تنمّر وحرب مليشيات في مدارس ليبيا

27 يناير 2019
في إحدى مدارس ليبيا (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -
الحرب والانفلات الأمني في ليبيا خلقا مشاكل كثيرة في المجتمع، وأثّرا على الأطفال بشكل كبير. ويلاحظ ارتفاع نسبة التنمر في المدارس، واستخدام الأطفال عبارات المليشيات وأساليبها، ما ينذر بخطر كبير على مستقبلهم

تتضاعف الأزمات في ليبيا في ظل استمرار التوترات الأمنية والحروب. ويلاحظ تربويّون مدى انعكاسها على الأطفال في المدارس، خصوصاً مع انتشار التنمّر. في هذا الإطار، تقول رئيسة جمعية "إيلاف" الأهلية آمنة الجديدي، لـ "العربي الجديد"، إنّ "تلاميذ في المرحلة الإعدادية في إحدى مدارس طرابلس اتصلوا هاتفياً بأسرة إحدى المدرسات، وهددوها بخطف المدرّسة إذا رسبوا في مادتها". وتوضح أن أسلوب التهديد بالخطف مستوحى من بيئة البلاد، وقد أصبح الخطف وسيلة ضغط وإكراه.

ويبدو أن التنمّر في المدارس يحظى باهتمام في البلاد، إذ إن مكتب التعليم في مدينة سرت عقد أخيراً ندوة لبحث التنمّر في المدارس بمشاركة متخصصين تربويين ومدرسين ومسؤولين في المكتب. وأطلقت الحركة العامة للكشافة والمرشدات في طرابلس، منتصف العام الماضي، حملة للحدّ من التنمّر وترشيد التلاميذ، شملت 14 بلدية.




والتنمّر سلوك سلبي متعمد من قبل تلميذ أو أكثر لإلحاق الأذى بتلميذ آخر سواء بالتهديد أو الشتائم أو الاحتكاك الجسدي كالضرب والدفع. وتكشف الجديدي عن دراسة أعدتها جمعيتها من خلال مسح شمل خمس مدارس في طرابلس وأربعاً في بنغازي وخمساً أخرى متفرقة بين مصراته وغريان، مشيرة إلى أن نتائجها كارثية. وتوضح أن "عينات الدراسة التي أجربت نهاية عام 2016 وبداية عام 2017، وشملت 603 تلاميذ كعينات، أظهرت أن 71 في المائة هم متنمرون، و16 في المائة ضحايا تنمر، و13 في المائة متنمرون وضحايا في آن. وتشير إلى أن أشكال التنمر تختلف ما بين الاعتداء اللفظي والجسدي.

وتلفت الجديدي إلى أن بعض المتنمرين يقودون شللاً أحياناً، وقد ينتمي بعضهم إلى عائلات مليشياوية أو عائلات تتجول في سيارات مسلحة في المنطقة. تضيف أن بعض هؤلاء الأطفال يتخذون ألقاباً لأسماء قادة مليشيات مشهورين.

تتابع: "في مدرسة الوحدة في أبي سليم، طفل في 13 من عمره، يلقب باسم قائد مليشاوي شهير وينتمي لأسرة مليشيوية. لذلك، لم يعد يخيف التلاميذ فقط بل إدارة المدرسة أيضاً". وتؤكد أن هذا من تأثيرات بيئة الحرب.

وتذكر الجديدي أن التلاميذ يستخدمون أثناء اللعب في ساحات المدارس مسميات محلية للأسلحة المعروفة كـ "الأربعطاش ونص" وغيرها من عبارات التهديد. وتتحدث عما رصده فريق البحث من عبارات تستخدم خلال العراك بين التلاميذ، خصوصاً إذا كان أحدهم متنمراً. وتقول إن هناك مؤشرات خطيرة على اتخاذ سلوك المتنمرين منحى جرمياً، من خلال استخدام عبارات المليشيات أثناء حروبهم، مثل "خوذ ساتر وكبر" التي استخدمت خلال عراك بين تلاميذ، وتعني أن تحتاط لحماية نفسك بأخذ ساتر والتكبير لله". وتشير إلى أن الدراسة أثبتت أيضاً احتواء حقائب التلاميذ على ألعاب على شكل أسلحة مثل المسدسات، والتي تعكس سعي المتنمر إلى تهديد ضحيته.

من جهته، يؤكد عبد الرزاق مخلوف، وهو باحث اجتماعي يعمل لدى إدارة الخدمة الاجتماعية والصحة المدرسية في وزارة التعليم في طرابلس، أن أهداف الوزارة متعددة، منها السعي إلى الحد من التنمر. ويقول مخلوف لـ "العربي الجديد": "بعض الخطط لرفع مستوى التلميذ والمدرسة تخضع للدراسة حالياً، بالتعاون مع متخصصين لمعالجة ظواهر عدة ليس التنمر أولها ولا آخرها"، مشيراً إلى مدى تأثير أزمات البلاد على نفسية التلميذ.




يضيف: "الطفل مثل لوح من زجاج يتأثر بالخدش. وما لا يمكن إنكاره هو أن أزمات البلاد أحدثت خدوشاً في نفسيات التلاميذ، لكنّنا نسعى ألا نصل إلى مرحلة الكسر". ويوضح أن تلك "التصرفات عادة ما تكون انعاكساً لصور خزنتها ذاكرة الطفل عن محيطه. المتنمر عادة ما يكون في بيئة أو أسرة على علاقة بالمسلحين الأقوياء في المنطقة. ومن يقع ضحية التنمر عادة ما ينتمي لأسرة نازحة من مناطق أخرى هرباً من الحروب"، مؤكداً أن الاثنين من الضحايا. ويشير إلى خطورة الآثار النفسية على المتنمر، خصوصاً على مستقبله. يتابع: "في المرحلة الإعدادية، يكون الطفل المتنمر قريباً من مرحلة المراهقة. وهناك عوامل عدة قد تسهّل ضياعه، منها المليشيات". ويؤكد أنه لا يمكن إنكار أن بعض التلاميذ تسربوا من إحدى المدارس في مرحلة التعليم الثانوي، بهدف الالتحاق بالمليشيات. ويشدّد على ضرورة وجود متخصصين في المدارس لمواجهة التنمر، قائلاً: "لا يوجد ضمن الوزارة مرشدون نفسيون، وهو أمر مهم في المدراس الآن، ويمكن على الأقل إجراء دراسات تبنى على أساسها حلول عملية"، مؤكداً أن "الدور تكافلي ولا يتوقف على الجهود الرسمية بل يتطلب دوراً من العائلات".
المساهمون