نسخة معاصرة من أخبار الحمقى والمغفلين [7]

03 نوفمبر 2018
رسم: فؤاد هاشم
+ الخط -

الحمقى من الولاة والخطباء

ولّى يزيدُ بن المهلب أعرابياً على بعض كور خراسان، فلما كان يوم الجمعة صعد المنبر وقال: الحمد لله. ثم أُرْتِجَ عليه، فقال: أيها الناس، إياكم والدنيا، فإنكم لن تجدوها إلا كما قال الله سبحانه وتعالى:
وما الدنيــا بباقية لِحَـــــــــــيٍّ
وما حيٌّ على الدنيا بباقٍ
فقال كاتبه: أصلح الله الأمير، هذا شعر.
قال: فالدنيا باقية على أحد؟
قال: لا.
قال: فيبقى عليها أحد؟
قال: لا.
قال: فما كَلَّفَتْكَ إذن؟

وبلغنا أن بعض العرب خطبَ في عمل وَلِيَهُ، فقال في خطبته: (إن الله خلق السموات والأرض في ستة أشهر).
فقيل له: بل في ستة أيام.
فقال: والله أردتُ أن أقولها ولكنني استقللتُها!

وأتى نَخَّاسٌ ببغل إلى المنصور وقال: هذا شراؤه أربعون ديناراً. فقال منصور: لا تربح عليَّ شيئاً هذه المرة. يا غلام أعطه ألفاً وخمسمئة دينار!
ودخل المنصور على المأمون وقال له: يا أمير المؤمنين، الموت فاشٍ في الكوفة، ولكنه سليم!

ودخل المنصور على أحمد بن أبي حاتم وهو يتغدى برؤوس، فقال له أحمد: هلم يا أبا سهل، فإنها رؤوس الرُضَّع.
فقال: هنيئاً. أطعمنا الله وإياك من رؤوس أهل الجنة!
وشَغَبَ رجالٌ على الحسين بن مخلد يوماً، وطالبوه بالمال، فقال:
- أنا ما معي مال في بيتي أُخْرِجُه، إنما أنا كـ (المِرْمَلَة) إن صَبَّ أحدٌ في أعلاي شيئاً، أنتم تأخذونه من أسفلي!
كان عبد الله بن أبي ثور والي المدينة، خطب الناس فقال:
- أيها الناس اتقوا الله وارجوا التوبة، فإنه أهلك قومَ صالحٍ في ناقة قيمتها خمسمئة درهم!
فسموه مُقومَ الناقة (أي: مُقَدِّر ثمن الناقة!)، وعزله الزبير.

وكتب حيان، عاملُ مصر، إلى عمر بن عبد العزيز: إن الناس قد أسلموا، ولم يبق جزية.
فكتب إليه عمر: أبعد الله الجزية.. إن الله بعث محمداً هادياً، ولم يبعثه جابياً للجزية.

حدثنا حسن بن مخلد أنه كان عند شجاع بن القاسم، وقد دخل قوم من المتظلمين، خاطبهم في أمورهم فقال:
- ليس النظر في هذا الآن، والأمير سيجلس في هذا ومثله (أول أمس) فصيروا إليه!
ودخل شجاع بن القاسم على المستعين مرة، وطَرَفُ قبائه (معطفه) مخرَّق، فسأله عن سبب ذلك فقال:
- اجتزتُ في الدرب، وكان فيه كلبٌ، فوطأتُ قباءَه، فانخرق ذَنَبي!
لم يتمالك المستعين نفسه، فضحك.

وبلغنا أن نصر بن مقبل (وكان عامل الرشيد على الرقة) أمر بإقامة الحد على شاة، وجلدها. فقالوا: إنها بهيمة. قال: الحدود لا تعطل وإن عطلتُها فبئس الوالي أنا.
انتهى خبره إلى الرشيد، فلما وقف بين يديه قال له: من أنت؟
قال: مولى لبني كلاب!
ضحك الرشيد وقال: كيف بصرُك بالحكم؟
قال: الناس والبهائمُ عندي واحد في الحق، ولو وجب الحق على بهيمة، وكانت هذه البهيمةُ أمي أو أختي لأقمت عليها الحد، ولم تأخذني في الحق لومة لائم.
فاستغنى الرشيد عنه.

حضر أحد حكماء الهند مع وزير في المملكة، وكان ركيكاً.
قال الوزير للحكيم: ما العلمُ الأكبرُ؟
قال الحكيم: الطب.
قال: فإني أعرف من الطب أكثرَه.
قال: فما دواءُ المبرسَم أيها الوزير؟
قال: دواؤه الموت حتى تنخفض حرارةُ صدره، ثم يعالجُ بالأدوية الباردة ليعود حياً.
قال الحكيم: ومن يحييه بعد الموت؟
قال الوزير: هذا علمٌ آخرُ وجد في كتاب النجوم، ولم أنظر في شيء منه إلا في باب الحياة، فإني وجدتُ في كتاب النجوم أن الحياة للإنسان خير من الموت!
قال الوزير: صدقت، ولكن الموت للجاهل خير من الحياة!!
استعرض أبو خندف دوابه، فوجد فيها واحدة عجفاء مهزولة. قال: هاتوا الطباخ. فلما حضر بطحه وضربه خمسين مقرعة، وقال له: ما لهذه الدابة على هذا الحال؟
قال: يا سيدي أنا طباخ، ما علمي بأمر الدواب؟
قال: بالله العظيم أنت طباخ؟ لماذا لم تقل لي ذلك؟ اذهب الآن، فإذا كان الغد فاضرب السائس ستين مقرعة، يبقَ لك عشر مقارع.. فطب نفساً!

