البحث عن حنا مينة

31 اغسطس 2018
(حنا مينة)
+ الخط -

المؤسف أن يكون موت الكاتب أو الفنان أو الفيلسوف أو السياسي العربي هو المناسبة شبه الوحيدة التي ينبري فيها الكتّاب والصحافيون العرب للكلام عن المنجز الذي قدّمه الراحل.

ثمة مثل لدينا يقول إن الحيّ مطموع فيه، أما الميّت فتطول أذياله، وكلا الأمرين ظالم في التقدير الموضوعي. هكذا لقي حنا مينة صمتاً يشبه الصمت الذي آثر أن يختاره في العقد الماضي حين كان حياً، حتى إذا رحل عن دنيانا هذا الشهر شهد تأبينه ما يشبه العراك الذي كان محوره مواقف الكاتب السياسية، لا أدبه ورواياته، بحيث وجدنا من يقلل من قيمة أي عمل له استناداً إلى طبيعة موقفه من الثورة السورية، دون أن يقدّم أي واحد من المختلفين في الرأي شاهداً من أدب الروائي يؤكد مثلاً أنه ضد الثورات العربية، أو أنه من أنصار النظم الحاكمة.

وفي الحالتين، سوف تستخدم مواقف الروائي السياسية، مدخلاً للحكم على رواياته، حتى من قِبل من لم يقرأ تلك الروايات.

والحق أن حنا مينة لم ينل ما يستحق من النقد، وهذا هو حال الرواية السورية عامة، وأنا أتحدث هنا عن التقييم النقدي الضروري لنا جميعاً، وهو يتضمّن أمرين: الأول هو إيضاح دور حنا مينة ومكانته في الرواية السورية والعربية، بعيداً عن الألقاب والتعميمات، والثاني هو البحث عن آثاره في النصوص الروائية التالية للأجيال التي انخرطت في كتابة الرواية في سورية وفي العالم العربي.

ومن يتابع أعمال الكاتب سوف يرى أن معظم رواياته قد طُبعت أكثر من خمس أو ست طبعات، وأن هناك روايات له طبعت أكثر من ذلك، وأنه يمكن أن يكون من أكثر الكتاب الروائيين توزيعاً في العالم العربي بعد نجيب محفوظ، فهل انعكس حضور مؤلفاته من الناحية الإحصائية على الذائقة الفنية والفكرية للأجيال التي تقرأ الروائي، أم لا؟ وكل واحد من الجوابين يفترض أن يُدرَس حنا مينة بعيداً عن الحب أو النفور، وبعيداً عن السياسة، أو الانتماءات الحزبية.

أذكر أن حنا مينة كان بالنسبة لجيلنا، نحن الذين استهوانا الأدب في أواخر الستينيات من القرن العشرين، معلّماً في الحياة. وكانت صورة الحلاق الذي أضحى روائياً تثير خيالنا، كما كانت صورة الكاتب المناضل الذي يناهض الاستبداد، ويفرّ من البلاد، كي يختبئ ويكتب رواية الحنين التي سماها "الثلج يأتي من النافذة"، تعمّق إحساسنا بحب الوطن.

غير أن كل واحد من الكتّاب الذين كانوا شباناً في تلك السنوات اختار طريقاً مختلفة عن طريق حنا مينة في الكتابة، وقلّما كان الروائي يظهر في النتاج اللاحق، فلمَ لمْ يكن بوسع المعلّم في فن الحياة، أن يكون معلّما في فن الكتابة؟ أين ذهبت رواية حنا مينة إذن؟ وإذا لم نعثر على آثار الروائي في من جاء من بعده فإن السؤال التالي هو: لماذا؟ ومن حق حنا مينة علينا أن نسأل هذه الأسئلة وغيرها، ومن حقه علينا أن نبحث عن الأجوبة.


المساهمون