محمد علي باشا.. تمثّل الدين والقانون في السياسة

07 مارس 2018
(تمثال محمد علي باشا في الإسكندرية، تصوير: سليمان خليل)
+ الخط -
لا يزال النظام السياسي الذي أرساه محمد علي باشا في حكمه لمصر محطّ اهتمام الباحثين في حقول متعدّدة، حيث يرى كثير منهم أن إدارته المتطورة لا يمكن حصرها فقط في بناء جيش قوي ومنظومة تعليمية معاصرة في المرحلة التي عاشها.

إذ تناولت بعض الدراسات مؤخراً التخطيط العمراني والمديني وعلاقة ذلك بالسلطة كما في كتاب "القاهرة الخديوية" لـ سهير زكي حواس، أو تأسيس الصناعة في مصر الحديثة لدى صلاح أحمد هريدي في كتابه "الحرف والصناعات في عهد محمد علي"، أو تلك التي عاينت الأنظمة وإدارة الحكم مثل "محمد علي باشا ودوره في إدخال القوانين الأوروبية مصر" لـ محمد وفيق زين العابدين.

"التوظيف السياسي للدين والقانون في مشروع محمد علي" عنوان دراسة صدرت للباحثة نجلاء مكاوي عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة، تناقش فيها محورية الدين في علاقة والي مصر بالدولة العثمانية، وكيف أضحى الدين مركز المعضلة التي واجهته عندما قرّر التمرّد على هذه الدولة، وكان من أدوات الطرفين في صراعهما.

تبيّن المؤلّفة استخدام القانون في الصراع بين محمد علي والسلطان العثماني، باعتباره وسيلة فاعلة اعتمدها في بناء مشروعه داخلياً، ولدعم الاستقلال والخصوصية في مواجهة السلطان، وكيف حاول هذا الأخير تحجيمه بها.

يعرض الفصل الأول "ضرورات الحفاظ على الطابع الإسلامي للحكم"، لكلّ ما يتعلّق بتمسّك محمد علي بالطابع الإسلامي للحكم، بوصف ذلك أحد مقتضيات وصوله إلى السلطة واستقرار الأمر فيها له، ومدى إدراكه ذلك، بما انعكس في كيفية مواجهته العقبات التي كان الدين ركيزتها، وحالت دون تنفيذه برنامجاً تغيير يمكّنه من السيطرة على البلاد، ومحاولته توظيف الدين في صناعة أيديولوجيا رسمية لدولته "الحديثة" في مصر.

في الفصل الثاني "القانون باعتباره تقنية سيطرة غير منضبطة"، أشارت مكاوي إلى أنه على الرغم من أنه كان قد مضى في تطبيق مفاهيم حداثية للسلطة تمثلت في إقامة أبنية ومؤسسات، واتباع أساليب تنظيمية جديدة، وبناء الجيش، فإن تصوره للسلطة قام على الغلبة؛ الغلبة في إمكانية السيطرة الكاملة على البلاد ومَن فيها، وعلى تثبيت تلك السيطرة، فلم يغادر حالة العنف والعشوائية التي ميزت سلطة الحكام والولاة (حكام السياسة) العقابية بمقتضى الشريعة، فكانت طرائق العقاب وأشكاله قروسطية مقتصرة على صيغ مفرطة في العنف والإذلال والانتقام، ومجسدة لعلو سلطته فوق كل سلطة، وخاضعة لإرادته وتقويمه.

قالت مكاوي إن الكثير من الكتابات تنسب وحشية العقوبات حينذاك إلى "رجال الإدارة الذين تعسفوا في استخدام سلطتهم، وحملوا احتقاراً عنصريّاً للأهالي، فكانت النتيجة أن تنفيذ القانون في تلك الفترة عبَّر عن انهيار فكرة العدالة حتى في صيغتها الكلاسيكية. أما محمد علي، فكان يريد تحديثاً قائماً على الترشيد والعقلانية، وحاول إرغام الجميع عليه، بمن فيهم نخبته الحاكمة، لكن المشكلة كانت فيها". تضيف أن هذا تفسير تنفيه تصوّرات محمد علي وأوامره بوضع عقوبات لجرائم كثيرة.

يقف الفصل الثالث "تطور التشريع الجنائي وعلاقته بمشروع الحكم" على الأسباب التي دفعت محمد علي إلى تحديث القوانين الجنائية، وهو ما يعد أهم تجليات التحديث الذي قام به، ويتناوله البعض بصفته عملية انتقال كاملة من منظومة عقابية قديمة إلى أخرى استرشدت بالمنظومة العقابية الأوروبية الحديثة، لجهة الترشيد والعقلانية واختلاف وظيفة العقوبة ونمطها، أي بناء نظام قانوني أكثر انضباطاً قوامه الهيئات القائمة على وضع القانون وتنفيذه، وسن النصوص القانونية الحديثة التي تضمن له فاعلية أكثر في السيطرة.

بحسب مكاوي، فإن ما يوضح مسار التطور التشريعي وطبيعته هو الارتباك في مسار الانتقال، فما وقف وراء عملية التطوير كان مرتبكاً ومتغيراً، لذلك تساهم محاولة الاقتراب من التشريع الجنائي في عهد محمد علي في الوقوف على حدود التغيير في البنية القانونية، وبالتالي حدود التحديث.

يقدّم الفصل الرابع "الدين والقانون في الإطار العثماني"، قراءة واسعة ومعمقة لأداتية الدين والقانون في مشروع محمد علي وموقعهما في الإطار العثماني، إذ تناقش مكاوي محورية الدين في علاقته بالأستانة حينها، وكيف أضحى مركز المعضلة التي واجهته عندما قرر التمرد على الدولة، وكان أداة الطرفين.

المساهمون