشعوب في يد كبرى الشركات والشركات متعددة الجنسيات يؤدي إلى استغلال صغار المزارعين"، مشيراً إلى أهمية التقاوي خاصة في محاصيل استراتيجية مثل القمح، والذرة، والأرز، والبطاطس، والطماطم، في الأمن الغذائي للشعب المصري.



اللجوء إلى القضاء

يؤكد المهندس حتاتة، المتحدث باسم المتضررين من التقاوي الفاسدة لمحصول الطماطم للصنف 023 أنهم قاموا برفع دعوى قضائية ضد الشركة المستوردة لمحصول الطماطم بسبب خداع المزارعين من خلال تأكيدها لهم أن الصنف 023 مقاوم لفيروس تجعد الأوراق وهو ما أثبت الواقع عدم صحته بعد الخسائر الناجمة عن إصابة الفيروس به كما يقول، لافتا إلى أنهم حرروا محاضر جماعية ضد الشركة المستوردة لتقاوي الطماطم بنيابة وادي النطرون، ومن هذه المحاضر المحضر رقم 3159 إداري النوبارية، والمحضر رقم 3205 إداري النوبارية، والمحضر رقم 3206 لسنة 2018 إداري النوبارية، وتابع "باعتباري متحدثا باسم المزارعين المتضررين أؤكد على مقاضاة الشركة المستوردة للحصول على التعويض اللازم نتيجة الخسائر الفادحة التي تعرض لها المزارعون وأصحاب المشاتل".


عوائق أمام إنتاج التقاوي في مصر

على الدولة ألا تتخلى عن دورها تجاه صغار المزارعين بالرقابة على واردات التقاوي من الخارج وفق تأكيد الدكتور فياض، مشيرا إلى ضرورة زيادة المخصصات المالية لمراكز البحوث الزراعية، لدعم قدرتها على إنتاج التقاوي المحسنة، وفق نص الدستور الذي يلزم الدولة برفع مخصصات البحث العلمي طبقا للمستويات العالمية، مع استثمار الدولة في تكنولوجيا التقاوي، ودعم دور اتحادات الفلاحين في مواجهة استغلال التجار.

وطالب الدكتور شحاتة بوضع خطة لمدة 3 سنوات على الأقل لاستنباط أصناف جديدة من تقاوي الخضر مع استغلال مشاتل قطاع الإنتاج التابعة لوزارة الزراعة لزراعة هذه التقاوي وإنتاجها، مؤكدا على أهمية قيام شركات القطاع الخاص بالتعاون مع وزارة الزراعة لإنتاج التقاوي المستوردة على الأراضي المصرية مع إعطاء حوافز لمن ينتج هذه التقاوي داخل مصر، وأوضح أن الإدارة المركزية لإنتاج التقاوي بوزارة الزراعة تحكمها لائحة ولا يجوز استمرار الاستيراد بينما يوجد معهد بحوث البساتين التابع للوزارة والذي بإمكانه تطوير أصناف جديدة للتقاوي.



لكن وكيل معهد بحوث البساتين بمركز البحوث الزراعية الدكتور محمد محمود والمدير السابق للمركز يؤكد وجود عوائق متعددة أمام برامج إنتاج تقاوي الخضروات داخل مصر، منها الإمكانات المادية التي تقف عقبة أمام نجاح إنتاج تقاوي الخضروات وتحقيق المستهدف منها، وكيفية توفير العمالة الفنية المدربة، وعدم توافر جينات ومصادر آباء وأمهات السلالات لكل صنف، لافتا إلى أنه "للتغلب على ذلك تم التوقيع على بروتوكول تعاون في شهر يونيو/حزيران 2017 مع معهد الأصول والزهور والخضر الصيني في بكين، لإنتاج سلالات من تقاوي الخضروات" كما يقول، مضيفا أن هذا يتطلب التدخل من قبل رجال الأعمال لتوفير الدعم اللازم لعملية صناعة التقاوي، مستدرك بالقول: "هناك عروض مقدمة من بعض شركات القطاع الخاص لإنتاج التقاوي بالتنسيق مع الوحدات الإنتاجية داخل المعهد، والتي تخضع لإشراف الجهاز المركزي للمحاسبات، حيثُ يتم إعطاء الصنف لشركة واحدة لإنتاجه، أو لمجموعة شركات حسب بروتوكول التعاون مع هذه الشركات، ونأمل في إنتاج مصر لتلك البذور الهامة لأمنها الزراعي".