أصغر فرهادي..نعم للسينما، لا للحرب

08 يونيو 2016
المخرج الإيراني أصغر فرهادي في مهرجان كان (Getty)
+ الخط -
تحتل السينما الإيرانية مكانة بارزة في خريطة السينما العالمية، فأسماء المخرجين الكبار مثل عباس كيارستمي وبهرام بيضايي ومجيد مجيدي وداريوش مهرجويي، صارت معروفة ومنتشرة. ولا يشذ عن هذه "القاعدة" المخرج وكاتب السيناريو أصغر فرهادي (1972)، فقد حصل فيلمه "البائع" في الدورة التاسعة والستين لمهرجان كان السينمائي على جائزتين اثنتين: جائزة أفضل سيناريو وجائزة أفضل ممثل.

وتبدو قصة الفيلم أدنى إلى أمثولة؛ فالمكان هو شقة في طهران في بناء على شفير التداعي، يقطنها زوجان شابان: عماد (يؤدّي دوره الفنان شهاب حسيني) ورعنا (تؤدّي دورها الفنانة ترانه عليدوستي). يرغب الزوجان في الهرب، وكذلك باقي قاطني العمارة، خوفاً على حياتهما. إلا أن البناء لا ينهار، وتبقى شقة الزوجين صامدة خلا صدع كبير في جدرانها، يبدأ الغاز بالتسرب إليه. تلك الظروف المفاجأة، تدفع الزوجين للانتقال إلى شقة كبيرة قديمة ومفروشة. يسأل الزوج لماذا ترك المستأجر القديم أغراضه ولم يأخذها، فيأتي الجواب لأن المستأجرة السابقة كانت ذات سمعة سيئة. يلقي الجواب ظلالاً ثقيلة على حياة الزوجين، وبشكل خاص على الزوجة. إذ حين كانت وحيدة في الشقة سمعت صوتًا خالته صوت زوجها وراحت تحادثه، إلا أن الشخص الغامض سيترك رعنا مضرجة بعدما أوسعها ضربًا. تنجو الزوجة الشابة من الموت، إلا أن الحادثة تترك أثرًا لا يمحى فيها، فتصاب برهاب الوحدة، وتطلب من زوجها ألا يذهب لعمله لئلا تبقى وحيدة.

وإذ انشغل الزوج بـ الذي" خرّب حياته على هذا النحو، يمرر الفيلم رسالة تقول أيضًا إن مشكلة عماد الأساسية هي محاولة كبح جماح الاغتراب والانعزال اللذين تعاني منهما زوجته. لكنّ الحالة تتحوّل من الانتقام إلى وسواس قهري يؤدّي إلى زيادة أزمة الزوجة. وتلك الحالة النفسية المعقدة التي يعاني منها الزوجان، تجعل درامية السيناريو وطريقة تصويره مفعمة بالتوتر ومدمّرة.
في هذه "اللوحة السينمائية"- كما يصف الناقد الكندي إريك مولر الفيلم - يشرّح فرهادي مشاعر إنسانية مختلفة مثل الغضب والانتقام والذلّ والفخر والعفو، كما يفحص التقاليد السائدة في المجتمع الإيراني. إذ ثمة في فيلم "البائع" تناص مع أعمال سينمائية أخرى، مثل فيلم "البقرة" للمخرج داريوش مهرجويي و"حقائق عن ليلى بنت إدريس" للمخرج والمسرحي وكاتب السيناريوهات بهرام بيضايي، كما يقيم خاصة علاقة حوارية تناصية مع مسرحية موت بائع متجول Death of a Salesman للمسرحي الأميركي الشهير آرثر ميلر. وقد علّق المخرج فرهادي عن ذلك قائلًا: "ثمة تلك العلاقة الاجتماعية - وليست الأخلاقية - بين مسرحية ميلر وفيلمي. فلو تذكّرتم مستهلّ مسرحية ميلر، ترون أنها تصف مدينة نيويورك وقد تغيّر كلّ شيء فيها بسرعة قصوى، وهذا الوضع الذي تصفه المسرحية، يحدث الآن في طهران، فهي تشبه نيويورك من هذه الناحية. فنحن نُحَدّث ظاهر المدينة بسرعة جنونية وقد تملكتنا الرغبة العارمة لتحديث كلّ شيء، من دون أن يكون لدينا الوقت والتروّي لنتكيف مع هذه السرعة. لكن، ما نراه مجرّد قشور، لجوهر تقليدي. إذ إن الشخصيتين الرئيستين في الفيلم منشغلتان بالتمثيل على خشبة المسرح بوصفه نشاطاً حداثياً، إلا أننا نرى في نهاية الفيلم كيف أن هؤلاء العصريين الحداثيين يتعاملون مع الواقع المعيش بعقلية تقليدية".

ويشرح أصغر فرهادي كيف أن فكرة الفيلم خطرت في باله حين كان في إسبانيا، في خضم مشروع سينمائي لإنتاج فيلم جديد آخر هناك، لكنّه لم يتمكّن من مقاومة قصة البائع وعاد إلى إيران بسرعة، لإنجاز "البائع"، مؤجلاً مشروع فيلمه الآخر في مدريد إلى الخريف القادم: "حين خطرت قصة فيلم البائع الأولية في ذهني، وجدت الفرصة مناسبة لتأجيل ذلك المشروع سنةً واحدةً. إذ كنت مشتاقاً إلى العودة إلى إيران. كما أنّ القصة الجديدة كانت قد استحوذت على تفكيري".
وغب حصوله على الجائزتين، لم ينسَ فرهادي إرث السينما الإيرانية إذ قال: "هذا النجاح احترام للسينما الإيرانية. في هذا الفيلم إشارة إلى فيلم آخر - يقصد فيلم البقرة للمخرج داريوش مهرجويي - هو من روائع السينما العالمية. وربما لم يشاهده كثير من الذين يتوجب عليهم ذلك. هاتان الجائزتان إجلال لجميع مبدعي الأفلام السينمائية في إيران، سواء الذين قدّموا الكثير قبل الثورة ـ وللأسف لم يتمكنوا من مواصلة طريقهم بعد الثورة ـ أو الذين أبدعوا بعد الثورة. هذا النجاح إجلال للسينما الإيرانية ومبدعين عشقتُ مشاهدة أفلامهم السينما منذ كنت طفلًا".

ولم يخفِ الممثل شهاب حسیني الحاصل على جائزة السعفة الذهبية لأفضل ممثّل عن الفيلم مشاعره: "يصبح أبناء البشر أشدّ حناناً، وأكثر إثارة للحبّ، وأكثر قدرة على التفاهم، حين يجتمعون من أجل الثقافة والفنّ. لعلّ الثقافة والفنّ من أفضل بدائل الحرب، ولدي أمل كبير بعالم تغيب الحرب عنه إلى الأبد. عالم يحلّ مشكلاته عن طريق الثقافة والفنّ".
دلالات
المساهمون