ضمن البرنامج المصاحب لمعرض "حياة متخيّلة في فترينة متحف" نظم "مركز الصورة المعاصرة" في القاهرة، الأحد الماضي، ندوة بعنوان "فوق الجميع .. المتغيّر والثابت في الخطاب الوطني السائد"، قدّمتها الباحثة في علم الاجتماع ريم نجيب.
تضمّنت الندوة طرح ثلاثة أسئلة رئيسية هي: كيف صاغ المصريون ماهية قوميتهم ووجودهم كأمة واحدة متمايزة عن غيرها منذ صعود الحركة الوطنية المصرية في بداية القرن العشرين؟ وما هى أبرز المتغيّرات والثوابت في بنية الخطاب الوطني على مدار القرن الماضي؟ وهل كانت الوطنية المصرية داعمة للديمقراطية والعدالة الاجتماعية أم معيقة لهما؟
في البداية، أشارت نجيب إلى أن مفهوم الوطنية المصرية ظهر عقب الحرب العالمية الأولى، وهو مفهوم صاغته النخبة والطبقة المثقفة، وتجلّت ملامحه في ثورة 1919، وشعاره الأبرز التحرّر من الاستعمار، بهدف الحصول على الامتيازات التي يُهيمن عليها المستعمر، دون إحداث أي تغيّر مجتمعي في ما يتعلق بالعديد من القضايا كالعدالة الاجتماعية والديمقراطية.
وأضافت "نشأة الوطنية المصرية كنموذج سلطوي ونخبوي، كرّس سردية أننا أمة واحدة وأزلية، وساعدها على بناء هذه الصورة وجود حضارة مصرية قديمة ما زال إرثها المعماري باقيا، ومع ثورة 1952 وصعود البرجوازية الصغيرة لقمة السلطة، اتسعت هيمنة الخطاب وأصبح أداة فاعلة بقوة في قمع أي حراك مجتمعي، بدعوى عدم وطنيته".
الندوة التي تزامنت مع لحظة فارقة يتصدّع فيها مفهوم "الوطنية" مع إصرار النظام المصري على التنازل عن جزيرتي "تيران" و"صنافير" للسعودية، شهدت حضوراً جماهيرياً كبير معظمه من الشباب، وعلى مدار ساعتين كانت هناك حالة من السجال والشعور بخيبة أمل كبير ليس فقط على ضياع الجزيرتين، ولكن على المشهد العام شديد القتامة الذي وصلت له مصر عقب ست سنوات من "ثورة 25 يناير".
في هذا السياق قالت نجيب "النظام الحاكم عقب ثورة 1952، أسّس شرعيته على فكرة حماية الأرض والوطن، ومن أبرز السمات التي مّيزت خطاب "الوطنية" خلال هذه الفترة، وظهرت بوضوح في الأغاني الدعائية للنظام، هي فكرة ربط مفهوم الوطنية بروابط الدم والعلاقات العائلية، مما جعل من الوطنية أمراً قدرياً وحتمياً، وليس مفهوماً قائماً على المشاركة والاختيار والحقوق والحريات والعقد الاجتماعي".
مع رحيل جمال عبد الناصر ووصول أنور السادات إلى الحكم في سبعينيات القرن الماضي، وعقد اتفاقية سلام منفردة مع العدو الصهيوني، وكذلك تبنّي سياسات الانفتاح الاقتصادي والتحالف مع الولايات المتحدة الأميركية، أصبحت فكرة "الوطنية" بصورتها القديمة مهدّدة بقوة، وصارت أكثر ارتباطاً بمفهوم الهوية الدينية.
توضّح نجيب أن ثورة 25 يناير 2011 فتحت الباب لتأسيس خطاب وطني جديد قائم على الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، إلا أن هذه الفرصة أُهدرت في ظل صراعات القوى السياسية والدينية، وتم إعادة إنتاج صورة سلطوية لمفهوم الوطنية تتعامل مع المؤسسة العسكرية بوصفها المعبّر الوحيد عن "الوطنية".
وقد شهدت السنوات الثلاث الماضية تغيّراً كبيراً في خطاب السلطة، بصورة أصبح فيها الشعب عبئاً على الدولة، وصار مفهوم الوطنية لا يحتمل هذا الشعب "الفقير" و"الجاهل" كما تراه السلطة، والذي وصفه عبد الفتاح السيسي في أحد خطاباته قائلًا: "انتم مش عارفين أنكم فقرا قوي"، وفي خطاب آخر "انتم عاوزين تأكلوا مصر".
وتُشير ريم أيضاً لواحدة من المفارقات الساخرة والمعبرة عن مدى ضيق السلطة ورغبتها في محو أي حضور للشعب حتى ولو بشكل رمزي، وهي تغيير اسم "مجلس الشعب" ليصبح "مجلس النواب"، للتأكيد على أن المجلس ملك للنواب وليس للشعب دور في انتخابهم ولا مساءلتهم.