خرج قوم من الديلم إلى إقطاعيتهم، فظفروا باللص بالمعروف بـ (العراقي)، فحملوه إلى الوزير أبي عبد الله المهلبي، فطلب إحضار الكاتب أحمد بن محمد القزويني. فلما حضر قال له: هذا اللص العيار (العراقي) الذي عجزتم عن أخذه، خذوه واكتب خطك بتسليم الثلاثة.
فقال: السمع والطاعة إلى ما يأمر به الوزير، ولكنك تقول ثلاثة، وهذا واحد، فكيف أكتب خطي بتسليم ثلاثة؟
فقال: يا هذا، هذا العدد صفة لهذا الواحد.
فكتب يقول: أنا أحمد بن محمد القزويني الكاتب، تسلمت من حضرة الوزير، اللصَّ العيار (العراقي)، ثلاثة، وَهُمْ واحدْ رجل!
فضحك الوزير، وضحك الحاضرون.

حضر أحدُ التجار المسافرين إلى مجلس الوزير ذي السعادات أبي الفرج بن محمد جعفر.. وعرضوا عليه ثلاث شقاق من حرير، وتركها عنده مدة، فلما عاد ليستلمها فتح الوزير الدواة وكتب على إحداها، بخط غليظ (هذه لا تصلح)، وعلى الثانية (وهذه غير مرضية)، وعلى الثالثة (وهذه غالية)، وأعادها إلى التاجر بعدما تلفتْ.
وكان إذا أخطأ الفرس تحته يأمر بقطع العلف عنه تأديباً له. فإذا كلموه في ذلك قال:
أطعموه ولا تُعلموه أني علمت بذلك!

وجاء واحد من النصارى إلى عبد الله بن بشار، وكان عاملاً على المدينة، وقال: أريد أن أُسْلِمَ على يديك.
فقال: يا ابن الفاعلة، أما وجدت في عسكر أمير المؤمنين أهون مني، حتى جئت تلقي بيني وبين عيسى بن مريم عداوة إلى يوم القيامة؟

وجاء أحد الأمراء المغفلين على بياع الثلج، فقال: أرني ما عندك.
فكسر له قطعة وناوله. قال: أريد أبرد من هذه.
فكسر له قطعة من الجانب الآخر. فقال: كيف سعر هذه؟
فقال: رطل بدرهم.. ومن الأول رطل ونصف بدرهم.
فقال: زن من الثاني!

وأنشد عبد الله بن فضلويه، عامل قريميسين في مجلسه الذي كان غاصاً بالناس، هذا البيت:
يومُ القيامة يومٌ لا دواءَ له إلا الطلاءُ وإلا اللهوُ والطربُ
فقال أحد الحاضرين، مصححاً: هو يوم الحجامة، لا القيامة.
فقال: اعذروني إني لا أحسن النحو.

كان أبو العباس بن درستويه جالساً في عزاء أبيه، وقد ورد نعيه من الأهواز، وكان عنده رؤساء الدولة، وقد ولي الديوان مكان أبيه. فلما تمكن من المجلس تباكى وقال:
لعل هذه إرجافٌ (افتراء) ورد في الكتاب.
فقال له أبو الفرج محمد بن العباس: قد وردتنا كتب عديدة.
قال: دع هذا كله، هل ورد كتاب بخط أبي نفسه؟
قال: لو ورد كتاب بخطه ما جلسنا للعزاء فيه.
وضحك الناس.

فصل: في ذكر المغفلين من القضاة

خاصم الشاعرُ أبو دلامة رجلاً لدى القاضي (عافية) فقال:
لقدْ خاصَمَتْني غواةُ الرجالِ وخاصمتُهم سنةً وافيهْ
فما أدحضَ اللهُ لـــــــي حجـةً وما خيـبَ اللهُ لي قافيهْ
فَمَنْ كنتُ من جوره خائفاً فلستُ أخافُك يا (عافيهْ)
فقال له (عافيهْ): لأشكونَّك لأمير المؤمنين.
قال: لِمَ تشكوني؟
قال: لأنك هجوتني.
قال: والله لئن شكوتني ليعزلنَّك.
قال: لم؟
قال: لأنك لا تعرف الهجو من المدح!

وحدثنا عبد الرحمن بن مسهر قال: كنت قاضياً بـ (جَبَل)، وبلغني أن الخليفة هارون الرشيد منحدرٌ إلى البصرة، فرجوت أهل (جَبَل) أن يثنوا عليَّ أمامه، فوعدوني أن يفعلوا ذلك، وتفرقوا، فلما آيسوني من أنفسهم سرَّحْتُ لحيتي، وخرجتُ، فوقفتُ له. فوافى، ومعه أبو يوسف، في (الحراقة)، فقلت:
- يا أمير المؤمنين، نِعْمَ القاضي قاضي (جَبَل)، قد عدل فينا وفعل وصنع..
وجعلتُ أثني على نفسي، فرآني أبو يوسف فطأطأ رأسه وضحك، فقال هارون:
- مم تضحك؟
فقال: إن المثني على نفسه هو القاضي نفسه.
فضحك هارون حتى قَبَّت ساقاه. وقال: هذا شيخ سخيفٌ سُفْلَةٌ، فاعزله.
فعزلني.

دلالات
المساهمون