سلوى سرور تقود حافلة أطفال

17 مارس 2016
تستعد للانطلاق (إيمان عبد الكريم)
+ الخط -
من المعتاد أن ترى حافلات تقل أطفالاً إلى مدارسهم يقودها رجال. هؤلاء السائقون يتولون نقل الأطفال من بيوتهم إلى روضاتهم أو مدارسهم والعكس. لكن في المجتمع الغزي المحافظ، يعدّ رؤية امرأة تتولى هذه المهمة أمراً غريباً، بل مستهجناً.
صباح كل يوم، تستعد سلوى سرور للعمل. بداية، تتفقد حافلتها لتتأكد من أن كل شيء على ما يرام، ثم تتجه إلى بيوت الأطفال لإحضارهم وإيصالهم إلى الروضة. وعند الظهيرة، ترجعهم إلى بيوتهم. يسعدها العمل مع الأطفال والاستماع إليهم يومياً. الأطفال بدورهم يشعرون بكل هذا الحب في قلبها.

سلوى هي المرأة الوحيدة في غزة التي تقود حافلة لنقل الأطفال، علماً أنه عادة ما يمارس الرجال هذا العمل تماشياً مع العادات والتقاليد. صحيح أن عدداً من النساء يقدن سياراتهن الخاصة، إلا أنهن لا يكسبن لقمة العيش من خلالها.
سلوى التي تدير روضة للأطفال في غزة برفقة شقيقتها منذ 11 عاماً، اختارت العمل كسائقة تهمّ بإعادة الأطفال إلى منازلهم. تقول لـ "العربي الجديد": "يعتقد بعضهم أن قيادة الحافلات تقتصر على الرجال فقط، إلا أنهم غير قادرين على التعامل مع الأطفال في هذه المرحلة العمرية تحديداً (بين ثلاث وخمس سنوات)". تضيف سلوى، التي تحترف القيادة، والقادرة على التركيز من دون أن تنسى محادثة الأطفال للترفيه عنهم، إن عملها كسائقة لأكثر من خمسة أعوام ساعدها على كسب ثقة ومحبة أهالي الأطفال، وإكمال مشوارها الصعب والمرهق نفسياً وجسدياً.

وعادة لا تسلم سلوى من انتقاد المجتمع، وخصوصاً السائقين الرجال أو عناصر الشرطة. وتذكر حين أوقفها شرطي في إحدى المرات. تقول: "نادى علي الشرطي وكأنني رجل. وحين رآني صدم وصمت للحظات، ثم أكمل حديثه محاولاً أن يخبرني عن صعوبة عملي". وفي المرات الكثيرة التي كان يعاني منها قطاع غزة من نقص في الوقود، كانت سلوى تقف في الطوابير بين الرجال أمام محطات الوقود لتعبئة حافلتها، على الرغم من تدافع السائقين. لكن كونها أنثى، عادة ما يؤمن لها الرجال مكاناً خاصاً في المقدمة، إذ لا يجوز بقاؤها لساعات طويلة في طابور الانتظار من وجهة نظرهم. تطلبُ من أحد الأطفال تعديل جلسته قبل أن تضيف: "أحب القيادة وأكون في غاية السعادة حين أطمئن بنفسي على الأطفال. هؤلاء أطفالي وأتحمّل مسؤولية حمايتهم وإيصالهم إلى منازلهم".

اقرأ أيضاً: نساء غزة يواجهن الحصار والفقر والبطالة

شخصية سلوى القوية، بالإضافة إلى جرأتها وإصرارها على قيادة الحافلة، كانت قد اكتسبتهما منذ زمن، هي التي عملت في إحدى ورشات إصلاح التلفزيونات والأدوات الكهربائية. كذلك، عملت سمسارة عقارات. تضيف: "زرع والدي في داخلي القوة والثقة. ولطالما قال إن المرأة لا تختلف عن الرجل، ويمكنها القيام بكل ما يفعله الرجل ما دامت قادرة على ذلك، وترى الأمر مناسباً".

لم يبقَ في الحافلة سوى الطفلة نور. ونظراً لبعد منزلها عن الروضة، دائماً ما تكون الأخيرة التي تترجل من الحافلة. تقول نور وهي تحتضن سلوى: "أحب ماما سلوى. كثيراً ما تساعدني على كتابة الكلمات باللغة الإنجليزية بطريقة صحيحة. ودائماً ما تلعب معنا وتشعرنا بفرح كبير. هي تحبنا كثيراً وتخاف علينا".
تعود سلوى للحديث عن القيادة. تقول: "على السائق ألا يركز على الطريق فقط"، لافتة إلى أن الأطفال يحتاجون إلى من يتحدث معهم ويصادقهم ويستمع إلى مشاكلهم ويتعامل معها بسلاسة ومرونة حتى لا يزرع فيهم الخوف. وكان هذا هدفي الرئيسي من قرار قيادتي الحافلة".

وعلى الرغم من وجود من يعارض دورها الاجتماعي، إلا أن هناك من يساندها ويؤكد أهمية دور المرأة في عملية الإصلاح. في هذا السياق، تقول مديرة الروضة وشقيقة سلوى سائدة سرور إنه "يمكن للنساء القيام بجميع الأعمال حتى الصعبة منها. وعليهن ألا يسمحن للمجتمع الذكوري بالسيطرة عليهن أو منعهن من خوض الطريق الصعب الذي يرغبن فيه". وترى أن شقيقتها قادرة على التعامل مع الأطفال الذين يحتاجون للعطف والحنان، لافتة إلى أنه عادة ما تتميز النساء بالصبر في التعامل مع الأطفال أكثر من الرجال.
وصلت نور إلى بيتها. نزلت من الحافلة بعدما قبّلت سلوى على خدها. أما سلوى، فانتظرت إلى أن فتحت والدتها الباب وعانقتها، ولوّحت بيدها لسلوى تشكرها، لتنطلق الأخيرة عائدةً إلى بيتها بابتسامة لا تفارق وجهها، وكلّها أمل بغدٍ أفضل وأجمل للأطفال.

اقرأ أيضاً: الفروسيّة متنفّس للغزيات
المساهمون