في لبنان حراك شعبي ثوري مستمر منذ السابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. في هذا الحراك هبّ شباب وكهول وصغار، من الذكور والإناث، ومن مختلف أطياف المجتمع، ومن مختلف المناطق اللبنانية، للمطالبة بحقوقهم بالدرجة الأولى، وكفّ أيدي الفاسدين عن التلاعب بتلك الحقوق. هبّ اللبنانيون لوقف هدر الأموال العامة واختلاسها، ووقف التعدّي على الأملاك العامة التي تفترض كلمة "عامة" أنّها ملك لكلّ المواطنين.
لكنّها منظومة فساد تتحكم بكلّ شيء، في لبنان، منذ عقود طويلة، وتعيد إنتاج نفسها بما تملك من أوراق طائفية قوية، وعلاقات عابرة للطوائف على صعيد البنية الفوقية تتقاطع فيها مصالح الزعماء، في مقابل تقطيع الروابط في البنية التحتية بين الناس على الأساس الطائفي نفسه. دأب السياسيين في مثل هذه النماذج، أن يتحالفوا مع أيّ كان في سبيل الحفاظ على مصالحهم وتعزيزها، وتكريس نموذج الراعي والرعية وتهميش نموذج الدولة والمواطن. فالأول يستجدي فيه أتباع الزعماء ما يحتاجون إليه استجداء من زعيمهم، فإذا ما أعطاه لهم وصل الأمر بهم إلى حدّ التقديس. أما الثاني فالمسؤول كائناً من كان مجرد موظف، وللمواطن حقوق لا يستجديها بل يستحقها عن طريق مواطنته، وعن طريق أدائه الفروض المطلوبة منه لدولته في المقابل.
أخطر تحالف للسياسيين في هذا السبيل هو مع رجال الدين، إذ يلعبون في ذلك على مشاعر الناس. وهو ما يكشفه اقتباس من خليل أحمد خليل يقول: "بالعودة إلى العالم العربي والإسلامي، نلاحظ أنّ الكائن السياسي يتوسل الكائن الديني، كلما اقتضت الحاجة ترويض وعي الجمهور".
في إحدى الجرائد اللبنانية اليومية، زاوية مخصصة للاستفتاءات الدينية، سأل فيها أحد القراء: "ما هي الأشياء التي يفعلها المسلم حتى يوسّع الله عليه في الرزق والعطاء"؟ سؤال في قلب الأزمة الحاصلة في لبنان، بما فيها من امتهان للكرامة الإنسانية، وحرمان من أبسط الحقوق الاقتصادية والاجتماعية قبل الحديث عن السياسية. مع ذلك، لم تشذّ الإجابة عن تعليم القارئ بعض الآيات والأدعية بالإضافة إلى مطالبته بصلة الرحم، وكذلك السعي في الأرض.
اقــرأ أيضاً
الدين أساس حقيقي لدى فئة كبيرة من الناس، لعلّها أكبر من غيرها بكثير. لكنّ الواقع الاجتماعي يشير إلى أنّ مثل هذه الإجابة تضع اللوم على الفقير في فقره، إذ تنسلخ عن حقيقة أنّ معظم الناس هم من ذوي الدخل المحدود، فأين يسعون وهم ملتزمون بدوام قد يمتد اثنتي عشرة ساعة، للحصول على مبلغ تتدنى قيمته شيئاً فشيئاً بفعل التلاعب الحاصل بالدولار؟ وكيف توفر صلة الرحم بين الفقراء رزقاً؟ وهل تكفي الأدعية لتحصيل الرزق أم تحتاج إلى ثورة حقيقية توفر الحقوق هذه المرة، وتحاسب الفاسدين يا "مولانا"؟
لكنّها منظومة فساد تتحكم بكلّ شيء، في لبنان، منذ عقود طويلة، وتعيد إنتاج نفسها بما تملك من أوراق طائفية قوية، وعلاقات عابرة للطوائف على صعيد البنية الفوقية تتقاطع فيها مصالح الزعماء، في مقابل تقطيع الروابط في البنية التحتية بين الناس على الأساس الطائفي نفسه. دأب السياسيين في مثل هذه النماذج، أن يتحالفوا مع أيّ كان في سبيل الحفاظ على مصالحهم وتعزيزها، وتكريس نموذج الراعي والرعية وتهميش نموذج الدولة والمواطن. فالأول يستجدي فيه أتباع الزعماء ما يحتاجون إليه استجداء من زعيمهم، فإذا ما أعطاه لهم وصل الأمر بهم إلى حدّ التقديس. أما الثاني فالمسؤول كائناً من كان مجرد موظف، وللمواطن حقوق لا يستجديها بل يستحقها عن طريق مواطنته، وعن طريق أدائه الفروض المطلوبة منه لدولته في المقابل.
أخطر تحالف للسياسيين في هذا السبيل هو مع رجال الدين، إذ يلعبون في ذلك على مشاعر الناس. وهو ما يكشفه اقتباس من خليل أحمد خليل يقول: "بالعودة إلى العالم العربي والإسلامي، نلاحظ أنّ الكائن السياسي يتوسل الكائن الديني، كلما اقتضت الحاجة ترويض وعي الجمهور".
في إحدى الجرائد اللبنانية اليومية، زاوية مخصصة للاستفتاءات الدينية، سأل فيها أحد القراء: "ما هي الأشياء التي يفعلها المسلم حتى يوسّع الله عليه في الرزق والعطاء"؟ سؤال في قلب الأزمة الحاصلة في لبنان، بما فيها من امتهان للكرامة الإنسانية، وحرمان من أبسط الحقوق الاقتصادية والاجتماعية قبل الحديث عن السياسية. مع ذلك، لم تشذّ الإجابة عن تعليم القارئ بعض الآيات والأدعية بالإضافة إلى مطالبته بصلة الرحم، وكذلك السعي في الأرض.
الدين أساس حقيقي لدى فئة كبيرة من الناس، لعلّها أكبر من غيرها بكثير. لكنّ الواقع الاجتماعي يشير إلى أنّ مثل هذه الإجابة تضع اللوم على الفقير في فقره، إذ تنسلخ عن حقيقة أنّ معظم الناس هم من ذوي الدخل المحدود، فأين يسعون وهم ملتزمون بدوام قد يمتد اثنتي عشرة ساعة، للحصول على مبلغ تتدنى قيمته شيئاً فشيئاً بفعل التلاعب الحاصل بالدولار؟ وكيف توفر صلة الرحم بين الفقراء رزقاً؟ وهل تكفي الأدعية لتحصيل الرزق أم تحتاج إلى ثورة حقيقية توفر الحقوق هذه المرة، وتحاسب الفاسدين يا "مولانا"؟