"بلاغة الجمهور".. أضواء على القارئ

23 يوليو 2017
عماد عبد اللطيف في المحاضرة (العربي الجديد)
+ الخط -

تهتم معظم الدراسات النقدية والأدبية في العالم العربي إما بدراسة النص الأدبي وجمالياته وبنائه والسياق الذي أنتج فيه، أو بدراسة الكاتب وأسلوبه ولغته ورؤيته، بينما دراسة القارئ وتلقيه وتفاعله واستجابته للنصوص فهي مسائل نادراً ما تحظى باهتمام النقّاد والباحثين.

في محاضرته التي عُقدت الأسبوع الماضي، في "الجمعية المصرية للنقد الأدبي" تحت عنوان "من التلقي إلى الاستجابة.. نحو حقل معرفي جديد في دراسات الأدب"، قدّم عماد عبد اللطيف، أستاذ البلاغة وتحليل الخطاب، في جامعتي القاهرة وقطر، مشروعاً بحثياً لدراسة وتحليل استجابات جمهور الأدب.

افتتح عبد اللطيف محاضرته بالإشارة إلى أن ما يطرحه من تصوّر بحثي تحت عنوان "بلاغة الجمهور" يختلف عن نظريات القراءة والتلقي واستجابة القارئ التي ظهرت في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، حيث أن نظرية "بلاغة الجمهور" تهتم بالفضاءات العمومية والاستجابات الجماعية والاستجابات الفعلية والآنية للجمهور وعلاقتها بتشكل الخطاب والنص الأدبي، بينما نظرية "القراءة والتلقي" تُركز على الفرد وعلى تشكّل المعنى في ذهن القارئ.

يوضّح الباحث المصري أن نظرية "بلاغة الجمهور" تسعى لتدشين ممارسات بلاغية مغايرة لتلك المستقرة منذ أكثر من ألفية ونصف، عبر الانتقال بمجال اهتمام البلاغة من المتكلّم إلى المخاطَب، بحيث تضع في بؤرة اهتمامها الاستجابات اللفظية وغير اللفظية التي يُنتجها الأشخاص العاديون في سياقات تلقي الخطابات العمومية، وقد قصرت بلاغة الجمهور أُفق عملها خلال السنوات الماضية على دراسة استجابات الجمهور أثناء تلقي نصوص الحياة اليومية، وخطاباتها. لكن النمو المتسارع في استجابات الجمهور للنصوص والخطابات الأدبية، وبخاصة في الفضاءات التقنية، جعل من الضروري طرح تساؤل هو: ما الذي يمكن أن يجنيه دارسو الأدب من حقل بلاغة الجمهور؟

حدد عبد اللطيف مجموعة من الأسئلة المركزية التي يسعى لدراستها وهي: ما الاستجابات الفعلية التي يُنتجها متلقِ فعلي معيّن في سياق واقعي محدد؟ وما العلاقة بين استجابات الجمهور والبنية اللغوية والأسلوبية والجمالية للنص، وطريقة أدائه، ووسيط تداوله، وسياق تلقيه؟ وما العوامل المؤثرة في استجابات الجمهور؟ وكيف تُنتِج تأثيرها؟ وكيف يتفاوض الجمهور مع منتِج الخطاب حول مصادر القوة؟ وما دور استجابات الجمهور الآنية في توجيه الخطاب، وفي دعم أو مقاومة سلطة صاحب الخطاب؟ وما الاستجابات المحتملة الأكثر قدرة على مقاومة الخطاب السلطوي؟ وما أشكال الإكراه على الاستجابة؟ وكيف يمكن مقاومتها؟

ورغم أن "الجمهور" واستجابته هو المحور الرئيسي للمحاضرة إلا أن هذا الجمهور كان غائباً، وطغى على المحاضرة الطابع الأكاديمي، وكشفت أيضاً عن حالة من العداء بين التخصّصات الأكاديمية والبحثية في الجامعات المصرية، وتحديداً بين أساتذة البلاغة وتحليل الخطاب وأساتذة النقد الأدبي، حيث أبدى عدد من أساتذة وباحثي النقد الأدبي دهشتهم وعدم فهمهم لدواعي اهتمام عبد اللطيف بالأدب وجمهوره، رغم أن دراسته السابقة على مدار عشرين عاماً ركزت فقط على المجال السياسي والاجتماعي، وأشاروا إلى أن دراسة الأدب وجمهوره تحتاج لمتخصصين في النقد الأدبي وليس أساتذة بلاغة وتحليل خطاب.

في ردّه، أكد عبد اللطيف على أن ما يقدّمه من تصوّرات ما هو إلا محاولة تحتاج للنقد والتطوير، وهذا دور نقاد الأدب والعاملين في مجاله، مضيفاً أنه قدّم في هذا البحث مقترحاً لتأسيس حقل جديد في دراسات الأدب، يُعنى بدراسة استجابات جمهور الأدب العربي القديم والحديث، والمعاصر؛ سواء أكانت لفظية أم غير لفظية، فردية أم جماعية، مكتوبة أم مسموعة أم مرئية وغيرها.

يتوقع عبد اللطيف أن يكون هذا البحث نواة لعمل تحتشد فيه جهود الباحثين العرب بهدف الوصول إلى معرفة معمّقة باستجابات جمهور الأدب العربي.

المساهمون