حجارة خشنة مجوّفة، وأخرى مصقولة وبيضاء، طواطم، وبيض نحتته من الحجر، ثمة تصاميم حادة في بعض الأحيان، عند تأمّل هذه الأعمال ستقول لنفسك إنك رأيتها كثيراً، لكن الحقيقة أنك رأيت استنساخاً وتقليداً لأعمال النحاتة البريطانية باربرا هيبورث (1903 - 1975)، والتي بدأت نواتها تتّضح في أعمالها الخشبية والحجرية والرخامية أواخر عشرينيات القرن الماضي.
"متحف رودان" في باريس، وبالتعاون مع "متحف تيت" في لندن، يقيم معرضاً استعادياً لفنانة طالما وصفت بأنها قليلة الحظ في المعارض والاهتمام والمبيعات. ينطلق المعرض في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل ويتواصل حتى 22 آذار/ مارس 2020.
هيبورث، وفقاً لبيان "رودان"، الذي نظّم لها معرضاً منذ أكثر من 60 عاماً، ما زالت مجهولة في فرنسا اليوم رغم أنها لا تقل مكانة عن هينري مور أو بيكاسو أو كاندينسكي، الذين كانوا أصدقاء لها ورغم تردّدها على فرنسا، فهي واحدة ممّن أحدثوا ثورة في النحت وأظهرت شعوراً جمالياً جديداً، وإن كان ما يذكره المتحف من إهمال لها صحيحاً، فقد عاشت التهميش مثل عشرات الفنانات الرائدات، واللواتي بدأت منصات العالم الفنية في السنوات الأخيرة تردّ لهن الاعتبار.
يمثّل نحت هيبورث العضوي أيضاً رؤية للعالم بعد الحرب العالمية الأولى، حاولت أن تقدّم فيه الإحساس برؤية سلمية بعيدة عن فظائع الحرب، ويحاول المعرض أن يقدّم بانوراما شاملة لتجربتها من أعمال نحتية وتشكيلية، إضافة إلى إلقاء ضوء على حياتها الشخصية.
سافرت هيبورث إلى إيطاليا بمفردها، وكانت تبلغ من العمر 21 عاماً، بعد دراستها في ليدز وفي "الكلية الملكية للفنون" في لندن، وهناك كانت توصف بأنها مثل زوبعة بمهاراتها وأفكارها الراديكالية في النحت. في تلك السنوات الأولى، أنجزت منحوتات من الرخام ومن أشهرها "حمامتان" (1927)، واشتهرت أعمالها التي شكّل كل منها أساساً لخط جديد تجرّب فيه، وهي "الأم والابن" (1934)، و"الأحمر المشدود" (1941)، و"بندور" (1947)، و"دولفين" (1955)، و"الشكل المنفرد" (1961- 1964) وهذا أبرز أعمالها على الإطلاق، وفيه اتجهت إلى العمل الضخم الأبعاد واشترته منها الأمم المتحدة.
بعد فقدها لابنها الطيار الذي تحطمت به طائرته وانفصالها عن زوجها الرسّام الإنكليزي بن نكلسون الذي لم يكن زوجاً وحسب، بل كان الاثنان معاً يفكران في تطوير عملهما معاً وجمعتهما الشراكة الفنية قبل العاطفية، وأصيبت ابنتها بمرض في العظام، ودخلت الفنانة في اكتئاب عميق أبعدها عن النحت فترة طويلة، فسافرت إلى اليونان وقصدت أن ترى منحوتات الإغريق القديمة وتعود للثقة بالفن، بعد أن هزّ موت ابنها بول معنى وجودها والرغبة فيه، وبالفعل عادت هيبورث إلى لندن بعدها وأنجزت منحوتتها "دولفين" لتجسد الكائن الذي يختفي في الماء لفترة ويخرج من جديد.