قلما تذكر الكاتبة الأميركية جيرترود شتاين (1874-1946) من أجل كتابتها، وغالباً ما تذكر بسبب علاقاتها المشتبكة في الوسطين الثقافيين الأميركي ثم الفرنسي، حيث انتقلت إلى العيش في باريس عام 1903، وكمقتنية للفن، وليس هناك من مجانبة للصواب لو وصفت بأنها ثرية مثقفة مهتمة بالاقتناء وكذلك بتكوين علاقات مليئة بالصداقة والعداوة والسجال مع الفنانين والروائيين.
أصبحت شتاين أكثر شهرة حين كتبت صديقتها وشريكتها أليس توكلاس سيرتها الذاتية في ستة أسابيع في خريف 1932، وها هي تعود إلى الضوء بعد أن طواها النسيان من خلال كتاب يتضمن سيرتها كاملة بتفاصيلها وخفاياها، بكارهيها ومحبيها، بسنواتها الذهبية وحتى وقت رحيلها، وهذه السيرة التي صدرت مؤخراً عن دار "غاليمار" من تأليف فيليب بلانشو.
يشرح بلانشو كيف أن توكلاس كانت "الشاهد المثالي" في سيرتها الذاتية لجيرترود شتاين، وأن مدوّنتها تصلح مقدمة جيدة لعمل جريء حول شخصية غريبة في الوسط الثقافي الفرنسي في سنوات الطليعيين والمجانين في الفن والأدب، ويصفها بأنها امرأة لديها "شهية قوية للحياة"، "أظهرت رغبة شديدة في الحفاظ على كل ما يغذي متعتها".
جمعت صداقات مختلفة بين فيتزجيرالد وكتّاب أشهرهم هيمينغواي، ولم تكن في البداية تكترث بحياة الرسامين، وبعد أن سافرت إلى باريس مع شقيقها ليو بدأت تقتني لوحات لوتريك، وغوغان، ورينوار، وموريس دينيس، وسيزان، وماتيس، ثم كان بيكاسو الفنان الذي اعتبرته الأول، بينما كان شقيقها مخلصاً لماتيس.
لشتاين محاضرات تنظر فيها حول الأدب والفن والعاطفة الخاصة التي حملتها لعدد قليل من الكتّاب والفنانين ومنهم جميس جويس، والفنان خوان غري الذي رحل شاباً، كما أن لديها بحسب بلانشو نظريات حول العبقرية الإسبانية في الفن، أما نظرياتها السياسية فوفقاً لوصف المؤلف "غير موثوقة على الإطلاق ولا حتى مثيرة للاهتمام".
لم تكن شتاين تقدر على الحديث في مكان عام أو إلى صحيفة من دون أن تقع في الأخطاء وسوء التقدير، مثلما حدث حين وصفت هتلر في مقابلة مع "نيويورك تايمز" بأنه "رومانسي ألماني". وكانت هي وأليس توكلاس يهوديتان وأجنبيتان في فرنسا، ولم يكن يبدو عليهما القلق، فقد عاشتا بثروتهما محميتين من قبل برنارد فاي.
الكتاب يستند إلى مقابلات أجرتها شتاين وإلى ذكرها في سير كتّاب وفنانين عاصروها، وإلى مراسلاتها مع أصدقائها وعائلتها وإلى الصور والأعمال التي اقتنتها وظروف اقتنائها وما يتوفر من سيرتها مثبتاً وموثقاً لا سيما مذكرات توكلاس.