"آيزو" الرواية العربي

15 ابريل 2016
عصام كرباج/ سورية
+ الخط -

ننتظر أن يضع الناقد العربي وصفة معيارية مناسبة لعدد الصفحات المسموح به للروائي كي يصنف عمله ضمن القوائم المناسبة للقراءة. إذ يتحوّل عدد من النقاد العرب إلى خياطين يفصلون حجم الرواية المقبول، أو عدد صفحاتها المسموح به.

وقد ساد هذا المزاج الغريب، الذي يقول إن الرواية القصيرة هي الرواية المثالية، وإن الرواية الكبيرة مترهلة وبدينة وتشير إلى عجز الروائي عن ضبط عمله، وميله إلى الثرثرة، في الكتابة النقدية، حتى بدا وكأننا لا نحبذ سوى وزن الريشة دون غيره في الرواية العربية.

واللافت أن الملاحظة النقدية العربية تحاسب الروائي العربي وحده، بمقاييس "الآيزو" الروائية. بينما تغفر للروائي الأجنبي أي منحى يمكن أن يختاره في الكتابة.

فـ "بحر الخصوبة" للياباني ميشيما رباعية مجازة بامتياز لا "يجرؤ" ناقد عربي على نخزها برأس قلم. و"جودت بك وأولاده" لباموق تبلغ صفحاتها الثمانمئة في الترجمة العربية. و"حرب نهاية العالم" لبارغاس يوسا تزيد عن سبعمئة صفحة في الترجمة العربية. بينما تبلغ رواية ماركيز "مئة عام من العزلة" خمسمئة صفحة، ولا تقل روايات ساراماغو عن مثيلاتها الأوروبيات حجماً.

وفي العادة فإن الناقد العربي يقرأ العمل الأجنبي بإذعان مثالي، يستسلم فيه تماماً أمام أي رواية مترجمة، ويعيد مخالفة الأصول وانتهاك القواعد إلى التجديد، والابتكار. بينما يبدو قادراً على نبش "الهنات" والمخالفات السردية، والخروج عن الخطوط الحمر، لدى الروائي العربي.

وأمام هذه المفارقات نستفسر: هل السؤال عن الحجم، سؤال عربي في الحقل الروائي، أم هو منقول عن الثقافات الأخرى؟ وإذا كان سؤالاً عربياً، فهل هو السؤال المرير الذي يشغل التجربة الروائية العربية؟ ألا تعترض الرواية العربية مشاكل وصعوبات فنية أكثر أصالة، وراهنية، وضرورة، كي نطرحها عليها، أو نطرحها على الروائي العربي؟ وهل انتهت الرواية العربية من مشكلة اللغة: فصحى أم عامية؟ مثلاً؟ وهل استطاع الروائي العربي حل معضلة لغة الشخصيات، ولغة السرد؟

بل يمكن القول إن مشاكل مزمنة من نوع قضية الشكل والمضمون، أو مسألة الهوية الروائية العربية، أو علاقة النص الروائي المعاصر بالتراث السردي العربي، ما تزال عالقة في الفضاء الفكري العربي دون أن تناقش مناقشة حرة بعيدة عن إرادة التحزّب.

وأن يكون عدد صفحات الرواية وحده قضية للنقاش، قد يعكس نوعاً من العطالة، والبطر الفكريين. أو يشير إلى الخواء والعجز عن تفحص القضايا الجوهرية، ومناقشتها. أو يؤشر، وهذا هو الأخطر، إلى فراغ الحياة الفكرية العربية من الحوار، وانتشار ظاهر الإملاء.

واللافت أن النقد العربي كان يتّسم بالمتابعة النقدية للمنجزات الروائية العربية في الستينيات، يوم كان عدد الروائيين لا يزيد عن عدد أصابع اليد. وكان النقد التطبيقي، الذي يحاول قدر الممكن أن يحلل ويدرس الرواية العربية، في الشكل والمضمون، أو اللغة أو الشخصيات، يغلب على الحقل النقدي.

وفي حين تشهد الرواية العربية نهوضاً بيّناً، يخفت صوت النقد اليوم. بينما يرتفع صوت الناقد الراغب في اعتلاء كرسي المعلّم، أو الوصي الحاكم الذي تغويه شهوة السلطة.

المساهمون