لا زالت الحياة، وبعد قرون من ملاحظة ساقها سبينوزا (القرن السابع عشر)، سجينة التصنيفات. إنها مقسّمة بتعسّف بين خير وشر ومحبوب ومكروه ومقدّس ومدنّس. هذا التقسيم هو في نفس الوقت اعتباطي ومنفعي، وهو الذي يولّد التشاحن والتضارب إلى ما لا نهاية.
توجد حقوق ملكية (غير مكتوبة) لصناعة التصنيفات، يمكن أن نلاحظها لو أننا شرّحنا ما نتعرّض له من سلطات، مثلاً ها هي المركزية الغربية تتبنّى رؤية (رغم تشوّشها) حول مفهوم العنف ومن له الحق في استعماله وأين؟
وها أن الدول/ السلطات العربية تعكسها على مجتمعاتها (لا ننسى سلطتها هي الأخرى) وتستخدمها في ممارسة الهيمنة، حتى أن هذا التصنيف يتداخل مع تفكير كل فرد فيتحوّل إلى منظور عام تتهرّى نوايا مقاومته بمضيّ الوقت وتواصل التكريس.
لعل وعي البعض باعتباطية (ومنفعية) وانحياز التقسيمات المطروحة للنقاش، يوصد أمامه أبواب التفكير. وهو ما يمنعنا حضارياً من نظم سرديّة نرى من خلالها العالم، فمفردات السرديّة المطروحة جاهزة وجائرة ومفككة يستعملها الجميع من حولنا، ولا يملك أحد أن يتوقّف عن ذلك. هذا ويوجد حولنا أيضاً من يرفض الحق (الشخصي والجماعي) في التفكير لاعتبارات عدة.
ربما تكون أجنّة ميثولوجيات (أو اختراع لا مادي آخر) تتبرعم الآن في بطن البشرية، على الأقل في حضارتنا. هكذا فعل الإنسان أول مرة حين لم يعرف وضع الظواهر تحت سقف العقل، ولقد استفاد من هذه الاستراتيجية طويلاً.