استمع إلى الملخص
- **المعرض "ما بعد العاصفة" يضم أعمالاً تتنوع بين المناظر الطبيعية والمدن الخالية، مع خلفيات مذهّبة وزخارف باروكية، ويستمر حتى 6 أكتوبر.**
- **سامي، الذي عمل في رسم الجداريات الدعائية واستعادة الأعمال الفنية المنهوبة، يركز على تذكّر الماضي من خلال لوحات تجمع بين الواقعية والتجريد، مع توهجات من الألم والفوضى.**
تكاد صدمةُ ما بعد الحرب تُشكّل الثيمة الأساسية لجميع أعمال التشكيلي العراقي المقيم في لندن محمد سامي (1984)؛ حيث أثر العنف والخوف يتسلّل إلى أكثر الأماكن حميمية، ولا يمكن تجاوزه في الحياة اليومية، كما يُصوّر ذلك في معرضه الجديد "ما بعد العاصفة" بـ"قصر بلاينهايم" في لندن. يُضيء المعرض، الذي افتتح في التاسع من الشهر الجاري ويتواصل حتى السادس من تشرين الأوّل/ أكتوبر المقبل، التاريخ الشخصي وارتباطه بالذاكرة الجمعية. ورغم أنّه يرسم المناظر الطبيعية والديكورات الداخلية والمدن الخالية من السكّان، إلّا أنّ الأثر البشري حاضرٌ بطريقة أو بأُخرى.
تُعرض لوحات سامي في قاعات مذهّبة ومزخرفة. الهندسة المعمارية وورق الحائط المزخرف والصور الباروكية للدوقات والملوك تُشكّل خلفيةً تتناسب مع طبيعة الأعمال المعروضة؛ ومنها "البوّابة الشرقية" (2023) التي تُصوِّر مشهداً مستمدّاً من الطبيعة التي دمّرتها الحروب تحت سماء برتقالية، وتبدو ظلال المسجد الذي تحجبه الأشجار، وتتخلّل المشهد، الذي ينبعث من عاصفة ترابية، توهّجات بيضاء لأضواء الشوارع المتّصلة بأعمدة الكهرباء.
يتكرّر الضباب في العديد من الأعمال كنايةً عن الذكريات المتوارية
وهو في سنّ المراهقة، عمل الفنّان، المولود في بغداد، في رسم الجداريات الدعائية للنظام السابق، خلال الحصار الذي فُرض على بلاده لاثني عشر عاماً، ما يُفسّر نزوعه نحو رسم الأعمال الضخمة، كما عمل لفترة وجيزة في وزارة الثقافة العراقية في استعادة الأعمال الفنية المنهوبة، قبل أن يهاجر إلى السويد عام 2007.
ومنذ بداياتها، هيمنت العناصر الواقعية على تجربته، خصوصاً في تصويره الشكل الإنساني؛ نساءً ورجالاً، والأحصنة، وهي تحمل أبعاداً أسطورية مستوحاة من أساطير حضارات الرافدين، قبل أن يذهب نحو التجريد الذي يعتمد خطوطاً توحي بأثر تلك الأشكال التي لم تعُد ملامحها واضحة في اللوحة.
يتمحور المعرض حول تذكّر الماضي، وهو ما يُشير إليه سامي بقوله: "الرسم هو الوسيلة الوحيدة لفهم ما لم يعد موجوداً في الرسم بعد الآن"، إلّا أنّ عملية استرجاع هذا الماضي تكون غامضة ومقلقة وتمنح اللوحة قوّة غيبية، وهي في الوقت نفسه متّصلة بالواقع ممثَّلاً بالأحداث السياسية والاجتماعية التي وقعت في العراق.
يتكرّر الضباب في العديد من الأعمال المعروضة، وكأنها تصويرٌ للذكريات المتوارية، كما يُبرز سامي تصميمات داخلية لبيوت مهجورة، وأشكالاً غريبة للمقاعد والطاولات والأرائك والملابس، وفي بعض الأعمال محاكاة لتكوينات لدى فنّانين غربيّين؛ فالأشجار في "البوّابة الشرقية" تشبه رسومات الفنّان الإنكليزي كابابيليتي براون (1716 - 1783). أمّا لوحة "الطاحونة" (2023)، التي نفّذها سامي بوسائط مختلطة على الكتّان، فتُذكّر بشكل بالطواحين التي رسمها فان غوغ، لكن سامي يُركّز على مشاعر الألم والفوضى التي تجتاح الواقع، بينما تعكس لوحة "ما بعد العاصفة"، التي يحمل المعرض عنوانها، مشاهد العنف والدمار، بألوان باهتة لثقوب ناتجة عن إطلاق الرصاص.
حاز محمد سامي درجة البكالوريوس من "معهد الفنون الجميلة" في بغداد، ثمّ درجة الماجستير في الفنون الجميلة من "كلّية غولدسميث" في العاصمة البريطانية، وأقام العديد من المعارض في الولايات المتّحدة والسويد وفرنسا وبريطانيا.