في ستينيات القرن الماضي، شهدت العديد من المدن والمناطق التونسية صعود تجارب مسرحية عديدة لفرق محلية قدّمت رؤى ومضامين لا تقلّ في تطوّرها وسعيها إلى التجريب عن تلك التي برزت في العاصمة، وقد ظلّ هذا الحراك مستمراً حتى الثمانينيات.
رغم تأسيس العديد من التظاهرات المسرحية في الأطراف منذ التسعينيات، لكنها لم تتجاوز ما أُنتج في مراحل سابقة، كما يجري تنظيم الفعاليات في موسم محدد خلال العام، حيث تتركّز معظمها في آذار/ مارس ونيسان/ أبريل، ثم تتراجع في الشهور الباقية.
من بين تلك الفعاليات "مهرجان مسرح التجريب" الذي تنطلق فعاليات دورته الثانية والعشرين مساء بعد غدٍ السبت في "المركز الوطني للفنون الدرامية والركحية" في مدينة مدنين (500 كلم جنوب شرق العاصمة تونس)، وتتواصل حتى السادس والعشرين من الشهر الجاري، بتنظيم من وزارة الثقافة.
تُفتتح التظاهرة بمسرحية "ثورة الرضّع" لخالد اللملومي، والتي تتناول معاناة مريض في أحد مستشفيات مدنين، وتفاصيل الوضع الكارثي الذي وصل إليه القطاع الصحي، وقد تزامن عرض العمل، الذي تمّ الإعداد له قبل أشهر، مع الإعلان عن موت خمسة عشر رضيعاً بسبب خطأ طبي في "مستشفى الرابطة" في المدينة.
وتُختتم العروض بمسرحية "أنتلجنسيا" لنزار السعيدي، والتي تتطرّق إلى الموضوع نفسه، من خلال قصة شاب يدخل في مرحلة الموت السريري بسبب خطأ طبي فادح، وحين يحاول والده، الذي كان في السابق معارضاً، كشف الحقيقة يتعرّض إلى الابتزاز ومحاولة إغرائه بامتيازات مادية ليلتزم بالصمت.
من المسرحيات المشاركة أيضاً: "سر الحياة" لحمزة بن عون، و"كوميديا" للكيلاني زقروبة، و"مدام م" لآسيا الجعايبي، و"سوق سوداء" لعلي اليحياوي، و"جويف" لحمادي الوهايبي، و"القبلة" لمنير العرقي.
كما يعقد "المركز الوطني للفنون الدرامية والركحية" بالاشتراك مع "الجمعية التونسية للنقد المسرحي"، على مدار ثلاثة أيام متتالية، ندوة فكرية تحت عنوان "إشكالية التجريب في المسرح التونسي".
تتضمّن الندوة مداخلة لحاتم التليلي المحمودي حول "الميتانصية: وله الكتابة على الأنقاض"، وأخرى لمحمد عبازة عن "توظيف الفرجة الشعبية في المسرح التونسي"، ويتسائل كمال العلاوي "هل يوجد مسرح تجريبي في تونس؟"، ويتحدث فتحي العكاري عن تجربته في المختبر المسرحي، والأسعد بن حسين عن "التجريب في النص المسرحي: ضرورة أم رفاهية؟"، وأحمد حاذق العرف عن "سؤال التجريب في المسرح التونسي"، وفوزية المزي عن "التجريب في المسرح التونسي: مشغل الأداء ما بعد الدرامي في ثلاثية: تسونامي، وعنف، وخوف للمسرح الوطني".