فجر يبزغ بلا أُكسجين

27 مارس 2016
عمل لـ ستيف سابيلا
+ الخط -

عن الشاشة تقوم. تحرّك الملعقة في كوب الشاي، وبغتة تنتبه: الطائر السكران يعبر من الشرفة، بباب المطبخ يرتطم، ثم يتلاشى في الممرّ. دم على البلاط. ريشة تدعسها بقدمك. ذقن نابتة في المرآة. ليس سيئاً أن تهرب إلى المترو الآن.

أيتها الطيور فوق أسلاك الضغط العالي، يا شعبي. أيتها الشجرة بتمام الصحة داخل مربّع صغير، يا اغترابي. أيها الله الأحد، لم أجدك في زحمة الأنبياء والرسل. وأنت يا بيكاسّو، أتعجبك بائعة المراوح في الرمبلا؟

ها أنت تشقّ الزحام وها هو يلاحقك: ماضٍ لا يمضي، كقطار في متحف. بينما دموعك تروي عطشك، فقط لو تزيح كتفَها هذه السيدة، فقط لو تتراجع أنت إلى الوراء حتى يمرّ هذا النهار، لو تمشي ببخّاخ الضباب، لتُزيل نتوءات المستقبل.

أمّا الأفارقة ببسطاتهم، المختبئون طويلاً في فم المترو هرباً من البوليس، ففي هذا الكرنفال وهذه البغددة، ربما عليهم التفكير في خيار آخر: نعمة الخروج واستخدام القبضَتين مثلاً.

ثم ها هم برشلونيّو أيامك أمامك: سعداء في المطاعم، معطوبون في السرير. ولو كان نوح إسبانياً وفكّر أن يُعيدها، لملأَ السفينة بال "خامون". على أن القيامة لا تحتاج إلى جنون نووي، يكفيها التهابُ ضرس.

وحين تركب السفينة إلى إيبيسا، يكون الظنّ أنك ستفرح، فهي "التجربة الأولى". بعد ساعة، من تأمّل صحراء الملح، تعتريك الرعدة. تغادر السياج المعدني، لا إلى قمرة النوم، بل نحو السياج المقابل. يأتون إليك فرادى وجماعات. وتطفو قامة محمود العبادي بعوده وبحّة صوته.

محمود الهشّ. محمود الوديع. ماذا فعلوا بحق الجحيم ليكونوا وجباتٍ للسمك؟ سبع ساعات من زبد وزرقة سوداء، وأنت تدوّر السؤال، عارفاً أن لا مجيب. وحين تصل أول الأرخبيل، نادماً تنزل، فيما فجرٌ من حولك يبزغ بلا أُكسجين.

بلى: ينبغي أخْذ الاحتلال إلى أريكة فرويد فوراً، إنه لا يحترم الحياة. وأجمل ما في الشعر: يحدثُ كل يوم ولا يُكتب بنفس الوتيرة. ومن حُسن التوفيق، أن اللاتينيات، حَبَتهن الطبيعةُ بأرداف معتبرة، لِيُجدن إدارتها في وجه أحفاد المستعمِرين. والحقّ، أنك تحبهن معاً، تقصد اللاتينيّات وأردافهن، حتى لو تفنّنَ بعضهن في خداع أحفادٍ لا ذنب لهم.

وعلى كل، محظوظ من يموت في بطن أمه، فلا يرى موتها. وجيد أن الواحد بكامل أعضائه، في 1/4/2015. والأجود بالطبع، أن يظلّ كذلك في اليوم ذاته بعد سنَتيْن. يا لها من أطماع! ثم إن انحسار النزعة الاستهلاكية لبشر القرن الحادي والعشرين، هو موضوع يجب أن يكافح من أجله الشعرُ أيضاً.

بعد ذلك، لا يهمّ إذا كنتَ عرفتَ مهاجراً قصّ أصبعه، لأنه دفع غالياً ثمن بصمته في المهجر الفقير. فهناك الآن، نوع جديد منهم يمكن تسميته بـ "ضحايا البصمة". هذا في الفن ميزة كبرى دونها خرط القتاد، وفي الحياة مصيبة من ذات الوزن.

المساهمون